الجماعات الإرهابية تتربص بالسنغال وتهدد ديمقراطيتها

الجماعات الإرهابية تتربص بالسنغال وتهدد ديمقراطيتها

الجماعات الإرهابية تتربص بالسنغال وتهدد ديمقراطيتها


19/03/2024

أعلنت الرئاسة السنغالية أنّ داكار ستنظم الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 الجاري، في حين، اعتمدت الجمعية الوطنية في السنغال الأربعاء الماضي قانون عفو عن الأفعال المرتبطة بالعنف السياسي في السنوات الأخيرة. ويأتي هذا، بعدما كان الرئيس السنغالي ماكي سال قد أنهى جدلاً سياسياً كبيراً في البلاد أواخر فبراير الماضي بتأكيده أنّ ولايته الرئاسية ستنتهي في وقتها المحدد.

وقوبل إعلان ماكي سال بأنه لن يترشح لحكم البلاد لفترة ثالثة، بحالة من الارتياح والفخر والاعتزاز في دولة معروفة بتقاليدها الديمقراطية.

وقال عليون تين، المناضل الحقوقي السنغالي البارز، لصحيفة "نيويورك تايمز": "أُبطل مفعول قنبلة موقوتة للتو؛ فهذا يريح السنغال والقارة الأفريقية راحة كبيرة".

وتعد السنغال الدولة الوحيدة في غرب أفريقيا التي لم تتعرَّض قط لانقلاب أو هجوم إرهابي كبير، ولطالما كانت من ركائز الاستقرار الإقليمي، لكنها أمست لا تسلم من الخطر، بحسب مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية.

وتصاعدت التوترات بصورة مطردة خلال السنوات الأخيرة باحتجاج المواطنين على ارتفاع تكاليف المعيشة واتهامات بالفساد الحكومي الممنهج، وباتت السنغال هدفاً رئيسياً لتوسع التنظيمات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل.

استثناء أفريقي

وقال عالم الاجتماع علي بابا فاي لمجلة "فوكَس أون أفريكا": "لطالما كان يُنظر للسنغال على أنها (استثناء أفريقي) و(نموذج للديمقراطية)؛ أمة موحدة يمكنها الاعتماد على دولة ومؤسسات ناجحة. لكنها تبدو اليوم محل نقاش حول استقرار مهدد بالانهيار".

كشف البنك الدولي أنّ معدل الفقر في السنغال بلغ 36.3٪ في عام 2022. وسعت الحكومة إلى وضع سقف لأسعار بعض السلع الغذائية والرسوم المدرسية والإيجار، لكنّ هذه الإجراءات لم تغير موقف منتقديها.

حافلة تعرضت لهجوم بالقنابل الحارقة العام الماضي في العاصمة السنغالية

وقالت مجلة "فورين بوليسي" إنّ ارتفاع مستويات البطالة بين الشباب وكثرة فضائح الفساد المرتبطة بالرئيس السنغالي سال أدت إلى "تغليب معاداة القيادة السياسية في البلاد".

وتابعت المجلة: "الغضب واضح جلي، ولا يتطلب الأمر سوى شرارة لتنفجر هذه القنبلة الموقوتة وتفتح الباب أمام العناصر الإرهابية".

وكشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023 أنّ منطقة الساحل شهدت نسبة 43٪ من قتلى الإرهاب على مستوى العالم، مع ارتفاع عدد الضحايا بأكثر من 2,000٪ على مدى الـ 15 سنة الماضية.

واحتلت مالي، جارة السنغال من الشرق، المرتبة الرابعة على مستوى العالم في قائمة المؤشر للدول الأكثر تضرراً من الإرهاب، وجاءت بوركينا فاسو في المرتبة الثانية.

ويرى الخبراء أنّ التحديات المعقدة التي تواجهها السنغال تجعلها عرضة للجماعات الإرهابية، إذ يمكنها الاستفادة من حالة السخط والاستياء وإذكائها من خلال إدخال الشباب الناقمين في دروب التطرف.

ظروف استغلتها الجماعات الإرهابية

ويقول مركز صوفان البحثي المستقل غير الربحي في موجز صادر في العام الماضي: "تزايد حالة الإحباط في السنغال، ومنها خيبة الأمل الاقتصادية، وعنف الشرطة، واتهامات الفساد، خلقت ظروفاً استغلتها الجماعات الإرهابية في أرجاء المنطقة".

 

تعد السنغال الدولة الوحيدة في غرب أفريقيا التي لم تتعرَّض قط لانقلاب أو هجوم إرهابي كبير، ولطالما كانت من ركائز الاستقرار الإقليمي

 

وتابع: "استفاد كلٌ من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى من الثغرات الحدودية، والفساد، وضعف سيادة القانون، وسائر التحديات الإقليمية متعددة الجوانب كالتدهور البيئي، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرة، وعدم الاستقرار الاقتصادي".

وفي أغسطس الماضي، أحبط الأمن في السنغال ما قال إنه "مخطط إرهابي" كان يستهدف العاصمة دكار، وأوقف 11 شخصاً يُشتبه في تورطهم بالمخطط، بمن فيهم من وصفه الأمن بأنه "«العقل المدبر" للهجمات التي كان من المفترض أن تستهدف بشكل متزامن، مناطق استراتيجية في المدينة البالغ عدد سكانها أكثر من 4 ملايين نسمة، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".

وقالت قوات الأمن السنغالية، إنها ألقت القبض على 11 شخصاً متهمين بالتورط في "مخطط لشن أعمال إرهابية"، مشيرة إلى أنّ "العقل المدبر" للمجموعة كان يخطط لنشر سلاسل من المسامير لإطارات السيارات، بالإضافة إلى إلقاء قنابل حارقة على أماكن مختلفة من العاصمة.

وتحدثت الصحافة المحلية في السنغال عن "إحباط هجوم كبير بالقنابل الحارقة على العاصمة دكار"، وكتبت إحدى الصحف أنّ مدينة دكار كانت "على شفا الجحيم"، متحدثة بإسهاب عن "مخطَّط استعراضي من الحجم الكبير يقف خلفه أشخاص مسلحون بالقنابل الحارقة".

أنصار عثمان سونكو وباسيرو ديوماي فاي يحتفلون بإطلاق سراحهم في داكار

وينظر إلى السنغال، التي يبلغ عدد سكانها نحو 17 مليون نسمة وتقع في أقصى الساحل الغربي للقارة الأفريقية، باعتبارها دولة ديمقراطية مستقرة متعددة الأحزاب، ومنذ استقلالها عام 1960، لم تشهد أي اضطرابات أو حربٍ عنيفة، وظلَّت بمنأى عن الانقلابات العسكرية.

ولكن منذ نحو سنة، كانت هناك اشتباكات خطيرة بين مؤيدي المعارضة والشرطة في إطار محاكمات زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي عثمان سونكو، وقُتل ما لا يقل عن 18 شخصاً، العديد منهم بطلقات ذخيرة حية مجهولة المصدر.

وأعقب الاحتجاجات العنيفة آنذاك إلقاء القبض مرة أخرى على سونكو، وتم حل حزبه، المسمى "باستيف"، ومنعت الحكومة مؤقتاً الاتصالات بالإنترنت عبر الهاتف الجوال، كما قيدت الوصول إلى بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، خصوصاً منصة "تيك توك"، وحظرت استخدام الدراجات.

الإفراج عن معارضيْن سياسييْن

وفي تطور لاحق، أفرجت السلطات السنغالية مساء الخميس الماضي، عن المعارض السياسي عثمان سونكو ومساعده الأيمن، المرشّح للانتخابات باسيرو ديوماي فاي، في خطوة ابتهج لها الآلاف من أنصارهما الذين نزلوا بشكل عفوي إلى شوارع العاصمة داكار للاحتفال، قبيل موعد الانتخابات، وفق فرانس 24.

 

مركز أبحاث: حالة الإحباط في السنغال، ومنها خيبة الأمل الاقتصادية، وعنف الشرطة، واتهامات الفساد، خلقت ظروفاً استغلتها الجماعات الإرهابية في أرجاء المنطقة

 

وفي غضون ذلك، أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أنها ستنشر بعثة لمراقبة الانتخابات في السنغال، تضم 130 مراقباً، ويرأسها إبراهيم أغبولا غامباري النائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة، ووزير خارجية نيجيريا الأسبق.

وأوضحت "إيكواس" في بيان صادر عن مفوضيتها أنها تتابع تطور الوضع السياسي في السنغال و"ترحب على الخصوص" بإصدار قانون العفو العام عن معتقلي الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد منذ العام 2021.

 وناشدت المفوضية، جميع الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية من أجل "جعل السنغال الفائز الحقيقي في الانتخابات"، كما دعت إلى "إعطاء الأولوية للتسامح والسلام والمصالحة من خلال أقوال وأفعال سلمية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية