الجماعة تسعى للحوار.. ولكن 7 أسباب تحول دون قبول الدولة المصرية ‎

الجماعة تسعى للحوار.. ولكن 7 أسباب تحول دون قبول الدولة المصرية ‎


23/06/2022

منذ إطلاق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعوته إلى جميع الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية لإجراء حوار وطني جامع، أثيرت بعض التكهنات بشأن موقع جماعة الإخوان المسلمين من الحوار السياسي، وهو ما استبعدته دراسة حديثة صادرة عن مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات. 

وكان الرئيس المصري قد أطلق خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي، دعوة إلى جميع الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية إلى إجراء حوار وطني جامع، يهدف إلى بلورة رؤية مجتمعية كلية، تطرح حلولاً ومقترحات مقبولة وممكنة للإشكاليات والقضايا المصيرية التي تواجه الدولة المصرية في هذه المرحلة الانتقالية المعقدة من عمر النظام الدولي. 

ما هو موقف "الإخوان" من الحوار؟

ورغم أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تكن مدعوة إلى الحوار أو مرحباً بها من الأصل، أبدت الجبهتان الرئيسيتان في الجماعة؛ "جبهة اسطنبول" بقيادة محمود حسين، و"جبهة لندن" بقيادة إبراهيم منير، استعدادهما للحوار بمجرد إعلان السيسي عن مبادرته، فيما رفضت الجبهة الثالثة، والتي يطلق عليها مجموعة "المكتب العام"، وهم بقايا مجموعة محمد كمال، الذي كان يدير الجماعة في الفترة من 2013 وحتى قبيل مقتله في 2016، وفق الدراسة التي أعدها الباحثان محمد سالم السالمي، ويسرى أحمد العزباوي.

واستخدمت جبهة إبراهيم منير، وفق الدراسة التي جاءت بعنوان "استاتيكية الموقف: موقع الإخوان من الحوار الوطني في مصر"، استخدمت تكتيك المراوغة، حيث لم تعلن موقفها من الحوار بشكل مباشر، بل عبّر عنه يوسف ندا القيادي التاريخي والمفوض الدولي باسم الجماعة سابقاً، وأعلن قبوله الحوار مع الدولة المصرية بعد ما أسماه بـ "رد المظالم"، وهو أسلوب وتكتيك يسهّل التنصل من أي التزامات في حالة رفض الدولة المصرية الحوار مع الجماعة، ولرفع حرج القيادة أمام أتباعها، بالادعاء أنه تصرف فردي من يوسف ندا، حيث أكد إبراهيم منير من قبل أنّ الجماعة لن تعقد صفقة مهما كانت مع نظام الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، مشيراً إلى أنّ انتظار الجماعة وقوع أحداث تساعد في إسقاط النظام هو أمر طبيعي.

منذ إطلاق الرئيس السيسي دعوته لجميع القوى السياسية والمجتمعية لإجراء حوار وطني، أثيرت التكهنات بشأن موقع الإخوان من الحوار

واللافت أنّ هذه ليست هي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الفريق إمكانية الحوار مع النظام المصري من خلال يوسف ندا، والذي أعلن أنه يطرح للمرة الثانية إمكانية الحوار مع "هرم السلطة في مصر"، وقد جاءت المرة الأولى خلال رسالة وجهها ندا في 14 أيلول (سبتمبر) 2021، تحت عنوان "مصر إلى أين؟"، قال فيها إنّ الباب مفتوح للحوار مع "رئاسة النظام المصري"، أما المرة الثانية، فقد جاءت بعد أيام من دعوة السيسي إلى إطلاق حوار بين كافة القوى السياسية، حيث نشر ندا رسالة بعنوان "رسالة ثانية مفتوحة لمن تردد في الرد على الرسالة الأولى"، في إشارة لعدم تلقيه رداً على رسالته الأولى.

استخدمت جبهة إبراهيم منير تكتيك المراوغة فلم تعلن موقفها من الحوار بشكل مباشر بل عبر عنه القيادي الإخواني يوسف ندا وأعلن قبوله الحوار مع الدولة بعد ما أسماه بـ "رد المظالم"

وتشير الدراسة إلى أنّ موقف جبهة محمود حسين، جاء عبر مجموعة من النشطاء المنتمين لها أو المقربين منها، حيث نشروا بياناً على موقع "change.org" وطالبوا بتوقيع الجماهير المصرية عليه، وهذا التكتيك يسمى بـ "حصان طروادة" أي الولوج إلى الحوار من داخل حركة نشطاء تدعي المعارضة المدنية، فإذا انطلت الحيلة على النخب أو على الجماهير ففي هذه الحالة ترفع مطالب الإخوان (جبهة حسين)، وفي حالة رفض الدولة لشروطهم، أو تجاهلها يمكن الادعاء أنهم ليسوا إخواناً.

ويلاحظ على هذه المجموعة أنها قبلت الحوار بشروط تعجيزية؛ مثل إعادة تقييم للأحكام القضائية التي صدرت منذ العام 2013، وفي كل القضايا ذات الطبيعة السياسية التي صدرت فيها أحكام أو الجاري نظرها؛ والتعهد بإعادة محاكمة كل القضايا التي صدر فيها حكم من محكمة أمن الدولة طوارئ أو صدر فيها حكم عسكري ضد مدنيين، مع إقرارهم بشرعية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والنظام، كما يلاحظ أنهم تحدثوا كفصيل سياسي معارض لما أسموه سياسات التخوين والقمع للمعارضين ومنتقدي توجهات النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ ونتيجة ذلك أنه لم يوقع على بيانهم إلا نحو 500 شخص.

وجاء موقف جبهة "المكتب العام"، رافضاً للحوار في بيان على صفحتهم على الـ"فيسبوك و"تليغرام"، انطلاقاً من إيمانهم بأن ما حدث في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013 "انقلاب" وليست ثورة، بل وأخذوا يدعون الجماهير إلى استمرار النهج الثوري المسلح، أو ما يطلقون عليه العمل الثوري المبدع (وهو تعبير أطلقه القيادي المقتول محمد كمال، وكان يقصد به العمل المسلح).

وخلاصة القول، وبغض النظر عن موقف أجنحة الجماعة من الحوار، فقد تجاهل النظام المصري عروض الإخوان المتكررة للحوار والمصالحة بالنظر إلى ما أحرزه من نجاحات لافتة على مستوى الاستقرار الأمني ومكافحة الإرهاب، مقابل الضعف الذي طرأ على الجماعة وتشتتها في المنفى بين لندن واسطنبول وواشنطن والدوحة وكوالامبور، كما أنّ قبول مسار كهذا يعني منح الجماعة طوق نجاة والاعتراف بشرعيتها، وهي التي باتت منبوذة ومعزولة ومصنفة كمنظمة إرهابية في العديد من الدول.

لماذا يرغب "الإخوان" في المشاركة بالحوار؟

يرى الباحثان أنّ جماعة الإخوان المسلمين ترحّب بأي شكل من أشكال الحوار، سواء أكان علنياً أم غير علني، مع الدولة المصرية، بل وترغب في المشاركة فيه، وذلك لأسباب عدة؛ منها: البحث عن الشرعية، فمشاركة جماعة الإخوان في أي اجتماعات رسمية أو غير رسمية يعطيها مرة أخرى "قبلة الحياة"، وشرعية التواجد ليس فقط في الداخل المصري ولكن في الخارج أيضاً.

يوسف ندا القيادي التاريخي والمفوض الدولي باسم الجماعة سابقاً

كما أنّ أحد الأسباب الرئيسية التي تدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى فتح نافذة للحوار مع النظام، هو ملف المعتقلين من قيادات الجماعة. فهناك ضغط مستمر ومتنامٍ من قبل المعتقلين وأسرهم من أجل العمل على الإفراج عنهم، حتى ولو تطلب ذلك تقديم تنازلات من الجماعة للنظام، وفق الدراسة.

وتضيف الدراسة، إنّ مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في أي حوار مع النظام سوف يتيح لها حرية الحركة في الداخل المصري، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة اللحمة لها مرة ثانية، فلاشك في أنّ قدرة أي جبهة على فتح نافذة للحوار مع النظام سوف يكسبها الشرعية الفعلية داخل الجماعة، ويجعلها قادرة على اكتساب تأييد كل "إخوان الداخل". وهنا، يمكن القول إنّ ما تشهده جماعة الإخوان من معارك دائرة بين جبهاتها المتصارعة على قيادة الجماعة، هو أمر غير مسبوق في تاريخها، ويحمل في طياته أكثر من مجرد أزمة يمكن حلها بلجنة مصالحة؛ لأنّ الجماعة تحولت بالفعل إلى كيانات متصارعة.

هل يمكن إجراء حوار بين "الإخوان" والدولة المصرية؟

وتخلص الدراسة، إلى أنّ إجراء حوار بين "الإخوان" والدولة المصرية أمر مستحيل، مرجعة ذلك إلى عدد من الأسباب الجوهرية التي تؤكد استحالة إجراء أي حوار حالياً، ومستقبلاً أيضاً.

(1) منهجية العنف: أظهرت أحداث ما سمي بـ "الربيع العربي" أنّ الأداة الرئيسية التي تتعامل بها جماعة الإخوان المسلمين مع القوى السياسية الأخرى هي العنف الممنهج بمفهومه الشامل، المادي والمعنوي، الأمر الذي ظهر بوضوح في ممارسة الجماعة قبل وبعد ثورة 25 يناير، في مصر وتونس وأغلب الدول التي شهدت تلك الأحداث، وهو ما اتضح جلياً من خلال المشاهد المسربة في مسلسل "الاختيار3"، والاغتيالات التي تمت بمباركة من الجماعة للنشطاء الذين كانوا يرفضون سيطرتها على المجتمع والحكم في تونس ومصر.

موقف جبهة محمود حسين، جاء عبر مجموعة من النشطاء المنتمين لها أو المقربين منها، حيث نشروا بياناً على موقع "change.org" وطالبوا بتوقيع الجماهير المصرية عليه

(2) العداء للمجتمع وللدولة: يخطئ من يعتقد أنّ جماعة الإخوان المسلمين لديها "ثأر" أو تناصب العداء للنظام السياسي الحالي فقط، فمن يلاحظ أو يدقق في الحوارات أو التصريحات الإخوانية، للقيادات العليا أو الوسطى، أو حتى الإخواني العادي، يجد أنّ الجماعة تناصب العداء لكل ما هو مصري، الأمر الذي يظهر جلياً في "حفلات الشماتة" التي تقام من قبل أعضاء الجماعة في حالة وفاة أحد رموز الفن، أو القيادات التي أيدت ثورة 30 يونيو، أو حتى في حالة خسارة المنتخبات الرياضية المصرية، وكذلك في هجومهم المتتالي على محمد صلاح، لاعب نادي ليفربول الإنجليزي.

وتشير الدراسة إلى أنّ الجماعة باتت تترقب كل حدث وتجمع وطني، يلتف حوله المصريون، فتحاول إفساده عبر كتائبها الإلكترونية التابعة لها، الوكيل الحصري لإشعال نار الفتن، بما يخدم مصالحها ويحقق الهدف المنشود وهو إفساد فرحة المصريين ومحاولة التقليل من قيمة هذا الحدث الوطني.

 إجراء حوار بين "الإخوان" والدولة المصرية أمر مستحيل

(3) تزايد الدعم الإقليمي والدولي لمصر في مواجهة الإرهاب: إنّ أحد التوجهات الرئيسة للدولة المصرية الآن هو مواجهة الجماعات الإرهابية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي أعطى النظام دفعة ومساندة إقليمية ودولية، ومن خلالها نجح الرئيس السيسي في الاستمرار في تجفيف بؤر الإرهاب في الداخل وملاحقة الجماعات الإرهابية في الخارج، ومن هنا جاءت مشاركة مصر في تجمع الساحل والصحراء لمواجهة الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية برمتها. وبتعبير آخر، يحظى النظام المصري بدعم إقليمي ودولي كبير لمواجهة الإخوان والجماعات الإرهابية عموماً؛ ما يؤكد على عدم مشاركة الجماعة في أي حوار مع النظام.

حالة الضعف والوهن، التنظيمي والفكري، للمؤسسات الوسيطة في المجتمع تحتم على الدولة الاستمرار في حظر جماعة الإخوان المسلمين وعدم فتح أي حوار معها

(4) ضعف المؤسسات الوسيطة في المجتمع: إنّ حالة الضعف والوهن، التنظيمي والفكري، للمؤسسات الوسيطة في المجتمع تحتم على الدولة الاستمرار في حظر جماعة الإخوان المسلمين وعدم فتح أي حوار معها؛ إذ إنّ حالة الضعف هذه قد تستغلها الجماعة مرة أخرى حال عودتها إلى المشهد، خاصة وأنها تمتلك من الأدوات التي تستطيع من خلالها التغلغل وإعادة السيطرة سريعاً على تلك المؤسسات، وهو الأمر الذي يجب ألا تسمح به الدولة مرة أخرى.  

(5) الخبرة التاريخية السلبية للحوار: إنّ التاريخ يؤكد أنّ تجربة الحوار، والمهادنة، مع جماعة الإخوان المسلمين لا تأتي بثمارها، بل العكس هو ما يحدث تماماً، فقد سعى عبدالناصر إلى التقارب مع الجماعة في بداية ثورة 1952 لكنها أعلنت العداء له وحاولت قتله، كما جرب الرئيس السادات الإفراج والحوار مع الجماعة فانقلبت عليه، وخرجت منها جماعات تحمل السلاح وتتبنى العنف من بينها جماعة شكري مصطفى التي اغتالت الشيخ الذهبي، ثم الجماعة الإسلامية التي تورطت في اغتيال الرئيس الراحل. وسمح لهم مبارك بالعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لكنهم انتهزوا ثورة 25 يناير لينقلبوا عليه.

(6) أحكام القضاء: إنّ انخراط جماعة الإخوان المسلمين طوال السنوات الماضية في قضايا إرهاب وغسل أموال وتخابر، إضافة إلى قيادتها لتنظيمي "حسم" و"لواء الثورة" الإرهابيين، ووقوفها وراء العديد من الهجمات الإرهابية التي قُتل فيها رجال شرطة وجيش ومدنيون خلال السنوات الماضة يبعدها عن المشاركة في الحوار.

(7) كشف زيف خدعة المراجعات: أثبتت التجربة والممارسة العملية أن جماعة الإخوان المسلمين لم تقم على مدار تاريخها بمراجعة حقيقية للفصل ما بين الديني والسياسي، أو بمراجعة الخلل الفكري والعقائدي لديها، بل العكس تماماً ما يحدث، حيث تقوم بتوظيف ما هو ديني من أجل الوصول إلى السلطة، وحتى عندما وصلت للحكم وسيطرت على أركانه استغلت الدين من أجل توطيد أركان حكمها، والعصف بكل التيارات الدينية والمدنية الأخرى من أجل أن تظل منفردة متحكمة في عملية صنع القرار، الأمر الذي أدي في النهاية إلى خروج التيارات المدنية بل وخروج التيارات الدينية الأخرى عليها أيضاً، والمشاركة في بيان 3 تموز (يوليو) 2013 الذي كان بمثابة الرمح الذي وُجّه إلى قلب الجماعة إلى الأبد.

مواضيع ذات صلة:

الجدل يحتدم في مصر.. هل يشارك الإخوان في الحوار الوطني؟

حوار الإخوان "الوطني" بالمولوتوف

مصر... هل يمكن الحوار مع "الإخوان"؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية