الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وتطور التطرف عبر الإنترنت

الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وتطور التطرف عبر الإنترنت

الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وتطور التطرف عبر الإنترنت


15/04/2023

ماريانا دياز جارسيا

تستخدم الجماعات المتطرفة مجموعة متنوعة من التقنيات لتجنيد الأعضاء، ونشر أيديولوجياتها، وتخطيط الهجمات وتنفيذها. من بين هذه التقنيات، استخدام الإرهابيين وغيرهم من المتطرفين العنيفين الإنترنت كأداة للتواصل والدعاية. ويظهر حضور هذه الجماعات اليوم عبر مجموعةٍ متنوعة من المنصات المختلفة عبر الإنترنت.

ويستمر المحتوى الإرهابي والمتطرف العنيف في الانتشار على مواقع معروفة مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”انستجرام” على الرغم من الجهود المستمرة لمراقبة المحتوى وإزالة الضار منه أو حجبه.

أضحى الإرهابيون والمتطرفون العنيفون قادرين على الوصول إلى جمهور واسع بفضل شعبية المنصات الرئيسة وحجم جماهيرها، ما يزيد من تأثيرهم وقدرتهم على إيصال رسائلهم، ما يعزِّز فرص قدرتهم على التجنيد.

من جانبٍ آخر تستمر عمليات المكافحة ما أدى إلى تغيّر هذا في السنوات القليلة الماضية لأن الإشراف على المحتوى أجبر الجهات الفاعلة المتطرفة على بدائل أصغر وأكثر تخصصًا وأقل خضوعًا للتدابير التنظيمية. وقد خلصت الأبحاث التي أجريت في المملكة المتحدة إلى أنه في حين انخفض تأثير الوسائل التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، والتي لا تتصل بالإنترنت في التجنيد، زادت التأثيرات الناجمة عن استخدام المنصات عبر الإنترنت في القدرة على التجنيد، ونشر محتوى متطرف.

التطورات التكنولوجية وتأثيراتها على التطرف

التكنولوجيا سيف ذو حدين، إذ تتيح تبسيط المهام والتحسين العام للعمليات والنشاطات الحياتية ومن ثم تحقيق نتائج إيجابية، وفي الوقت نفسه من السهل استخدامها في مجالات خبيثة. وفي هذا الصدد، تستغل الجماعات المتطرفة تطوير وتطوّر أدوات التكنولوجيا بسرعة، ما يزيد الحاجة إلى فهم التهديد من أجل تطوير استراتيجيات فعّالة لمنع ومكافحة التطرف الذي يؤدي إلى التطرف العنيف أو الإرهاب.

لقد تأثّر انتشار وجهات النظر المتطرفة بشكلٍ كبير بتطور الإنترنت، وقدرته على ربط الأفراد مع تسهيل تبادل الأفكار والمعلومات، لا سيّما أثناء الجائحة وبعدها. ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، ومنصات التكنولوجيا البديلة ومشاركة الفيديو، فضلًا عن منصات الألعاب والبث، جعلت تحليل تفاعلات أعضاء الجماعات المتطرفة وتقنياتها أكثر تعقيدًا، نظرًا لأن هذه الأدوات توفّر إخفاءً أفضل للهوية، وآليات اتصال بين الأعضاء، وأشكالًا بديلة للاتصال لتفادي الانكشاف وتعزيز الشعور بالمجتمع. علاوة على ذلك، تتطوّر هذه الأدوات باستمرار، جنبًا إلى جنب مع التقنيات الناشئة الأخرى التي يمكن دمجها لتشمل ميزات إضافية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى والنصوص.

وفي حين أن فهم التكنولوجيا المتغيّرة باستمرار أمرٌ معقدٌ، حتى عند فحص شيء يبدو بسيطًا مثل وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك بعض الجوانب ذات الصلة التي يمكن أخذها في الاعتبار عند محاولة فهم ديناميات الجهات الفاعلة المتطرفة عبر الإنترنت.

ضرورة فهم آلية عمل الخوارزميات  

أولًا، من المهم التعرّف على دور الخوارزميات، التي يمكن تعريفها بأنها مجموعة من القواعد التي تتحكّم في كيفية عرض المستخدمين للبيانات على الشبكة. تتيح الخوارزميات المستخدمة في شبكات وسائل التواصل الاجتماعي تصوّر المحتوى (مثل المنشورات أو مقاطع الفيديو) اعتمادًا على أهميته للمستخدم بدلًا من وقت نشره.

بمعنى آخر، بغضِّ النظر عن وقت نشر المعلومات، هذه الخوارزميات تعطي الأولوية للمحتوى الذي يراه المستخدم على النظام الأساسي بناء على احتمالية تفاعل هذا المستخدم مع المحتوى. وبالتالي، تختار الخوارزميات المشاركات المُوصى بها للمستخدمين عند تصفُّح، على سبيل المثال، في “فيسبوك” أو “انستجرام”.

وهنا، تأتي أهمية الخوارزميات عند تحليل انتشار الروايات المتطرفة، التي غالبًا ما تستند إلى معلوماتٍ مُضللة ونظريات المؤامرة. إذ يمكن أن تؤثر المعلومات الكاذبة على أيديولوجيات المتطرفين البغيضين وأفعالهم من خلال تعزيز “غرف الصدى” وزيادة جرائم الكراهية.

المتطرفون يزدادون حماسة لنشر معلومات كاذبة ونظريات المؤامرة عندما يكتسبون المزيد من الشهرة، ما ييسر عمليات التجنيد. يمكن اعتماد تقنيات أخرى لتعزيز تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، شات جي بي تي، نموذج لغة الذكاء الاصطناعي يتفاعل بطريقة المحادثة مع المستخدم. على الرغم من أن هذه الأداة أظهرت بسرعة مزايا متعددة، فإنها أثارت أيضًا مخاوف تتعلق بإمكانية استخدامها في إنشاء معلومات كاذبة ونشرها.

في يناير 2023، أصدر محللو “نيوز جارد” أو “NewsGuard”، أداة للتحقق من موثوقية الأخبار، تعليمات إلى روبوت الدردشة للرد على سلسلة من الأسئلة المتعلقة بعينة مُضللة. وجدوا أن النتائج تدعم المخاوف بشأن كيفية إساءة استخدام التكنولوجيا كسلاح. أنتج شات جي بي تي رواياتٍ كاذبة، بما في ذلك مقالات إخبارية متعمقة، ومقالات ونصوص تلفزيونية. قد تبدو النتائج ذات مصداقية وحتى موثوقة لشخص ليس على دراية بالقضايا أو الموضوعات التي يغطيها هذا المحتوى. يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء ما يعرف بالتزييف العميق، عبارة عن مقاطع صوتية أو صور أو فيديو مُعدّلة بهدف خداع الناس أو حتى لتضخيم انتشار المعلومات المضللة، ما يسهم في الوصول إلى المزيد من الأشخاص.

ومع ذلك، يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة المعلومات المضللة والمحتويات الأخرى القائمة على الادّعاءات الكاذبة، باستخدام تقنيات مثل التعلُّم العميق لاكتشاف المعلومات الكاذبة وتصنيفها. فلقد أُدخلت تحسينات على روبوتات الدردشة لفهم اللغة الطبيعية وإنشاء “شخصيات/تصنيفات” بناء على نوع المعلومات المطلوبة، التي يمكن أن تيسّر الدعاية الصناعية وفي الوقت نفسه، تقلل التكاليف والموارد البشرية في إنشائها.

يعتمد التطرف العابر للحدود اعتمادًا كبيرًا على القدرة على ربط الأفراد والأفكار، وعلى الرغم من أن ظاهرة الشبكات المتطرفة قد لا تكون جديدة، فإن السرعة التي يمكن أن تنشر بها الاستراتيجيات الحديثة الأيديولوجيات غير مسبوقة. تتواصل الحركات الأيديولوجية المتنوعة الآن بشكلٍ متكرر (بما في ذلك إلهام المؤامرة المتبادلة) وتصدر دعوات للعمل، وتبادل الأفكار والمؤامرات، بل وحتى تقديم الدعم المباشر.

في الوقت الحالي، حدد المراقبون أنشطة إرهابية ومتطرفة في منظومات أخرى عبر الإنترنت، مثل منصات الألعاب (Twitch وDiscord وSteam وRoblox) والبث المباشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات البث الصوتي (SoundCloud وSpotify وApple music وBandCamp).

لا يستفيد المتطرفون من المنصات وخوارزمياتها فحسب، بل يستخدمون في كثيرٍ من الأحيان تقنيات أخرى، مثل تغيير معنى الرموز التعبيرية، ونشر ردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي، والميمات.

الخلاصة

تسهم الخصائص المزدوجة للتكنولوجيا في إنشاء أدواتٍ للتصدي للقضايا التي تظهر عبر الإنترنت، وكذلك في زيادة المخاطر التي تمثلها بعض التهديدات، بما في ذلك انتشار التطرف.

إن فهم دور التكنولوجيا في توسيع نطاق التطرف أمر مهم لتطوير استراتيجيات ناجعة لمكافحة التطرف. ذلك أن تحديد التقنيات الناشئة والتقنيات سريعة التغيّر عبر الإنترنت يمكن أن يوفر مزيدًا من الأفكار حول التهديد، الأمر الذي يمكّن صانعي السياسات ووكالات إنفاذ القانون والقطاع الخاص والجهات الفاعلة الأخرى من المشاركة في التعاون عبر القطاعات المختلفة للتهديد.

وما من شك في أن وجود منظور أوسع للمشكلة سيساعد في تحديد الجوانب المتعددة التي يمكن التصدي لها، بما في ذلك الجوانب الأيديولوجية والمادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والمالية المتشابكة في نمو التطرف عبر الإنترنت والتطرف الهجين.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية