الزاوية الليبية: أكبر مصافي النفط وأكثر منتج للفوضى الأمنية

الزاوية الليبية: أكبر مصافي النفط وأكثر منتج للفوضى الأمنية

الزاوية الليبية: أكبر مصافي النفط وأكثر منتج للفوضى الأمنية


02/05/2023

شهدت مدينة الزاوية الليبية احتجاجات ليلية واسعة في الأيام الأخيرة من الشهر المنصرم، بعد انتشار فيديو كشف عن تعرض عدد سكان المدينة للتعذيب على يد إحدى العصابات التي تضم داخلها وافدين أفارقة.

لم يكن مقطع الفيديو السابق سوى القشة التي قصمت ظهر البعير؛ في مدينة طالما تصدرت وسائل الإعلام من كثرة ما شهدت من اشتباكات بين العصابات التي تسيطر عليها، والتي تتبع وزارة الداخلية في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها بقيادة، عبد الحميد الدبيبة.

الفوضى الأمنية

تعيش المدينة فوضى أمنية منذ العام 2011، وتنشط فيها العصابات والمجموعات المسلحة التي تستفيد من الفوضى الأمنية في المنطقة الغربية في ليبيا، في عمليات تهريب وبيع الوقود، حيث توجد مصفاة الزاوية النفطية. وتحترف تلك العصابات جرائم التهريب وترويج المخدرات والقتل والخطف والابتزاز والاتجار بالبشر وغير ذلك من الأعمال المخالفة للقانون.

ومن رحم تلك المدينة خرجت عشرات المجموعات المسلحة بعد العام 2011، وسقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي. تتنوع تلك المجموعات ما بين عصابات إجرامية، ومجموعات مؤدلجة توالي مجموعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والجماعة الإسلامية المقاتلة. ولعبت تلك المجموعات دوراً سياسياً كبيراً منذ العام 2011 حتى توقيع وقف إطلاق النار الذي أوقف القتال بين الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر في الشرق، والمجموعات المسلحة التي تبعت الحكومات في طرابلس في 2020.

تكررت الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة داخل الزاوية

وداخل مدينة الزاوية، تهيمن مجموعتان مسلحتان، يتبع كلاهما وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة عبد الحميد الدبيبة، ويناصب كل منها الآخر العداء. ووقعت بينهما اشتباكات مسلحة، أودت بحياة العشرات من المدنيين، كان آخرها في 25 نيسان (أبريل) 2023. والمجموعة الأولى هي قوة الإسناد الأولى، والتي تتبع وزارة الداخلية في طرابلس، بقيادة محمد سالم بحرون الشهير بـ"الفار"، والثانية كتيبة السلعة التابعة للمنطقة العسكرية - الساحل الغربي، بقيادة عثمان ميلود اللهب. إلى جانب مجموعة القيادي في الجماعة الإسلامية السابقة، المصنفة إرهابياً، شعبان هدية، وكنيته أبو عبيدة الزاوي، وآخرين منضوين في مجموعات قليلة العدد، تتصارع فيما بينها على النفوذ، والكسب غير المشروع.

داخل مدينة الزاوية التي تضم أكبر مصافي النفط تهيمن مجموعتان مسلحتان يتبع كلاهما وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة عبد الحميد الدبيبة ويناصب كل منها الآخر العداء

يرى المحلل السياسي الليبي، الهادي عبد الكريم حنيتيش، بأنّ معظم الاشتباكات التي تحدث داخل مدينة الزاوية تعود لأسباب جنائية وليست سياسية خلال الأشهر الأخيرة. وأوضح لـ"حفريات" بأنّ عمليات التصفية الجسدية المتبادلة بين العصابات المسلحة التي تسيطر على المدينة هي السبب الرئيسي لاندلاع القتال في غالب المرات، إلى جانب التنافس على النفوذ وتهريب النفط.

وأشار إلى أنّ صراع المجموعات المسلحة يتداخل مع الوجود القبلي؛ حيث تعيش مكونات قبلية متعددة داخل منطقة الزاوية الكبرى، وتنتسب ميليشيا السلعة إلى قبيلة أولاد صقر، بينما تعتمد ميليشيا الفار على الناشطين في الإجرام.

واللافت بحسب حنيتيش أنّ المجموعات المتناحرة في الزاوية تتبع جميعها المؤسسات الرسمية في طرابلس، وتستغل تلك التبعية لشرعنة أنشطتها الإجرامية، وتوسيع أعمالها مستغلة في ذلك التبعية الاسمية للحكومة. وشرعنت حكومتا طرابلس الناتجتان عن الاتفاق السياسي لعام 2015؛ الأولى بقيادة فايز السراج والثانية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وضع تلك الميليشيات، بدلاً من السير بالخطة الأمنية التي كان وزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا قام بوضعها بمساعدة الولايات المتحدة، لتصنيف وتفكيك ودمج أفراد الميليشيات في ليبيا.

كما أنّ تحالف تلك الميليشيات مع الأطراف التي تتنازع على السلطة مثل جماعة الإخوان المسلمين التي يبرز فيها اسم رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، المنحدر من مدينة الزاوية، والداعم لميليشيات الفار، وفر لها الحماية القانونية والدعم المالي عبر الموازنة العامة.

الشهير بالفار

وخلّف القتال الأخير الذي شهدته المدينة 6 قتلى وعشرات المصابين، من المدنيين الذين سقطت القذائف على منازلهم، بعد قتال لعدة ساعات استخدمت فيه المجموعات المتناحرة مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.

إخفاق طرابلس

بدوره قال المحلل السياسي الليبي، محمد عامر، أنّ مدينة الزاوية تكتظ بالميليشيات والتشكيلات المسلحة. لافتاً إلى أنّ ما تشهده المدينة من فوضى وانتشار للجريمة نتاج ‏الوضع السياسي المضطرب منذ أكثر من 10 أعوام. وقال لـ"حفريات" بأنّ "الوضع السياسي لو كان سليماً ومتماسكاً، ويوجد قرار واحد من جهة شرعية، لانعكس ذلك على الوضع الأمني في هذه المدينة، على الأقل بالترتيب لخلق قوة واحدة محايدة لها كلمة الفصل العليا".

وكانت مديرية أمن الزاوية محط وقفة احتجاجية للمتظاهرين في المدينة، الذين اتهموها بالتقاعس عن القيام بدورها في بسط الأمن. ويبدو أنّ هناك تنافساً بين المديرية ووزارة الداخلية، والتي من المفترض أنّ تتبعها الأولى، وذلك بسبب توزع تبعية القوى المسلحة داخل المدينة بين الهيئات الأمنية المتعددة في غرب البلاد.

المحلل الليبي الهادي حنيتيش لـ"حفريات": عمليات التصفية الجسدية المتبادلة بين العصابات المسلحة التي تسيطر على المدينة هي السبب الرئيسي لاندلاع القتال في غالب المرات

وفي العام الماضي 2022 أقرّت الحكومة إنشاء "الغرفة الأمنية المشتركة" للتنسيق بين المجموعات المسلحة في منطقة الزاوية الكبرى، ومكافحة ظاهرة تهريب الوقود التي تعتبر من أهم مصادر الدخل لتلك المجموعات، إلا أنّ قوات الغرفة ذاتها نالها ما ينال السكان من اعتداءات من تلك المجموعات المتناحرة.

الانتخابات المرجوة

وينشط حراك شبابي في المدينة منذ أعوام، يطالب بإجراء انتخابات بلدية شفافة، لاختيار مجلس بلدي يدير المدينة، خلفاً للمجلس الحالي الذي يحملونه مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية وضعف الخدمات البلدية.

سياسياً، تسعى البعثة الأممية بقيادة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي إلى تنظيم الانتخابات العامة في البلاد قبيل نهاية العام الحالي، وتحظى البعثة بدعم غربي وإقليمي كبير لتحقيق ذلك.

وتخلق الأوضاع الأمنية التي تشهدها مدينة الزاوية، التي تعبر عن الفوضى التي تشهدها معظم مناطق غرب وجنوب البلاد، تحديات كبيرة أمام تحقيق الانتخابات؛ حيث يُهدد وجود قيادة ليبية منتخبة مصير المجموعات المسلحة التي كونت ثروات ونفوذ على مدار أعوام في ظل الفراغ السياسي.

وفي سياق ذلك، يرى المحلل السياسي، الهادي حنيتيش أنّ الحديث عن تفكيك ودمج تلك المجموعات المسلحة غير واقعي؛ لأنّها غير صالحة للدمج. ونوه بأنّ تلك المجموعات لا ترتقي لأنّ تكون "ميليشيات"، فهي أقرب إلى عصابات الجريمة، والتي تحظى بحماية دولية في إطار تعدد الأهداف والرؤى الدولية والإقليمية تجاه الأزمة الليبية.

ينحدر القيادي الإخواني خالد المشري ولديه صلات بالمسلحين داخلها

وأوضح حنيتيش بأنّ معظم أفراد تلك المجموعات المسلحة مطلوبون جنائياً، وأعمارهم صغيرة، وغير لائقين بدنياً ونفسياً، للانضمام إلى قوة منظمة مثل الجيش أو وزارة الداخلية.

ولفت إلى أنّ أفراد تلك المجموعات المسلحة ممن لم يتورطوا في أعمال جنائية يحتاجون إلى بعض الأمل، لتشجيعهم على ترك السلاح، والانخراط في الحياة العامة، موضحاً أنّ ذلك لن يحدث دون تجاوز عما حققه البعض من مكاسب في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد.

وكان وفد القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية الذي زار طرابلس في آذار (مارس) الماضي، التقى بعدد من قادة الميليشيات المسلحة في الزاوية وطرابلس، لبحث تأمين الانتخابات المنتظر عقدها خلال أشهر.

وتعتبر مدينة الزاوية ثالث أكبر مدن المنطقة الغربية، ويُقدر عدد سكانها بنحو 200 ألف مواطن بحسب إحصاء رسمي في العام 2008. وتقع في منطقة الزاوية شركة الزاوية لتكرير النفط، والتي تعتبر من أكبر مصافي التكرير في البلاد.

موضيع ذات صلة:

توحيد المسار العسكري في ليبيا خطوة حاسمة نحو إنجاز الانتخابات

هل اقتربت ليبيا من حل الأزمة المستمرة منذ 2011؟

الفُرقاء يجتمعون في ليبيا: هل تسير عربة التسويات؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية