"السرّاج".. والتماهي مع تركيا و"الإخوان"

"السرّاج".. والتماهي مع تركيا و"الإخوان"


28/06/2020

عبد الوهاب بدرخان

منذ لحظة تعيينه رئيساً ل «حكومة الوفاق» في ليبيا، ومن ثمّ وصوله منتصف العام 2016 إلى طرابلس التي تعج بالميليشيات، كان مفهوماً أن فايز السراج سيكون محكوماً ممن يسيطرون على العاصمة. وتغاضت القوى الدولية التي اختارته عن طبيعة تلك الميليشيات وتركيبتها، معتقدة أن «الشرعية الدولية» التي مُنحت للسراج ستمكّنه من شق طريقه، وهو ما حصل فعلاً لا بفضل تلك «الشرعية» بل لأن قادة الميليشيات احتووا رئيس الحكومة ووضعوه أمام خيار واحد: أن يعمل ضمن اجنداتهم لقاء تعزيز «شرعيته». ورغم أن تعيين السراج ألزمه بتحقيق «الوفاق» فعلياً إلا أنه سرعان ما نسي أساس مهمّته ولم ينجح في تأمين الشروط اللازمة ل «الوفاق» لينال ثقة مجلس النواب المنتخب في (طبرق)، ولم يكن لنفوذ شرعيته أي وزن في حل إشكالية تعديل المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، وترك للميليشيات إفشال هذا التعديل.
مع الوقت اتّضح أكثر فأكثر أن الخط «الإخواني - الإسلامي» هو الحاكم الفعلي وصانع السياسات في طرابلس، وقد وجدت هذه الجماعات في السراج واجهة مناسبة لتغطية دورها، وهو انقاد في الدور الذي رسمته له، مستندةً إلى بعض دول الجوار العربية والأوروبية، فلم يعد قادراً على مقاربة «وطنية» للخلاف الموضوعي مع الشرق الليبي، تحديداً مع البرلمان والمشير خليفة حفتر. فجوهر الخلاف أن يحرص رئيس الحكومة على الحياد ليكتسب شرعية داخلية، وأن يصحّح الوضع العشوائي الشاذ الذي أنشأته الميليشيات لتحول دون قيام الدولة. ورغم المآخذ التي سُجّلت على الحكومة التي شكّلها مسترشداً قادة الجماعات فإنه لم يتمكّن من تصويب خياراته. ثم أنه وضع محاربة تنظيم «داعش» في سرت في سجل إنجازاته إلا أنه لم يعترف لـ «الجيش الوطني الليبي» بدوره في محاربة الإرهاب في مناطق الشرق، بل تغاضى عن محاولات ميليشيات طرابلس التدخّل لإنقاذ فروع لها في بنغازي ودرنة وغيرهما.
وعموماً لم تكن لرئيس «حكومة الوفاق» أي رؤية «وفاقية» معروفة للحل السياسي خارج ما ينسجم مع مصلحة الميليشيات، خصوصاً أنه لمس مباشرة ثغرات «اتفاق الصخيرات» التي ينبغي سدّها عند التطبيق وبمنحى «وفاقي». ما شجعه على ذلك أن قوى دولية دعمت أطروحات لصيغة حكمٍ ينال فيها التيار الإسلامي حصةً دائمة معترفاً بها، بغضّ النظر عن نتائجه في الانتخابات. وهكذا فقد غامر السراج بإدامة الصراع الداخلي وتعميق مخاطر تقسيم البلاد.
لكن الخطيئة الكبرى التي كشفت السراج جاءت في اتفاقه مع تركيا، متجاهلاً موقع ليبيا ومصالحها وبعدها العربي وعمقها المصري. ولم يكتفِه ذلك بل إنه يضيف كل يوم عناصر جديدة إلى هذه الخطيئة سواء بشروط وقف إطلاق النار أو الحل السياسي، ولم يعد قادراً على النأي بنفسه عن عداء إسلاميي أنقرة وطرابلس لمصر، بل ارتضى أن يكون رأس حربة سياستهم الثأرية والاستفزازية تجاه القاهرة. لكل ذلك كان من الطبيعي التساؤل أخيراً عن مدى «شرعية» السراج، وكيف للمجتمع الدولي أن يستمرّ في الاعتراف بها. وإذا كانت مقررات مؤتمر برلين لا تزال مقبولةً من جميع الأطراف، كما يقال، فلا بدّ من التذكير بثلاثة من بنودها تنص على: «تفكيك الميليشيات» وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدين بمصادقة مجلس النواب، عدا تشديدها على الحل يجب أن يكون سياسياً.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية