الصورة الأخيرة... من السيلفي ما قتل

الصورة الأخيرة... من السيلفي ما قتل

الصورة الأخيرة... من السيلفي ما قتل


07/09/2023

عبدالله عويس

للحصول على صورة للذكرى برفقة الأسرة أو الأصدقاء أو حتى بشكل منفرد، كان الأمر يتطلب تجهيزاً للذهاب لأحد استوديوهات التصوير، وانتظار إشارة من المصور، لكن الآن بات الوضع أكثر سهولة، فكاميرا الهاتف باختلاف الدقة بإمكانها حبس اللحظات من دون مجهود يذكر، وبعد أن كان المصورون يلتقطون للآخرين صورة، بات بإمكان كل فرد تصوير نفسه أو ضمن آخرين على طريقة الـ"سيلفي".

معرض الهاتف الذي كان مساحة لمشاهدة الصور واستدعاء الذكريات صار يحمل صوراً أكثر، لا سيما مع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتعزيز الأمر بإضافة الحالات أو القصص (ستوريز) على منصات مختلفة، فتزايدت الصور وزاد معها صور السيلفي، سواء بالكاميرا الأمامية للهاتف أو الخلفية حال وجود مرآة وتختلف أشكال التصوير وتتعدد باختلاف الفكرة، لكنها أخذت منحى قاتلاً في بعض الأحوال.

صور ملعونة

خلال أغسطس (آب) الماضي وقعت حوادث عدة تتعلق بذلك النمط من التصوير، كان منها وفاة شاب إيطالي من فوق قمة جبلية في مدينة روتسو الإيطالية، فأثناء التقاطه صورة "سيلفي" مع صديقته سقط الهاتف من بين يديه، وهو على ارتفاع أكثر من 200 متر، وحين حاول الإمساك به سقط هو الآخر ولقي حتفه.

صديقة أندريا مازيتو، نشرت صورة قالت إنها ملعونة، وكانت الأخيرة لهما قبل سقوطه من ذلك الارتفاع القاتل، ولاقت تلك الصورة والحكاية انتشاراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تناولتها وسائل الإعلام بالتحذير من مخاطر السيلفي، الذي قد يغامر بعضهم بأشكال غير اعتيادية للحصول على صورة يحسب أنها مميزة، لكنها قد تقود إلى هلاكه.

حكاية الموت السابقة مع السيلفي سبقتها حكاية أخرى خلال الشهر نفسه أغسطس الماضي، عندما كان ثلاثة أشخاص يجلسون جنباً إلى جنب على سكة قطار، في مدينة أوك بارك بشيكاغو وهم يلتقطون سيلفي، لكنهم تعرضوا لصعقة كهربائية بقوة 600 فولت، وكان أحد الثلاثة يرتجف بشدة ووقع على ظهره، فيما بدأت أخرى بالارتجاف إلى جواره.

بحسب صحف محلية أميركية، فإن إدارة إطفاء أوك بارك، وصلت إلى الرجل الذي أصيب بسكتة قلبية، ثم نقل إلى مركز طبي وهو في حال حرجة، ليتوفى بعد ذلك، وكانت الفتاة التي إلى جواره على سكة القطار واعية حين وصل فريق من الطوارئ إليها، ونقلها إلى المستشفى، لكنها توفيت أيضاً.

حوادث مكررة

هذه الحوادث التي يتسبب فيها التقاط صورة سيلفي بوضع خطر ليست استثنائية، ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي كانت هناك واقعة أخرى اكتسبت شهرة كبيرة، لتعلقها بشخصية شهيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو المغامر الفرنسي ريمي لوسيدي، الشهير بالتقاط صور وفيديوهات من مبان مرتفعة في دول عدة حول العالم.

الواقعة كانت في أحد أحياء هونغ كونغ، حين وصل لوسيدي إلى أحد المباني، وأخبر الأمن أنه في زيارة إلى صديق له في الطابق الـ40، واستقل المصعد حتى الطابق الـ49 ومنه إلى السلالم التي تؤدي إلى الطابق العلوي، وخلال وجوده على نوافذ الطابق الـ68، طلب من عاملة أن تفتح له النافذة، لكنها اشتبهت به ورفضت السماح له بالدخول، مما دفعه للانصراف قبل أن تزل قدمه ويسقط من ارتفاع 219 متراً.

العاملة التي رفضت فتح النافذة تواصلت مع الشرطة لإخبارهم حول وجود شخص أمام نافذة الطابق الذي تعمل فيه، لكن الشرطة تلقت مكالمة أخرى تفيد بوجود تسريب للغاز في نطاق المبنى الذي كان يستقله الشاب، ليكتشفوا أن سقوط المغامر الفرنسي ذي الـ30 سنة، تسبب في كسر أنبوب من الغاز، وكان قبيل لحظات من سقوطه يطلب المساعدة، قبل أن يصبح ضحية لصورة محتملة أو مقطع فيديو محتمل.

 43 وفاة سنوياً

حمى التقاط السيلفي، التي تزداد ذروتها يوماً تلو آخر، مع انتشار منصات رقمية جديدة، دفعت فريقاً لرصد حوادث كان السيلفي سبباً فيها، فتبين وقوع 259 حالة وفاة عالمياً، ما بين أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011 حتى نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2017، وذلك بمتوسط 43 حالة وفاة سنوياً، بسبب التقاط صورة سيلفي.

بحسب تلك الدراسة التي نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن الغرق وحوادث السيارات والسقوط تأتي كأكبر أسباب للوفاة بسبب التقاط صورة سيلفي، موضحة أن نسب الوفاة أعلى بين الرجال، بنسبة 73 في المئة من الضحايا، ونصف الحالات يقعون ما بين 20 إلى 29 سنة.

الهند والسيلفي

أحد الباحثين بتلك الدراسة، وهو أغام بانسال، من معهد الهند للعلوم الطبيعية، أوضح أن السيلفي في حد ذاته ليس خطراً، لكن السلوك الذي يصاحب التقاط الصور هو الخطر، داعياً إلى حظر التقاط صور السيلفي ببعض الأماكن، كالمباني الشاهقة والجبال والمسطحات المائية. وبحسب تلك الدراسة فإن أكثر البلاد التي شهدت وفاة بسبب التقاط صورة سيلفي هي الهند، ثم روسيا وأميركا وباكستان.

وللهند سجلات طويلة مع وقائع الموت بسبب السيلفي، فحسب دراسة أجرتها جامعة "كرينجي ميلون" فإن الهند تستأثر بنصيب 60 في المئة من حوادث السيلفي عالمياً، وربما كان أشهرها حين لقي أربعة أشخاص مصرعهم غرقاً في خزان أحد السدود، وهم يلتقطون صورة سيلفي في عام 2019، بعد أن أمسك ستة أشخاص أيادي بعضهم بعضاً ووقفوا في المياه، قبل أن يقع أحدهم ويسحب الآخرين معه، قرب سد في إحدى ولايات جنوب الهند.

كانت واحدة ضمن الأربعة الذين لقوا مصرعهم، متزوجة حديثاً، ولم يستطع الزوج إنقاذها لكنه أنقذ أخته، وكانوا جميعاً في زيارة لأقاربهم، وحين انزلق صبي يبلغ 14 سنة سحب شقيقتيه معه، إلى جانب السيدة حديثة الزواج.

أماكن محظورة

في العام نفسه كان هناك حدث مأسوي آخر، حين قتل ثلاثة أشخاص في ولاية هاريانا الهندية، كانوا يلتقطون صورة سيلفي على خط للسكك الحديدية، وحين رأوا قطاراً قادماً قفزوا للجهة الأخرى، ليصدمهم قطار آخر في الجهة الأخرى، وهي حوادث دفعت بالسلطات الهندية للتحذير من مخاطر السيلفي، ولحظره أيضاً في بعض الأماكن.

هذا الحظر يمتد إلى دول أخرى، مثل حظر عصا السيلفي في أماكن بكوريا الجنوبية، وغرامة كبيرة على ملتقطي السيلفي في مهرجان الثيران بإسبانيا، كما وزع الأمن في روسيا منشورات على المواطنين وطلاب المدارس والجامعات لتوعيتهم بخطورة تلك الظاهرة، باعتبار أن "سيلفي جريئاً قد يكلفك حياتك".

تقول سارة هلال، وهي شابة مصرية، كادت تلقى حتفها ذات مرة وهي تلتقط صورة فوق صخور بأحد شواطئ البحر الأحمر في مصر، إنها لا تنفك عن التقاط الصور الذاتية خلال رحلاتها، إذ تعتبر الأمر توثيقاً لتلك الرحلة، لكنها بعد أن انزلقت ذات مرة بين صخور أحد الشواطئ وكادت تصطدم برأسها باتت أكثر حذراً وهي تلتقط الصور، ولا تسعى إلى أن تكون صورها مميزة.

تحكي سارة "حتى في تنقلاتي داخل القاهرة أحرص على التقاط عشرات الصور، وربما شاركت بعضها على مواقع التواصل الاجتماعي، أشعر بأنني أكثر قرباً للناس حين أفعل ذلك"، وتقول إن متوسط الصور الذاتية التي يمكن أن تلتقطها لنفسها خلال يوم واحد قد تصل إلى 12 صورة "حين أرى مرآة، لا أشعر إلا وأنا أنظر إلى كاميرا الهاتف الأمامية في انعكاس الزجاج والتقط صورة، كذلك إن زرت مكاناً جديداً، أو قابلت صديقة لي".

تخليد الذكرى

باحثون في جامعة ولاية أوهايو الأميركية اعتبروا أن التقاط صور السيلفي ليس فقط للترويج الشخصي أو بدافع الغرور، وإنما قد تخلد لحظة ما، وفق ليزا ليبي، واحدة من المشاركين في الدراسة، وهي أكاديمية في علم النفس بجامعة أوهايو، وكان من ضمن الاستنتاجات أنه كلما كان للحدث أو المكان الملتقط فيه الصورة قيمة كبيرة، زاد معدل احتمال التقاط صور سيلفي.

وعلى رغم التاريخ الطويل للصور الذاتية، فإن كثيرين يعتبرون أن أول صورة بهذا الشكل، التقطت منذ نحو 200 عام، حين التقط الكيماوي وأحد مؤسسي التصوير الفوتوغرافي الأميركي روبرت كورنيليوس عام 1839 صورة ذاتية استغرق تجهيزها منه 15 دقيقة، إلا أن المصطلح نفسه اختاره مؤلفو قاموس إكسفورد الإنجليزي عام 2013 بعد انتشاره بشكل كبير، وعرفها بأنها صورة يلتقطها شخص ما لنفسه، بواسطة هاتف أو كاميرا ويشاركها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يوم عالمي و"فلاتر"

وفي الـ21 من يونيو (حزيران) يحتفل كثيرون حول العالم بالصور الذاتية ويعدونه يوماً لها، وينشر كثيرون في ذلك اليوم صوراً التقطوها لأنفسهم وراقت لهم على هيئة تحديات، كأجمل صورة وأخطر صورة وأفضل مكان وأفضل صديق التقطت معه الصورة، امتداداً إلى الصور التي لم تخرج سليمة، إثر اهتزاز يد صاحبها، أو ظهور شخص في الخلفية جعلها غير مناسبة للنشر.

لكن صور السيلفي وانتشارها دفع بتطبيقات عدة لإضافة تحسينات إلى الصورة (فلتر)، وهي أكثر من شكل ولون، وعادة ما تستخدمها الفتيات ليظهرن بشكل أكثر جمالاً، وقد يضع ذلك بعضهم في حرج، مثلما حدث مع الفنان المصري عمرو يوسف، الذي التقط صورة مع الإعلامية بوسي شلبي في مهرجان القاهرة للدراما، وظهر فيها وجهه أحمر اللون، مما استدعى سخرية من فنانين آخرين، لينشرها هو على صفحته معلقاً بأنه لن يلتقط معها صوراً مرة أخرى.

بتلك الإضافات وغيرها، وسواء كان اليوم عادياً، أو اليوم العالمي للسيلفي، فإن ملايين الصور تلتقط يومياً وتنشر، لكن نهايتها قد تكون مأساوية، لتتحول من تخليد ذكرى جميلة، إلى ذكرى قاتلة، كما حدث مع خمسة أفراد من عائلة واحدة في عام 2021 بعد أن انهار جسر عائم بهم في بحيرة كاندي، في غرب جزيرة سومطرة بإندونسيا، لتعود الأسرة المكونة من 14 فرداً، وقد فقدوا خمسة منهم بعد تلك الحادثة.

وإلى جانب عشرات النصائح، التي تقدم يومياً في سبيل الحصول على صورة سيلفي جيدة، فإن نصائح أخرى تنشر وإن كانت أقل شيوعاً وقدراً من الأولى، لتجنب المخاطر المتعلقة بتلك النوعية من الصور، منها على سبيل المثال عدم التقاط الصور في أماكن خطرة، أو الأماكن غير المصرح فيها بالتصوير، أو أن ينظر الشخص تحت قدمه كي لا تزل فيسقط صريعاً أو يغرق أو تصدمه سيارة أخرى، قبل أن ينظر إلى الصورة التي التقطها.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية