
تحوّلت العاصمة البريطانية لندن إلى معقل للمتشددين الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي، وكانت تستضيفهم لاستخدامهم كـ "ورقة" رابحة في تعاملاتها مع قضايا الشرق الأوسط، وقد قاد هذا الحراك شخصيات إخوانية كثيرة وإرهابيون يقبعون في الوقت الراهن خلف القضبان، ومنهم حمزة المصري، الذي يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة بعد إدانته بالإرهاب، حتى أصبحوا يطلقون على لندن لقب "لندنستان"، لأنّ الإخوان تجذروا على أراضيها، وبدؤوا ينخرطون في عمليات عنف وإرهاب في بلدانهم الأصلية وفي البلدان الغربية أيضاً.
وحول الموضوع قال المحلل في شؤون مكافحة الإرهاب أمجد طه: إنّه يوجد في بريطانيا متطرفون مسلمون أكثر ممّا هو موجود في عموم الشرق الأوسط.
وحذّر طه في تصريح صحفي لصحيفة (ديلي ميل) من تحول بريطانيا إلى مركز ثقل عالمي للإسلام السياسي، وذلك بسبب ضعف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وأضاف طه أنّ بريطانيا تجد نفسها في "موقف غير عادي"، حيث ينتشر الإسلام المتشدد على أراضيها بينما يتراجع في دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، وحذّر من وجود "متطرفين أكثر في بريطانيا مقارنة بالشرق الأوسط"، بسبب تستر الإسلاميين المتطرفين والإخوان وراء حرية التعبير.
وأشار طه الذي لديه (1.6) مليون متابع على منصتي (إكس وإنستغرام) إلى أنّ "جماعة الإخوان المسلمين، وهم الإسلاميون الذين يحكمون ويسيطرون على الصحافة المختلفة عندما يتعلق الأمر بالمجتمع الإسلامي في بريطانيا، يسيطرون على الرواية بأكملها. والإخوان هم الإسلاميون المتطرفون، وهم يستخدمون حرية التعبير لنشر أفكارهم.
وأوضح المؤثر الإماراتي أنّ حركة الإخوان المسلمين "محظورة في بلدي، الإمارات العربية المتحدة، ولكنّها ليست محظورة في بريطانيا". داعياً إلى حظرها بالكامل في بريطانيا، "لأنّهم يستخدمون حرية التعبير لقمع حريتك ضدهم"، و"عندما يستخدمون "الإسلاموفوبيا"، فمن أجل منعك من انتقاد الإسلاميين والإخوان المسلمين وأيّ شكل من أشكال الراديكالية".
هذا، وأثارت تصريحات الناشط موجة جدل على موقع (إكس)، وقد شارك في الترند الذي صنعه بتصريحاته مجموعة كبيرة من السياسيين الإنجليز والأوروبيين الذين أكدوا صحة تصريحاته، وأنّ الأمور أصبحت مقلقة للشارع البريطاني بسبب الإخوان.
وفي السياق ذاته نقلت الصحيفة عن الدكتور تاج هارغي، المؤرخ والأكاديمي ومؤسس معهد أوكسفورد للإسلام البريطاني، قوله: "من المدهش أن يقوم حزب العمال الذي لا يحظى بشعبية بالتضحية بحرية التعبير من أجل إرضاء الأصوليين الإسلاميين".
بدوره قال متحدث باسم وزارة الداخلية للصحيفة ردّاً على النقد: "لا مجال للإسلام المتطرف في مجتمعنا، والحكومة ملتزمة بمعالجة التهديد الذي يمثله على المجتمعات والأفراد"، و"لهذا ضاعفنا من جهودنا في الحكومة لمعالجة تهديد التطرف، بما فيه التطرف الإسلامي".
المؤثر الإماراتي يدعو إلى حظر الإخوان المسلمين بالكامل في بريطانيا، لأنّهم يستخدمون حرية التعبير لقمع حريتك ضدهم.
ويخطط رئيس الوزراء البريطاني ووزيرة داخليته أنجيلا رينر لإطلاق مجلس جديد للإسلاموفوبيا، وتعريف جديد للكراهية للإسلام، واحتمال الإعلان عن قانون جديد للتجديف.
وتم اختيار غريف، النائب العام السابق، لرئاسة لجنة من (16) شخصاً للنظر في تعريف التحيز ضد المسلمين. وكتب في عام 2018 مقدمة لتقرير عن الإسلاموفوبيا أعدته مجموعة كل الأحزاب عن المسلمين البريطانيين في البرلمان البريطاني، والتي كان يترأسها وزير الصحة الحالي ويز ستيرينغ.
وفي التعريف الذي تبنّاه حزب العمال لاحقاً، فإنّ الإسلاموفوبيا "متجذرة في العنصرية"، و"تستهدف هوية المسلمين أو ينظر إليها هوية مسلمة". في مقدمته للتقرير قال غريف: إنّ التقرير كان "مساهمة مهمّة" في المناقشة حول كيفية معالجة التمييز ضد المسلمين، إلا أنّ البعض يزعم أنّ التعريف واسع للغاية، وربما يمنع النقد المشروع.
الوزير السابق روبرت جينريك يتفق مع ما ذهب إليه طه، وقال في كلمة سابقة أمام مجلس العموم: إنّ "بريطانيا سمحت للمتطرفين الإسلاميين بالسيطرة على شوارعنا".
وتحدث عن "نمط من المتطرفين الإسلاميين، منهم جماعة الإخوان المسلمين، الذين يخيفون من يختلفون معهم، ويثيرون احتمال انتشار العنف".
وفي الإطار ذاته كانت صحيفة (الشرق الأوسط) قد سلطت الضوء على هذه القضية من خلال نشرها سلسلة وثائق حكومية بريطانية كانت مصنفة سرّية، وباتت متاحة في الأرشيف الوطني بلندن.
وتكشف هذه الوثائق أنّ جدلاً داخلياً ساد أروقة الحكومة البريطانية في شأن التعامل مع مسألة الإسلاميين في بداية تسعينات القرن الماضي.
ودعا تيار في الحكومة إلى الحوار معهم، بما في ذلك مع المتشددين منهم، على أساس أنّ التحدث معهم يمكن أن يحل أيّ إشكالية بين الطرفين، خصوصاً أنّه "ليس هناك تضارب ضروري بين المصالح الغربية والإسلام"، بحسب ما جادل به أنصار هذا الرأي.
في المقابل، كان هناك تيار آخر ينتقد هذا المنطق، ويرى أنّ هناك محاولة متعمدة من بعض المسؤولين البريطانيين لمحو الفوارق الموجودة مع الإسلاميين المتشددين، ويشير إلى ضرورة أخذ مثالَين هما (السودان وإيران) في الحسبان عند التعامل مع تيارات الإسلام السياسي، في إشارة إلى أنّ وصول الإسلاميين إلى السلطة سيعني رفضهم التخلي عنها لاحقاً، مثلما فعل نظام الرئيس عمر البشير بعد استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري في الخرطوم عام 1989، وكما فعل من قبل الإسلاميون الإيرانيون بقيادة آية الله الخميني بعد إطاحتهم نظام الشاه في طهران عام 1979.