الإمارات تقود الشرق الأوسط نحو نموذج شامل في مكافحة التطرف

الإمارات تقود الشرق الأوسط نحو نموذج شامل في مكافحة التطرف

الإمارات تقود الشرق الأوسط نحو نموذج شامل في مكافحة التطرف


06/05/2025

 في مرحلة تعيش فيها المنطقة العربية اضطرابات سياسية، وصعودا متزايدا للأيديولوجيات المتطرفة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها قوة إقليمية تقود تحولا مفاهيميا وإستراتيجيا في آليات مكافحة التطرف.

وفي مقابل النماذج التقليدية القائمة على القمع الأمني والمواجهة العسكرية صاغت الإمارات نموذجا شاملا يعتمد على مزيج متكامل من الأدوات التشريعية والدينية والثقافية والإعلامية ليصبح أحد أكثر النماذج وضوحا واستقرارا في الشرق الأوسط، وقابلا للتصدير عالميا.

وترى الباحث ملائكة خان في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أن هذا النموذج يمثل تحولا نوعيا في منطق المواجهة، حيث انتقلت الإمارات من مرحلة الاستجابة الانفعالية إلى مرحلة المبادرة الإستراتيجية، فبدلا من التركيز على ملاحقة المتطرفين فقط، وضعت الدولة نصب عينيها معالجة البنية الأيديولوجية والفكرية التي تشكّل الحاضنة الأولى للتطرف.

وقد تجسد هذا التوجّه في تأسيس مؤسسات رائدة، مثل “مركز هداية” و”صواب”، واللذَين يشكلان اليوم ركيزتين في العمل العالمي لمكافحة التطرف الفكري والدعاية الإرهابية الرقمية.

ولا تقتصر الريادة الإماراتية على المستوى المحلي، بل تمتد إلى الإقليم ككل. فبينما تواجه العديد من الدول العربية صراعا داخليا بشأن دور الدين في المجال العام، وضعت الإمارات تصورا واضحا لهوية دينية معتدلة، تُدار وتُنظم عبر مؤسسات الدولة، بما يضمن انسجامها مع سياساتها الأمنية والتنموية.

ومن خلال محاصرة الإسلام السياسي، وتجفيف منابع الخطاب التحريضي، عملت الإمارات على إعادة ضبط العلاقة بين الدين والدولة، وقدّمت خطابا دينيا حديثا يرتكز على قيم التسامح والانفتاح، بدلا من التقسيم والصراع.

وقد ساهم هذا النموذج في تغيير صورة الإمارات على الصعيد العربي، خصوصا لدى شريحة الشباب. فوفق استطلاعات رأي متواترة تُعد الإمارات منذ عام 2008 الوجهة المفضلة للشباب العربي، ليس فقط باعتبارها دولة توفر الأمن والفرص الاقتصادية، بل أيضا كنموذج حضاري يتسم بالاستقرار، والانفتاح الثقافي، والاعتدال الديني.

وتحوّلت الإمارات في الوعي الجمعي العربي إلى نقطة مرجعية يُقاس بها النجاح، ما يعكس القوة الناعمة المتنامية للدولة في محيطها الإقليمي.

ودوليا، مثّل هذا التحول الإماراتي إعادة تموضع ذكية ضمن خارطة التحالفات الدولية في الحرب على الإرهاب.

وقد عزز هذا التموضع من علاقاتها مع قوى دولية مؤثرة، خصوصا في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر2001، حيث دعمت التحالفات الأمنية، واستثمرت في أدوات الدبلوماسية العامة والتواصل الحضاري، لتقدّم نفسها كدولة ذات رؤية استباقية وشاملة.

ولا تقتصر أدوات الإمارات على المجال التشريعي والديني، بل تمتد بقوة إلى الفضاء الإعلامي والرقمي.

وفي زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مركزية لتجنيد المتطرفين ونشر دعايتهم، طورت الإمارات قدراتها في الدبلوماسية الرقمية، عبر حملات توعوية تستهدف تفكيك السرديات المتطرفة، ومواجهة الدعاية الراديكالية برسائل بديلة عن السلام والتسامح. وقد برز مركز “صواب” في هذا المجال كواحد من النماذج الدولية في مكافحة خطاب الكراهية الإلكتروني.

ومن جهة أخرى، وظفت الإمارات وسائل الإعلام الإقليمية الكبرى في بث محتوى يروّج للاعتدال، ويكشف أساليب الجماعات المتطرفة. كما فرضت رقابة منظمة على الفضاء الإعلامي الداخلي، بما يضمن اتساق الرسائل العامة مع رؤية الدولة للإسلام كقوة ناعمة لا أداة تعبئة سياسية.

ولم تقتصر جهود الإمارات على المسلمين فقط، بل امتدت نحو ترسيخ خطاب عالمي للتعايش بين الأديان، من خلال مبادرات متعددة أبرزها استضافة البابا الراحل فرنسيس في زيارة تاريخية إلى الخليج، وافتتاح “بيت العائلة الإبراهيمية” كرمز معماري وسياسي لفكرة التسامح العابر للأديان.

وقد عزّزت هذه المبادرات صورة الإمارات كدولة رائدة في الدبلوماسية الدينية العالمية، ما زاد من رصيدها الأخلاقي في الخطاب الدولي حول مكافحة التطرف.

ويظل النموذج الإماراتي الأكثر اكتمالا في بيئة شرق أوسطية تفتقر في الغالب إلى رؤية شمولية طويلة الأمد. فبفضل هذا النموذج، باتت الإمارات مرجعا في كيفية التعامل مع التطرف كظاهرة فكرية وأمنية وثقافية في آن واحد.

واليوم، تقود الإمارات تحوّلا إقليميا من منطق الاستجابة الطارئة إلى منطق الإستراتيجية الوقائية، وهي بذلك لا تُعيد فقط تعريف أدوات مكافحة الإرهاب، بل تُعيد أيضا رسم موقع الدولة العربية في عالم باتت فيه المعركة الأساسية مع التطرف معركة وعي، لا معركة سلاح.

ومن خلال ترسيخ هذا النموذج، تضع الإمارات نفسها في موقع الدولة التي لا تتصدى للخطر فحسب، بل تُعيد صياغة شروط الاستقرار في الشرق الأوسط، وفق منطق حديث يتجاوز الانفعالات، ويستند إلى بناء سردية متكاملة للسلام والتعدد.

وفي خلفية هذا التحول الإماراتي في مكافحة التطرف، لا يمكن تجاهل السياق الإقليمي الذي يتسم بضعف الدولة الوطنية في العديد من البلدان العربية، والانقسامات الطائفية والسياسية التي وفّرت بيئات خصبة لتصاعد الحركات المتشددة.

وفي مقابل هذا المشهد، تحركت الإمارات وفق منطق الدول المستقرة التي تمتلك فائضا في الرؤية والإمكانات، ما أتاح لها تقديم مبادرة تتجاوز حدود الجغرافيا السياسية إلى مستوى إعادة تعريف “مفهوم الدولة” ودورها في صناعة الأمن الفكري.

وقد ساعد الموقع الجيوسياسي للإمارات، بين آسيا وأفريقيا، في جعلها حلقة وصل بين التجارب الدولية في مكافحة التطرف، ما سمح لها باستيراد أفضل الممارسات وتكييفها مع خصوصيات السياق العربي. كما أن التجانس الاجتماعي الداخلي، والتطور الاقتصادي السريع، وفّرا بيئة مناسبة لإجراء هندسة اجتماعية دقيقة، تجعل من ضبط الخطاب الديني والثقافي مسألة متاحة وغير تصادمية، خلافا لما هو قائم في دول تعاني من انقسامات أعمق.

ومن الأبعاد المهمة أيضا، إدراك الإمارات المبكر أن أمنها لا يتحقق داخل حدودها فقط، بل في محيطها الأوسع، ما جعلها تستثمر استباقيا في منع انتقال عدوى التطرف من مناطق الأزمات كاليمن وليبيا وسوريا، عبر أدوات ناعمة تجمع بين التأثير الثقافي والدعم التنموي والنفوذ الإعلامي.

وفي لحظة فارقة من التحولات الجيوسياسية التي أعقبت تراجع أدوار عدد من الدول العربية المحورية مثل العراق وسوريا ومصر، برزت الإمارات كلاعب إقليمي جديد وجد في هذا الفراغ فرصة لإعادة تشكيل موقعه في مشهد الاستقرار الإقليمي والأمن الفكري.

ووظّفت أبوظبي مزيجا نادرا من الاستقرار السياسي، والقدرة الاقتصادية، والديناميكية الدبلوماسية لتعيد تعريف دور الدولة الخليجية الصغيرة إلى دولة ذات طموح جيوسياسي واضح، تتحرك وفق رؤية إستراتيجية لا تكتفي بردّ الفعل، بل تسعى إلى التأثير البنيوي في شكل النظام الإقليمي العربي.

وقد تسارعت هذه الرؤية في أعقاب ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، حين اتجهت بعض الحركات السياسية إلى توظيف الدين وسيلة للوصول إلى السلطة، ما فتح الباب أمام تفكك العديد من الدول العربية من الداخل.

وأدركت الإمارات منذ اللحظة الأولى أن معركتها لا تقتصر على حماية نظامها، بل تتجاوز ذلك إلى صياغة خط دفاع إقليمي يحول دون سيطرة الخطاب الأيديولوجي الراديكالي على المجال العام في المنطقة.

ومن هنا جاءت إستراتيجيتها القائمة على فصل الدين عن السلطة، وبناء نموذج حديث يعيد ضبط العلاقة بين الدين والدولة، لا على قاعدة الصدام، بل من خلال إدارة واعية ومؤسساتية للدين كقوة ناعمة تخدم الاستقرار.

وعلى الصعيد الدولي، ساعد هذا التوجه الإماراتي في ملء فراغ متنامٍ في المعادلة الغربية. فالولايات المتحدة وعدد من الحلفاء الغربيين بدأوا منذ سنوات في تقليص تدخلاتهم العسكرية المباشرة بالمنطقة، لكنهم ظلوا في حاجة إلى شريك محلّي يوازن بين القوة والاعتدال.

ولم تكتف الإمارات بتقديم نفسها كقوة أمنية، بل عززت من موقعها كمُنتِج لخطاب ديني حديث، وهو ما منحها ثقة مضاعفة في دوائر صناعة القرار الغربية، ورسّخ صورتها كدولة تُزاوج بين المصالح والهوية، بين الحداثة والحكمة التقليدية.

وفي خلفية هذه التحركات، يظهر وعي إماراتي عميق بأن التطرف لا يولد من فراغ، بل ينمو في بيئات تغيب عنها التنمية، ويهيمن فيها التهميش، ويُفتقد فيها الأمل. لذلك حرصت الإمارات على دمج مقاربة التنمية ضمن رؤيتها للأمن، معتبرة أن التعليم وريادة الأعمال والثقافة ليست فقط أدوات للنهوض الاقتصادي، بل أيضا أسلحة وقائية في المعركة ضد الغلوّ. وهذا الربط بين الاقتصاد والأمن، وبين التنمية والاعتدال، شكّل أحد أعمدة الفلسفة الإماراتية الجديدة.

وفي الوقت ذاته، ومع احتدام الصراع على تفسير الإسلام في المجال العام العالمي، حاولت الإمارات أن تتقدم كمركز لتقديم “الإسلام الحضاري”، وهو نسخة من التدين تُفصل عن السياسة، وتُعيد الاعتبار للقيم الكونية مثل التسامح والتعايش، بعيدا عن نزعة التفوق أو الحصرية العقائدية.

ولم يكن هذا التوجه موجها فقط للداخل العربي، بل أيضا للغرب، الذي ظل يبحث عن خطاب إسلامي بديل يُقنع الرأي العام بأن الإسلام ليس تهديدا، بل هو شريك في بناء السلم المجتمعي.

ولم تكن هذه الرؤية معزولة عن التوازنات الإقليمية. فمع صعود محاور تدعم الإسلام السياسي، خاصة تركيا وقطر، وجدت الإمارات نفسها في موقع المواجهة المباشرة.

وقد ردّت ببناء تحالفات مضادة شملت مصر والسعودية وفرنسا وعددا من الدول الأفريقية، بهدف خلق جبهة فكرية وسياسية تحدّ من تمدد التيارات العابرة للحدود.

ولم تكن هذه المواجهة فقط صراع نفوذ، بل معركة على تعريف الهوية العربية في مرحلة ما بعد الاضطراب، حيث تسعى الإمارات إلى تثبيت نموذجها كخيار ثالث بين السلطوية التقليدية والفوضى الأيديولوجية.

وفي مجمل هذا السياق، تقدم الإمارات اليوم نموذجا فريدا في التعامل مع ظاهرة التطرف، لا بوصفها خطرا أمنيا فقط، بل كأزمة ثقافية وتنموية تتطلب حلولا عابرة للمؤسسات، وتستند إلى سردية وطنية منسجمة، قادرة على الصمود في وجه رياح الأدلجة والعنف.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية