في تطور لافت للأزمة السياسية في العراق، توافقت غالبية القوى السياسية بالبلاد مؤخراً حول مقترح حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو المقترح الذي تقدم به مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري نهاية الأسبوع الماضي، على وقع حالة من التوتر والاستقطاب المتبادل بين مختلف الكتل السياسية في الشارع.
وقدّم الصدر خلال كلمة ألقاها الأربعاء الماضي مجموعة رسائل واضحة عن الحلول التي يراها مناسبة للأزمة الراهنة، والتي تتمثل في إجراء انتخابات مبكرة، وحلّ البرلمان الحالي، وإجراء تعديلات واضحة وجوهرية على أداء مجلس القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية العليا، بشكل يبعدها عن التمييز واستهداف الخصوم السياسيين، ومحاسبة الفاسدين، بحسب "إندبندنت".
وبالتزامن، دخل أنصار الصدر في اعتصام مفتوح بوسط بغداد، منذ بداية آب (أغسطس) الجاري، اعتراضاً على مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني.
موافقة سياسية مشروطة
وأبدت غالبية الكتل السياسية موافقتها على مطلب الصدر، بما فيها الإطار التنسيقي، والحزب الكردستاني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
وأعرب الإطار التنسيقي، التكتل الشيعي المنافس للتيار الصدري بالبلاد، عن انفتاحه على دعوة الصدر للانتخابات المبكرة.
— محمد الحلبوسي (@AlHaLboosii) August 5, 2022
وبالتزامن مع احتشاد آلاف من أنصار التيار الصدري لصلاة الجمعة داخل ساحة المنطقة الخضراء بوسط بغداد، أعلن الإطار التنسيقي "دعمه لأيّ مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب، بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها وتوفير الأجواء الآمنة لإجرائها".
وقال في بيان نقتله وسائل إعلام محلية: إنّه "يجب توفير الأجواء الآمنة لإجرائها، ويسبق كل ذلك العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها. وأضاف: "يبقى سقفنا القانون والدستور ومصلحة الشعب".
شيركو حبيب: العراق يعاني أزمات وخلافات معقدة، الانتخابات المبكرة لا تحلّ الأزمة، بل تزيدها تعقيداً
من جهته، أعلن رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي عن تأييده لدعوة زعيم التيار الصدري إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وقال في تغريدة عبر موقع "تويتر": إنّ "مجلس النواب هو ممثل الشعب، وإنّ الجماهير التي احتشدت هي جزء من كيانه، والتي لا يمكن بأيّ حال إغفال إرادتها، في حصول انتخابات مبكرة دعا إليها مقتدى الصدر".
واشترط الحلبوسي "إجراء الانتخابات خلال مدة زمنية متفق عليها، للشروع مجدداً بما وصفها بالمسيرة الديمقراطية تحت سقف الدستور والتفاهم، بما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد."
وفي السياق، أبدى "تحالف السيادة" الذي يمثل غالبية النواب السنّة في مجلس النواب العراقي الحالي ترحيبه بإجراء انتخابات مبكرة، معتبراً أنّ مطالبة الصدر بإجراء إصلاحات في القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية، ضرورية لضمان نزاهة الانتخابات والتفسيرات الدستورية.
ودعم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني فكرة إجراء انتخابات مبكرة لكونها الحل الأفضل للأزمة السياسية في البلاد، لكنّه دعا إلى ضرورة أن تكون هذه الخطوة وفق أطر دستورية، تتضمن تشكيل حكومة جديدة يُحدَّد لها توقيت زمني لإقامة الانتخابات المبكرة، بحسب "إندبندنت".
كيف تُجرى عملية حل البرلمان قانونياً؟
بحسب الخبير القانوني العراقي علي التميمي، سيتم الاستناد إلى المادة (64) من الدستور العراقي لتسيير عملية حلّ البرلمان الحالي وانتخاب آخر جديد.
وفي حديث لصحيفة "الأخبار" يقول التميمي: إنّ المادة المذكورة "تنص على أنّ مجلس النواب يُحلّ بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، أي نصف العدد الكلي زائد واحد، ويكون ذلك بطريقتين: الأولى طلب إلى رئيس مجلس النواب موقَّع من ثلث الأعضاء، أي (110) نواب، والثانية طلب من رئيس مجلس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية.
ويضيف التميمي: "الحكومة الحالية مهمتها تصريف الأمور اليومية، ولم تأتِ من مجلس النواب الحالي، لا هي ولا رئيس الجمهورية، لذلك لا يحق لا لرئيس مجلس الوزراء ولا لرئيس الجمهورية تقديم الطلب المشترك، وفق قرار المحكمة الاتحادية (121) لعام 2022.
وعليه تبقى طريقة واحدة، وفق التميمي، هي أن "يحلّ مجلس النواب نفسه بنفسه".
ويقول التميمي: إنّه "عند التصويت على حلّ البرلمان من قبل الأغلبية المطلقة، يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات عامة خلال مدة أقصاها (60) يوماً من تاريخ الحل، ويواصل مجلس الوزراء تصريف الأمور اليومية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
هل تنجح آلية الانتخابات المبكرة في تدارك الأزمة؟
بالرغم من التوافق النسبي بين القوى السياسية في البلاد حول المقترح، إلا أنّ التوقعات متفاوتة بشأن مدى توفر الإمكانيات لتنفيذه، ونتائجه المحتملة، ففي حين يعتقد بعض المراقبين أن تسهم تلك الانتخابات في تحقيق انفراجة للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد منذ عدة أشهر، يرى آخرون أنّ تلك العملية ستزيد من تعقيدات المشهد السياسي، خاصة في ضوء حالة الاستقطاب المتصاعدة بين الكتل السياسية.
ويرى المراقبون أنّ إجراء انتخابات برلمانية بعد نحو (9) أشهر فقط من الانتخابات السابقة، التي كانت مبكرة أيضاً، أمر غاية في الصعوبة من الجانب الاقتصادي والواقع العملي، مؤكدين على أهمية الحوار السياسي أوّلاً لتحقيق درجة من التوافق بين القوى المتناحرة يمكن من خلالها بناء جسور ثقة لتنفيذ الانتخابات وفق آليات محددة والانطلاق نحو مرحلة من الاستقرار، وإلا ستتواصل عملية الفوضى.
محمد الحلبوسي: مجلس النواب هو ممثل الشعب، وإنّ الجماهير التي احتشدت هي جزء من كيانه، والتي لا يمكن بأيّ حال إغفال إرادتها في حصول انتخابات مبكرة التي دعا إليها مقتدى الصدر
ويرى السياسي الكردي، مسؤول مكتب الحزب الكردستاني الديمقراطي في القاهرة، شيركو حبيب، أنّ الانتخابات المبكرة لا تحلّ الأزمة، بل تزيدها تعقيداً، على حدّ قوله.
وفي مقال نشره موقع "دار الهلال" السبت تحت عنوان: "هل الحلّ الانتخابات المبكرة وتحول العراق من برلماني إلى جمهوري؟"، يقول حبيب: إنّ "العراق منذ تأسيسه كدولة في العشرينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا يعاني من أزمات وخلافات ومشاكل معقدة، إلا أنّ الحكم "الديكتاتوري" أرهب الشعب وحكم بقبضة من حديد على زمام الأمور، ولم يستطع الشعب إبداء رأيه بحرّية."
ويضيف: "اليوم الشعب حر، لكنّ التأثيرات الحزبية الضيقة والمذهبية المسيطرة من قبل بعض الجهات التي لا ترغب إلا في تحقيق مصالحها ومن يحركها، وعليهم أن يفهموا أنّ الديمقراطية ليست الانتخابات والصناديق بل هي ما بعد نتائجها."
وبحسب حبيب، لن تنتهي الأزمة العراقية إلا بمصارحة حقيقية بين الأطراف السياسية، والعمل من أجل الاستقرار وبناء دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية على أساس الدستور، وعدم خلط الأمور الدينية بالسياسية، واحترام نتائج الانتخابات مهما كانت، وأن تكون الرؤية عراقية للقضايا، بعيدة عن الأجندات الخارجية.
مواضيع ذات صلة:
- هل تتحوّل المنطقة الخضراء في العراق إلى حمراء؟
- وسط مناشدات ودعوات للتهدئة.. أنصار الصدر يواصلون اعتصامهم المفتوح في البرلمان العراقي
- تسريبات المالكي.. إلى أين تقود المشهد السياسي المرتبك في العراق؟