الحركات الإرهابية في تونس تفقد حاضنتها وتتراجع تكتيكياً

الإرهاب

الحركات الإرهابية في تونس تفقد حاضنتها وتتراجع تكتيكياً


01/11/2017

تعد الظاهرة الجهادية الأخطرَ في العالم المعاصر؛ لأنّها استفادت من اكتشافاته وأزماته وآلاته وشبكاته، فكانت من جنسه: معقدة وقاسية وعنيفة ومتشعبة تستحيل مقاربتها بدقة، ذلك أنّها "تبتكر" وسائل عمل جديدة كلما ضاق عليها الخناق، وتتكيف مع المكان والزمان وسياقات الأحداث، فتغير طرائقها وتعدل برامجها آنياً كلما دعت الحاجة.
المحاولات الأولى
في تونس التي شهدت محاولات لتكوين مجموعات جهادية قبل الثورة، تكثفت فيها الظاهرة وصار لها حضور بارز من خلال الخيمات الدعوية وتنظيم حملات المساعدات، وظهرت عناصر جهادية على الأرض تعلن تبنّيها للسلم الاجتماعي واكتفاءها فقط بالنشاط الدعوي.

تعدّ "مجموعة سليمان" الأشهرَ في العشرية الأخيرة في تونس وتتكون من المسلحين التابعين لتنظيم "جيش أسد بن الفرات"

وتعدّ "مجموعة سليمان" كما تسمى، الأشهرَ في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، وهي مجموعة من المسلحين التابعين لتنظيم "جيش أسد بن الفرات" التابع لـ"الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي نشأت في الجزائر، والتي حولت اسمها سنة 2007 إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وقد خاضت هذه المجموعة مواجهات مسلحة في يناير 2007 أسفرت عن مصرع 12 مسلحاً وعنصرين من الأمن والجيش التونسيين، في حين تم القبض على ثلاثين متهماً حوكموا في العام ذاته بأحكام تتراوح بين السجن والإعدام، قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد الثورة في العفو التشريعي العام.
التنظّم
غير أنّ نشاط المجموعات الجهادية في تونس تكثف بعد حالة الإرباك التي عرفتها الأجهزة الأمنية بسبب أحداث الثورة. أعادت المجموعات الجهادية ترتيب أوراقها وتمركزت في المدن والأحياء والجبال، واستفادت من الأحداث المسلحة التي عرفتها ليبيا لإدخال السلاح والذخيرة في ظل حالة الضعف التي تعيشها الدولة حينها. كما رسمت حينها استراتيجية واضحة كشفها ما عرف بتنظيم "أنصار الشريعة" تعتمد ثلاثة محاور رئيسة: أولها ينشط على الأرض سلمياً من خلال تقديم المساعدات والتدخل لفك النزاعات بين الناس والمساعدة في تأمين بعض الأحياء التي تشهد توترات وإقامة الخيمات الدعوية لاستقطاب الشباب والمبايعين الجدد للتنظيم.

الحركات الإرهابية داخل تونس تستند إلى المدونة الفكرية والعقائدية والتنظيمية والعسكرية المشرقية ولم تنتج مدوّنتها الخاصة

والثاني ذراع إعلامي تمثل في "مؤسسة القيروان للإعلام" ومدونة على الإنترنت وصفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، كما ظهر بعض أعضائها في البلاتوهات التلفزية في أكثر من برنامج يروجون لفكرهم تحت شعار "اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا"، كما استُغلت هذه الأذرع الإعلامية أيضاً في شن حملات من أجل الإفراج عن المساجين التابعين لها ممن شاركوا في أعمال إرهابية سابقاً في تونس وخارجها.
أما المحور الثالث فقد كان سرياً ويخص تسليح التنظيم وجمع الذخيرة وإدخالها من البلدان المجاورة، بالإضافة إلى التدريب في جبل الشعانبي، وإيفاد عناصر لخوض معارك حقيقية وتربصات في ليبيا والعودة إلى تونس.
غير أنّ نشاطها العلني سرعان ما انكشفت خفاياه باغتيالين سياسيين أولهما كان هدفه شكري بلعيد والثاني محمد البراهمي، وأعلنت الحكومة رسمياً ارتباط التنظيم بتنظيم القاعدة وتورطه في الاغتيالين وضلوعها في العمليات الإرهابية في جبل الشعانبي وإدخال الأسلحة وتلقي التدريبات، وتم إعلان التنظيم إرهابياً محظوراً في 2013.
وسائل الاستقطاب
أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تشرين الأول 2016 تقريراً مفصلاً عن "الإرهاب في تونس" جاء فيه أنّ الجماعات الإرهابية قد استفادت "من سقوط نظام الحكم السابق ومن مناخ الحريات الذي صاحب ذلك بتمتع قياداتها بالعفو التشريعي العام، وعودة القيادات المطاردة من الخارج، وسيطرتهم على عدد كبير من المساجد. واستغلت هذه الحركات الإرهابية رفع الرقابة على الإنترنيت للولوج إلى المواقع الإرهابية واستغلال وسائل الإعلام والكتب لبث الفكر الإرهابي والاستقطاب والانتشار على صعيد واسع خاصة لدى الفئات الشبابية" (التقرير، ص 39-40).
وأشار فيه إلى أربع وسائل استقطاب رئيسة تعتمدها الجماعات الجهادية في حشد المنتمين إليها وإقناعهم بالانخراط فيها:
- الأشخاص: دعاة وأئمة وقادة سابقين في تنظيمات إرهابية أو شخصيات أخرى يقتصر دورها على استقطاب الشباب في الأحياء من خلال خوض نقاشات معهم وعرض فيديوهات لدعاة الفكر التكفيري ولمعاناة الشعوب الإسلامية في العالم.


- الجوامع والمساجد: تستغل الجماعات الجهادية الجوامع والمساجد لعقد حلقات تكوينية ودروس ونقاشات لنشر فكرها بين الملتحقين حديثاً بالصلاة وإقناعهم بتبني الفكر الجهادي وتحريضهم وشحذهم نفسياً لذلك.
كما أشار التقرير إلى اعتماد هذه الجماعات المساجد للتخطيط لعمليات إرهابية؛ إذ "تم استعمال الخلوة الخاصة بالأئمة لتنظيم اجتماعات ولقاءات والتخطيط لعمليات إرهابية. وكان لخطب الجمعة مهمة بارزة في التحريض على الالتحاق ببؤر التوتر خصوصاً في سوريا"، تليها "مهمات ميدانية تتمثل في ربط الصلة بين الراغبين في الالتحاق بتلك المعارك والمهربين، وكذلك جمع التبرعات وربط الصلة مع الإرهابيين المقيمين بتلك المناطق والإشراف على عملية التسفير" (التقرير، ص 48).
كما اعتمدت الجماعات الإرهابية محيط المساجد والجوامع والمناطق المجاورة لها للفت الانتباه ببيع العطورات والمطويات والكتب وتنظيم حلقات نقاش وتوعية واستقطاب.


- الإنترنت ووسائل الإعلام: استفادت الجماعات الإرهابية من وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة كثيراً لنشر أفكارها عبر العالم، واعتمدت شبكات التواصل الاجتماعي مثل؛ الفيسبوك وتويتر لاستقطاب الشباب والتأثير فيهم عبر مجموعة من المواد السمعية البصرية التي تعرضها عليهم، ومدهم بالمراجع والخطب المسموعة والمرئية، خاصة بعد رفع الرقابة والحظر عن جميع مواقع الإنترنيت مما مكّن الجميع من دخول المواقع الجهادية والإرهابية.

تستغل الجماعات الجهادية المساجد لعقد حلقات تكوينية ونقاشات لنشر فكرها بين الملتحقين حديثاً بالصلاة وإقناعهم بتبني الفكر الجهادي

- الكتب: ومن الكتب التي تأثر بها المنضمّون إلى الجماعات الإرهابية التي تعتمدها للاستقطاب في تونس كما في غيرها: "كتاب الدلائل الجلية على مشروعية العمليات الاستشهادية" لأحمد عبد الكريم نجيب، وكتاب "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (مؤلف جماعي)، وكتاب "قواعد في التكفير" لعبد المنعم مصطفى حليمة أبو بصير الطرطوسي، وكتابا "الخونة" و"إدارة التوحش" لأبي بكر الناجي، وكتاب "الديمقراطية دين" لأبي محمد المقدسي، و"متن القواعد الأربعة" لمحمد بن عبد الوهاب، و"معالم في الطريق" لسيد قطب.
ولاحظ التقرير أنّ "الحركات الإرهابية داخل تونس تستند على المدونة الفكرية والعقائدية والتنظيمية والعسكرية المشرقية ولم تنتج مدونتها الخاصة" (التقرير، ص 58).
خمول أم إعادة ترتيب
في الأشهر الأخيرة تشهد الحركات الإرهابية صمتاً مريباً قطعته منذ مدة قصيرة ببث فيديو ذبح الراعي خليفة السلطاني، واعتبر الملاحظون أنّ ذلك يأتي بسبب حالة الفراغ التي تعيشها الحركات الإرهابية بعد تضييق الخناق عليها سواء بالإيقافات المتكررة خلال العمليات الأمنية المكثفة أو بالمطاردة والقتل في المواجهات. وقال رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل والخبير العسكري العميد المتقاعد مختار بن نصر في تصريح لإذاعة "مونتي كارلو" الدولية، إثر مصرع إرهابيين في اشتباكات مسلحة مع قوات تابعة للحرس الوطني التونسي، إن "الجماعات الإرهابية في تونس تقهقرت وتراجعت بشكل كبير جداً... ولم تعد لها حاضنة اجتماعية في تونس". ربما يعود ذلك إلى نجاعة خطة مكافحة الإرهاب التي تخوضها قوات الأمن والجيش في ظل حالة الطوارئ التي مكنت من تضييق الخناق عليها سواء من حيث التحركات والتزود بالأسلحة أو من حيث التواصل مع المدن والأحياء. غير أنّ هذا الصمت قد يكون أيضاً مهلة للتفكير وإعادة ترتيب الأوراق من جديد خاصة بعد الخسائر البشرية والتقلص على الأرض والملاحقة على الإنترنيت.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية