التيار السلفي يتودد إلى السلطة من أجل الحفاظ على حضوره في المشهد المصري

التيار السلفي يتودد إلى السلطة من أجل الحفاظ على حضوره في المشهد المصري

التيار السلفي يتودد إلى السلطة من أجل الحفاظ على حضوره في المشهد المصري


23/01/2025

كشفت موجات دعم لافتة من قيادات سلفية لحزب الجبهة الوطنية الجديد المقرب من السلطة في مصر، حرصا على الحفاظ على الحد الأدنى من الحضور وتجنب الإقصاء الكلي من المشهد السياسي، عبر الانخراط في تكتلات حزبية مرشحة لقيادة مجلس النواب المقبل، حيث ستُجرى الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.

وأصبح محمد إبراهيم منصور رئيس حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، يداوم على الظهور للثناء على تركيبة حزب الجبهة الوطنية، واصفا إياه بأنه “وُلد لمواجهة التحديات التي تواجه الدولة من مختلف الاتجاهات”، ومؤكدا أن إنشاءه خطوة لتنشيط الحياة الحزبية في البلاد، حيث أن الفترة المقبلة تحتاج إلى أحزاب قوية على الأرض.

وشارك منصور في تدشين حزب الجبهة الوطنية بحضور رموز وقيادات حزبية وسياسية وفكرية، فالمستهدف من الحزب الجديد أن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بأكبر تحالف حزبي، يضم تيارات مختلفة. وأعرب حزب النور عن ترحيبه بالتعاون مع الجبهة الوطنية للخروج بالعملية الانتخابية بشكل مشرف لتمثل كل الفئات.

وترتبط رغبة حزب النور في الترشح لخوض الانتخابات البرلمانية تحت راية الجبهة الوطنية، بأنه كان جزءا من الشرعية التي تأسس عليها النظام المصري، عندما دعّم الحزب ثورة يونيو 2013 التي أسقطت حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، لاسيما أن حزب الجبهة الوطنية يستهدف جمع شتات تحالف يونيو، من أحزاب وشخصيات.

لكن الحزب الممثل للتيار السلفي، لم يستوعب بعد أن السلطة والقوى المدنية بما فيها الأحزاب القريبة من السلطة غير راغبة في عودة الإسلام السياسي، ويكفي ما يحدث في سوريا من صعود وما يحدث من قلاقل في بعض الدول.

واختفت تقريبا قيادات حزب النور الفترة الماضية من مشهد تقديم الدعم والولاء المطلق لأي كيانات سياسية متماهية مع السلطة، ما يشي بأن التحول الجديد نابع من كون السلفيين أكثر اقتناعا الآن بضرورة التحرك تحت عباءة الدولة بأي شكل، ومن المهم عدم وضعهم في خانة واحدة مع جماعة الإخوان التي تعتبرها السلطة خصما سياسيا.

ويمكن بسهولة اكتشاف التحول الجذري في خطاب بعض قيادات السلفيين، الذي يصفه البعض بأنه يرتقي حد النفاق السياسي لحزب الجبهة الوطنية الجديد، على أمل أن تكون لهم حظوظ في المستقبل، ويشارك حزبهم في التحالف الانتخابي المرتقب إعلانه في الفترة المقبلة، وعدم ترك حزب النور يخوض الانتخابات بلا دعم من قوى قريبة من السلطة.

يغيب عن التيار السلفي أن الحكومة المصرية تتمسك بمسافة ثابتة معهم، فهي تقبل على مضض استمرار حزب النور ككيان سياسي له أذرع إسلامية، دون أن تقدم على خطوة تقديم الدعم المباشر له، أو اتخاذ قرار بحله تطبيقا للدستور الذي يحظر تكوين الأحزاب على أساس ديني، وتتعامل بمنطق المصلحة بما لا يمنحهم مكانا كبيرا.

ويفسر مراقبون حالة الاحتواء الظاهر لحزب النور مؤخرا ودعوته ليكون شريكا في حفل تدشين حزب الجبهة الوطنية، أن مصر تعيش تحديات متراكمة تتطلب وحدة الصف الداخلي، ومنع حدوث استقطاب سياسي أو ديني يشتت المجتمع ويثير منغصات، وبدا حضور الحزب مرتبطا بالإيحاء بوحدة جميع الفئات خلف السلطة.

ويبدو أن السلفيين تعاملوا مع الاحتواء بشكل يفوق أهدافه السياسية وشعروا أنهم عادوا مرة أخرى تحت راية السلطة وقريبين من حزبها الجديد، فقرروا التمسك بالفرصة أمام عدم امتلاكهم شعبية تساعدهم على تحقيق طموحاتهم السياسية، ولم يعد أمامهم سوى الاصطفاف خلف السلطة للحفاظ على الحد الأدنى من البقاء.

ويرتبط ما يفعله حزب النور من تقديم الولاء لكيان سياسي موال للسلطة بحالة الضعف التي يعيشها التيار السلفي في مصر خلال السنوات الأخيرة، وسط تغيرات مجتمعية وسياسية طرأت على المشهد العام، ولم تعد الأغلبية المجتمعية نفسها تتقبل فكرة إعادة إحياء تيارات سياسية لها مرجعية دينية بهدف الحفاظ على استقرار الدولة.

يصعب فصل استعداد السلفيين للعمل تحت مظلة حزبية قريبة من النظام عن اقتناعهم بصعوبة تحقيق انتصارات في انتخابات البرلمان المقبل سوى بمساعدة بعض دوائر السلطة، لأنهم تعرضوا لهزيمة فادحة في انتخابات مجلس النواب الماضية وحصدوا 12 مقعدا، قبل أن يخوضوا انتخابات مجلس الشيوخ دون الحصول على مقعد واحد.

وأكد سامح عيد الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي أن حزب النور على قناعة بأن بقاءه في المشهد السياسي يرتبط بالانخراط تحت كيانات حزبية، وهو ما يفسر تحركاته مؤخرا، في محاولة لتحقيق قدر من المواءمة السياسية المرتبطة بعدم وجود شعبية للسلفيين تؤهلهم لتحقيق مكاسب، ويقدمون أنفسهم ضمن تحالف يونيو.

وأضاف عيد في تصريح لـ”العرب” أن الدولة المصرية مستقرة ولدى مؤسساتها توجهات واضحة بشأن عدم استعدادها لتقديم مساعدة لبروز تيار الإسلام السياسي بشتى فروعه، قد يناكفها ويهدد مدنيتها، ولم يعد أمام حزب النور غير الانخراط في الحياة السياسية بشروط تتوافق مع رؤية السلطة المصرية لتكريس الأمن والاستقرار ووحدة البلاد، في ظل تحديات إقليمية متسارعة، وعلى التيار السلفي استيعاب تلك الرسالة.

ومن الواضح أن حزب النور لا يمتلك من الوعي ما يجعله يدرك الوضعية السياسية الدقيقة على الأرض، ولا يقتنع بأن الحكومة لن تسمح بتحقيق انتصار سياسي للسلفيين، أو تدخل في تحالفات معهم، على الأقل لينكشف هذا التيار أمام أنصاره والمجتمع عموما، ويعرف حجمه الحقيقي كرسالة غير مباشرة للإخوان.

كما أن هناك دوائر قريبة من السلطة لا تمانع بقاء حزب النور في خلفية المشهد السياسي وبشكل محدود، لتظهر الحكومة في صورة أنها تسمح بوجود تيار ديني يدعم تصوراتها، لكن تظل معضلة السلفيين أنهم أخفقوا في تقديم ضمانات كافية للدولة بشكل لا يجعل السلطة تضعهم مع الإخوان في سلة واحدة، وتتمسك بالتعامل معهم وفق تلك المعادلة أحيانا.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية