السنوار يكتب مستقبل غزة ولبنان… ولكن!

السنوار يكتب مستقبل غزة ولبنان… ولكن!

السنوار يكتب مستقبل غزة ولبنان… ولكن!


09/10/2024

خيرالله خيرالله

استطاعت إسرائيل تحويل جزء من لبنان إلى غزة أخرى. كنا بغزة. صرنا بغزة ولبنان. هذا هو الواقع الذي لا مفرّ من مواجهته بعد مضي عام كامل على بدء حرب غزة عندما شنت "حماس" بقيادة يحيى السنوار هجوم "طوفان الأقصى" الذي هزّ الكيان الإسرائيلي وجعله في مواجهة أزمة وجودية. يتبيّن حالياً أن مستقبل المنطقة يتقرر وفق معطيات جديدة انطلاقاً من حدث يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

قرّر السنوار، من حيث لا يدري، كتابة مستقبل المنطقة. لا يزال السنوار الذي أصبح رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، في ضوء اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران، يتحرك في أنفاق غزة مع رهائن إسرائيليين على الرغم من أن القطاع، الذي مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، زال عملياً من الوجود وبات أرضاً طاردة لأهلها!

من يتحمّل مسؤولية الكارثة اللبنانية؟ الأكيد، أن المسؤولية تقع على "حزب الله" الذي قرر شنّ حرب على إسرائيل عن طريق فتح جبهة جنوب لبنان. يحصد لبنان ما زرعه الحزب الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني. تصرّف الحزب، ومن خلفه إيران، انطلاقاً من حسابات خاطئة. قبل كل شيء، يبدو واضحا أن "حزب الله" لم يكن يعتقد أن حرب غزة ستطول. كان يظن أن ما حصل صيف العام 2006 سيتكرر في السنتين 2023 و2024. سارعت، وقتذاك، قوى دولية عدة على رأسها الولايات المتحدة إلى وقف حرب صيف 2006. كان ذلك بمجرد مرور 33 يوماً على بدئها. صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1701. سارع "حزب الله" إلى تلقف القرار وبادر أمينه العام حسن نصرالله، الذي اغتاله الإسرائيليون قبل أيام في الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى الإعلان عن "نصر إلهي".

كان هذا النصر في الواقع انتصاراً على لبنان الذي استطاع الحزب السيطرة عليه شيئاً فشيئاً وصولاً إلى فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر(تشرين الأول) 2016، ثم الاستحواذ على قرار الحرب والسلم.

لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القضاء على "حماس". اختار بديلاً من ذلك القضاء على غزة. وحدها الأيام الآتية ستحدد ما إذا كانت "حماس" ما زالت موجودة، في حين أن لا شيء يضمن عودة غزة إلى ما كانت عليه في المستقبل. ثمة مؤسسات دولية تتحدث عن الحاجة إلى عشرين عاماً لإعادة بناء غزة.

كيف لطرف لبناني تجاهل ردّ الفعل الإسرائيلي على "طوفان الأقصى" والإعلان في اليوم التالي لـ"الطوفان" شن حرب على إسرائيل تحت شعار "إسناد غزة"؟ صار السؤال حالياً، في ضوء ما حلّ بعدد كبير من القرى الجنوبية وتهجير مليون ونصف مليون لبناني من أرضهم، هل يمكن وقف الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان من منطلق أن الفرصة سانحة للتخلص من "حزب الله"؟

الجواب أن وقف الحرب ليس وارداً. لا يمكن لإسرائيل وقف الحرب بعدما أجبر "حزب الله" ما يزيد على سبعين ألف إسرائيلي على النزوح عن المستوطنات التي يقيمون فيها في الجليل.

استطاع يحيى السنوار، الذي لا يزال حياً، فيما قضى حسن نصرالله تحت ركام البنايات التي انهارت فوق المكان الذي كان يحتمي فيه، تغيير واقعي غزة ولبنان في الوقت ذاته. لا مفرّ من الاعتراف بما حققه رجل، لا يعرف الكثير عن العالم، أمضى سنوات طويلة في السجن الإسرائيلي.

الأكيد أن مسؤولية امتداد حرب غزّة إلى لبنان لا يتحملها السنوار مباشرة. المسؤولية الأساسية مسؤولية "حزب الله" ومن يوجهه من طهران. لا بد في هذا المجال من الاعتراف بأن إسرائيل استطاعت توجيه ضربة أساسية للحزب. ليس معروفاً هل يستطيع الاستفاقة من هذه الضربة. لا يتعلّق الأمر بتصفية حسن نصرالله وابن خالته هاشم صفيّ الدين الذي كان بمثابة خليفته. يتعلق الأمر أيضاً بموجة اغتيالات تعرّض لها كبار قادة الحزب الذين كانوا على علاقة مباشرة بـ"الحرس الثوري" الإيراني. إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل أن إسرائيل بذلت جهداً كبيراً طوال ما يزيد عن 15 عاماً من أجل توجيه الضربة التي وجهتها للحزب ولمعاقله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع وحتّى في أماكن أخرى في لبنان.

لا يعرف يحيى السنوار العالم. كان مفترضاً به معرفة إسرائيل بطريقة أفضل، خصوصاً بعدما أمضى سنوات طويلة في السجن. كان عليه توقع ردّ الفعل على قتل نحو 1200 إسرائيلي في مستوطنات غزة واحتجاز آخرين. ما ينطبق على السنوار ينطبق على الراحل حسن نصرالله الذي لم يدرك أن ربط مصير لبنان بحرب غزة جريمة في حق البلد وحق كل مواطن فيه، بما في ذلك المواطن الشيعي.

الرابط بين لبنان وغزة هو الرابط الإيراني. قررت "الجمهورية الإسلامية" استغلال حرب غزة إلى أبعد حدود. قررت خوض حروب بالواسطة على هامش حرب غزة وفي ذهن المسؤولين فيها السعي إلى صفقة مع الإدارة الأمريكية تكرس الدور المحوري لإيران في المنطقة وترفع العقوبات عنها.

بغض النظر عن الإفراج حديثاً عن ستة مليارات دولار تمتلكها "الجمهورية الإسلامية" كانت في مصارف قطرية، وهذه بادرة حسن نية أمريكية تجاه الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، يظل السؤال المطروح بإلحاح على الصعيد الإقليمي: إلى متى الصدام بين إسرائيل وإيران؟ لا يمكن تفادي هذا الصدام نظراً إلى أن رهان الدولة العبرية طوال سنوات على "حماس" و"حزب الله" لم يعد رهاناً صالحاً. يعود ذلك إلى أن الهاجس الذي يتحكم بالإسرائيلي هو هاجس السلاح النووي الإيراني. صار هذا الهاجس ضاغطاً بعدما شنت "حماس" هجوم "طوفان الأقصى" وبعدما فتح "حزب الله" جبهة جنوب لبنان.

نعم، سيكتب يحيى السنوار مستقبل المنطقة، مستقبل غزة ومستقبل لبنان، للأسف الشديد. لكن الحدث الكبير في المستقبل القريب سيكون حدث المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية وما ستسفر عنه.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية