
تتجه السلطات الفرنسية نحو بلورة استراتيجية شاملة لمواجهة ما تصفه بالاختراق الأيديولوجي "الناعم" لجماعة الإخوان داخل المجتمع الفرنسي، في وقت تصاعدت فيه التحذيرات من توغلها داخل الأحياء والمؤسسات تحت غطاء العمل الجمعياتي المشروع.
ويأتي هذا التحرك عقب الاجتماع الأول لمجلس الدفاع الوطني المخصص لملف الإخوان، والذي دعا إليه الرئيس إيمانويل ماكرون الشهر الماضي، على خلفية تقرير استخباراتي كشف توسّع أنشطة الجماعة بوسائل قانونية وشرعية، لكنها تحمل مضامين أيديولوجية تتعارض مع قيم الجمهورية.
وفي هذا السياق، تشدد الرئاسة الفرنسية على ضرورة تقديم "اقتراحات جديدة وعاجلة"، بعد انتقادات من ماكرون وُجهت لوزارات سيادية اعتُبرت مقترحاتها "دون مستوى التحدي". وتنتظر الأوساط السياسية عقد اجتماع ثانٍ لمجلس الدفاع في هذا الشأن، لم يُحدد تاريخه بعد.
الإليزيه عازم على عدم الاكتفاء بالرقابة التقليدية بل يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة داخل المجتمع الفرنسي من خلال مراجعة التشريعات، وتعزيز أدوات الدولة
وتُعد وزارة الداخلية، بقيادة برونو ريتايو، الطرف الأبرز في هذه المواجهة، حيث تتولى مراقبة الجمعيات والشبكات ذات الصلة، بحسب ما أكده محافظ شرطة باريس لوران نونييز الذي أشار إلى عمليات رصد ميداني جارية في عدة أحياء.
وفي تصريحات لموقع "العين الإخبارية"، اعتبر الباحث الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي إيمانويل رزافي أن "التحدي الحقيقي لا يكمن في العنف، بل في استخدام الأدوات القانونية لبناء نفوذ أيديولوجي داخل المجتمع"، داعيًا إلى "مقاربة مزدوجة" تجمع بين التفكيك القانوني لهذه البُنى وتوفير بدائل فكرية واجتماعية.
ومع احتدام الجدل داخل الأوساط الحزبية، خصوصًا من قبل نواب اليمين الداعين إلى إبقاء وزارة الداخلية في موقع القيادة، تبرز ملامح ما يسميه مراقبون بـ"عقيدة أمنية جديدة" في التعامل مع الإسلام السياسي، قائمة على الحزم المؤسسي دون المساس بالإطار الديمقراطي.
ويبدو أن الإليزيه عازم على عدم الاكتفاء بالرقابة التقليدية، بل يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة داخل المجتمع الفرنسي، من خلال مراجعة التشريعات، وتعزيز أدوات الدولة في مواجهة الأيديولوجيات التي تهدد وحدة الجمهورية، حتى وإن اتخذت أشكالًا قانونية ومُقنّعة.