الصراع التركي اليوناني يتجدد في بحر إيجه... ما احتمالات التصعيد العسكري؟

الصراع التركي اليوناني يتجدد في بحر إيجه... ما احتمالات التصعيد العسكري؟


09/06/2022

أشعلت مطالب تركيا سحب القوات العسكرية اليونانية من جزر بحر إيجه التوتر مجدداً بين تركيا واليونان، وسط تحذيرات من احتمالات تصعيد عسكري بين البلدين، خاصة بعد اتهام الأخيرة لأنقرة بممارسة جملة انتهاكات غير مسبوقة في مجالها الجوي، وإعلانها على لسان رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس أنّها "قادرة على حماية سيادتها وحفظ حقوقها".

وبالرغم من أنّ الصراع بين البلدين لم يهدأ منذ صيف 2020، بسبب التنقيب التركي عن الغاز في المياه اليونانية بشكل غير قانوني، إلا أنّ عودته مؤخراً، مع التلويح باحتمالات التصعيد العسكري من قبل الجانبين، تثير قلق المراقبين، فيما تسعى دول أوروبية للتهدئة.

وقد دعت تركيا اليونان الثلاثاء إلى سحب كامل قواتها العسكرية من بحر إيجه، محذرة من أنّها ستطعن بوضع الجزر، إذا فشلت أثينا في نزع سلاحها، بحسب "العربية".

ما أسباب الصراع على جزر بحر إيجه؟

تمثل جزر بحر إيجه، الواقعة شمال وغرب اليونان التي تفرض سيادتها عليها بواقع الاتفاقيات الدولية والقانون، وشرق تركيا، منطقة نزاع بين البلدين، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنّهما على خلاف كبير فيما يتعلق بمنطقة الحدود البحرية للدولتين وحقوق التنقيب عن الغاز، وأيضاً فيما يتعلق ببحر إيجه والجزر الواقعة عليه، فضلاً عن ملف اللاجئين وقضايا سياسية أخرى.  

ويتبادل البلدان الاتهامات بشكل مستمر على مدار الأعوام الماضية بشأن الأمور الخلافية بينهما، إلا أنّ اليونان قدمت شكاوى عديدة للأمم المتحدة جرّاء تصرفات جارتها التي تصفها بأنّها غير قانونية وخارجة عن الشرعية الدولية وتمثل انتهاكاً للسيادة.

دعت تركيا اليونان الثلاثاء إلى سحب كامل قواتها العسكرية من بحر إيجه

الصراع شهد تطوراً ملحوظاً الثلاثاء الماضي، بعدما ردّ رئيس الوزراء اليوناني على مطلب أنقرة سحب قوات بلاده من جزر إيجه، قائلاً: إنّ "اليونان شهدت وابلاً غير مسبوق من الانتهاكات التركية للمجال الجوي، وعودة مستمرة إلى التأكيدات التي لا يمكن تصورها بشأن تقليص السيادة المفترضة على الجزر اليونانية"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليونانية.  

وقال وزير الدفاع اليوناني نيكوس بانايوتوبولوس في مقابلة صحفية: إنّ تركيا تدرك "التكلفة الباهظة، التي قد تترتب على أيّ اشتباك عسكري ضد اليونان بسبب قدرات القوات المسلحة اليونانية، بحسب موقع "أحوال تركية".

وحول التهديدات العسكرية من جانب تركيا، قال بانايوتوبولوس: "قدراتنا هي التي تردع الطرف الآخر وتثنيه عن الاشتباك العسكري، لأنّهم يعرفون التكلفة الباهظة التي سيضطرون إلى دفعها"، مؤكداً جاهزية القوات المسلحة اليونانية لصد أيّ عمل عدائي تتعرض له البلاد.

وأرجع بانايوتوبولوس أسباب إثارة الأزمة مع اليونان مجدداً إلى رغبة الرئيس التركي في كسب تأييد مواطنيه، بينما يعاني من ظروف صعبة في الداخل التركي، قائلاً: "دائماً ما يثير التوتر كلما شعر بالتهديد، أو واجه مشاكل في بلده".

وأشار إلى أنّ سلوك الرئيس التركي العدائي وغير المبرر بحق اليونان، يُعدّ دليلاً قاطعاً أمام المجتمع الدولي على محاولة تركيا إثارة الأزمات مع محيطها.

وتعليقاً على تصريح أردوغان بأنّه لن يعقد محادثات ثنائية مع اليونان، قال بانايوتوبولوس، بحسب ما نشرته صحيفة "زمان" التركية: "لسنا مع قطع قنوات الاتصال، لكنّ الحوار بين البلدين لا يتماشى مع الخطاب العدواني والسلوك الاستفزازي".

كيف تبرر تركيا تحذيراتها؟

من جانبها، تقول تركيا: إنّ "اليونان مُنحت هذه الجزر بموجب اتفاقيتي لوزان 1923 وباريس عام 1946، وذلك شريطة عدم تسليحها"، بحسب وزير الخارجية جاويش أوغلو.

وخلال مؤتمر صحفي عقد الثلاثاء للتعليق على أزمة الجزر وتوضيح أسباب المطلب التركي بسحب القوات اليونانية منها، قال أوغلو: إنّ "الجزر أعطيت لليونان بشرط عدم تسليحها، والاتفاقية موجودة، لكنّ أثينا انتهكت كلّ هذا، وقامت بتسليحها".

سلوك الرئيس التركي العدائي وغير المبرر بحق اليونان، يُعدّ دليلاً قاطعاً أمام المجتمع الدولي على محاولة تركيا إثارة الأزمات مع محيطها

وقال أوغلو في تصريحات مع وكالة الأناضول التركية عقب المؤتمر: إنّ "على اليونان أن تنزع الأسلحة، وإلا فستبدأ تركيا بحث مسألة السيادة"، في تلويح لنزع سيادة اليونان للجزر.

هل النزاع العسكري أمر وارد؟

الخبير بالشأن التركي والعلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات كرم سعيد، يرى أنّ الصراع بين الدولتين لم يهدأ مطلقاً منذ عدة أعوام، مدللاً على ذلك باستمرار التراشق الإعلامي بين ساسة البلدين، فضلاً عن التحركات العسكرية والمناوشات المستمرة في منطقتي بحر إيجه وشرق المتوسط. 

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول سعيد: إنّ تصاعد الاضطراب يعود إلى عدة أسباب جديدة تتعلق برغبة اليونان في وقف تدفقات اللاجئين عبر الحدود التركية، وإعلانها بناء سياج حدودي جديد، مشيراً إلى أحقية اليونان في ذلك لصدّ الضغوط التركية المستمرة على الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بملف اللاجئين، كورقة في أيدي الرئيس التركي.   

 ويشير الباحث إلى تصاعد وتيرة الخلاف بين البلدين في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق بسبب استمرار الدعم التركي لما يُسمّى شبه جزيرة قبرص، التي لا تعترف بها أيّ دولة سوى تركيا، واستغلال نفوذها في هذه المنطقة لإزعاج اليونان وقبرص، بالإضافة إلى التنقيب غير القانوني عن الغاز في المياه اليونانية، وأخيراً التوتر الخاص بجزر بحر إيجه الخاضعة للسيطرة اليونانية منذ أعوام.

 ويؤكد الخبير المختص بالشأن التركي أنّ الصراع قد بلغ ذروته بالفعل خلال الأشهر الماضية، لكنّه بالرغم من ذلك يستبعد أن يصل إلى حدّ النزاع العسكري بين البلدين.     

 ويدلل سعيد على رأيه بالارتباط الاقتصادي الوثيق بين البلدين، وهو ما يعكس قدراً هائلاً من الخسائر إذا ما تمّت الوقيعة أو وقع نزاع مسلح بين الطرفين، خاصة أنّ البلدين يقعان تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.  

 إضافة إلى ذلك، يرى سعيد أنّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يرغبان في وقوع أيّ حرب أو نزاع مسلح بين البلدين في هذا التوقيت، مشيراً إلى أنّ فرنسا وقعت اتفاقية عسكرية مع اليونان قبل عدة أشهر، وأبرمت الولايات المتحدة أيضاً عدة اتفاقيات عسكرية مع أثينا، مشيراً إلى أنّ القوى الدولية لا ترغب في خوض أيّ معارك، خصوصاً في الوقت الراهن، إذ إنّ نتائجها ستكون مضاعفة في ضوء استمرار الأزمة الأوكرانية.

 السبب الثاني يتعلق بتركيا التي لا ترغب، بحسب سعيد، في خوض معركة عسكرية جديدة خاصة أنّ قواتها ما تزال عالقة في شمال سوريا وداخل الأراضي الليبية، ولم تجنِ أيّ ثمار من تلك السياسة، وبالتالي فإنّ فتح جبهة جديدة للصراع في اليونان ستكون له خسائر لن تتحملها أنقرة.

مواضيع ذات صلة:

مكاسب اليونان وقبرص الاقتصادية من الصدام التركي مع مصر والخليج

الجزر اليونانية المحيطة بتركيا... نزاع تاريخي بأبعاد متجددة

اللاجئون في اليونان: أطفال يعانون صدمة نفسية وينامون في العراء



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية