الإعدام بحق قتلة محمد البراهمي إذ يؤسس لمسار العدالة في تونس

الإعدام بحق قتلة محمد البراهمي إذ يؤسس لمسار العدالة في تونس

الإعدام بحق قتلة محمد البراهمي إذ يؤسس لمسار العدالة في تونس


06/03/2025

تمثل عملية اغتيال القياديين اليساريين محمد البراهمي وشكري بلعيد، والمتهم فيها حركة النهضة (إخوان تونس)، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، تمثل الخط البياني لجماعات الإسلام الذي يصعد باتجاه العنف والتصفية الجسدية جنباً إلى جنب مع حملات التشهير والابتزاز والوصم بهدف النبذ والإقصاء من المجال العام، السياسي والاجتماعي. لكنّها، في المقابل، كشفت عن وجود ما عُرف بـ "الجناح السرّي" أو "التنظيم الخاص"، المعني بالانخراط في الأعمال المصنفة، سواء ضد الأفراد أو المؤسسات، التي تصنفها الجماعة الإرهابية معادية أو ضمن خصومها السياسيين. 

ويُعدّ التنظيم الخاص ذراعاً مسلحة وعسكرية لجماعة الإخوان، ويُشكل جزءاً رئيسياً من تكوينها الحركي والسياسي والإيديولوجي. ومثلما يظهر ويختفي التنظيم في لحظات متفاوتة، فيتم التعتيم على جرائمه والتبرؤ منها، أحياناً، أو تأويل دوره الوظيفي، أحياناً أخرى، فإنّ حادثاً مثل اغتيال البراهمي وبلعيد، يكشف عن النزوع ذاته للجماعة التي تمعن في إعادة بناء سردياتها بما يعفيها من الخطأ والنقد والمساءلة، أو بالأحرى المحاكمة، وتضع اتهام الاغتيال في حوزة حليف إسلاموي آخر لها، وهي حيلة ليست جديدة إنّما تحقق نتائجها العملية، في تنقية جداريتها من بقعة الدم. لكنّ الثابت، والحال كذلك، أنّ ثمة مسؤولية تقع على حركة (النهضة) التي وفرت البيئة الكاملة التي احتمت بها تيارات متشددة وجهادية، تورطت في أعمال عنف جمّة، وفي تسفير المقاتلين إلى بؤر التوتر في ليبيا وسوريا.

الإعدام بحق القتلة 

البراهمي تعرض لإصابات بالغة جراء طلقات الرصاص، "حوالي (14) طلقة نارية بحسب التحقيقات"، التي استهدفت أجزاء محددة من جسده، في 25 تموز (يوليو) عام 2013، فقد تعرض الجزء العلوي من جسده لـ (6) طلقات، وأصابت قدمه اليسرى (8) طلقات أخرى، ونجح منفذا الحادث بالهرب بدراجة نارية ومعهما مسدس عيار (9) ملم. 

المنسق العام لحزب التيار الشعبي الراحل: محمد البراهمي

إذاً، وصل القضاء التونسي، نهاية الشهر الماضي، إلى حكم بالإعدام على (8) مدانين في قضية اغتيال محمد البراهمي، في حين قضت المحكمة بسجن آخر (5) أعوام. وتشير مصادر قضائية إلى أنّ الدائرة الجنائية الخامسة في المحكمة الابتدائية المعنية في قضايا الإرهاب "قضت بإعدام (8) مدانين في قضية اغتيال محمد البراهمي، إلى جانب أحكام أخرى بالسجن بحقهم، وعاقبت مداناً آخر يُحاكم غيابياً بالسجن (5) أعوام".

والمتهمون الـ (8) يُحاكمون حضورياً، والأحكام الصادرة بحقهم قابلة للطعن. وقال أيمن شطيبة، المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب: إنّ هذه الأحكام هي الأولى في قضية اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي، الذي اغتيل أمام منزله يوم 25 تموز (يوليو) 2013، وتم تأجيل قضيته في عدة مناسبات. وأكد أنّ دائرة الاتهام أحالت في هذه القضية (9) متهمين، (8) منهم موقوفون وواحد بحالة فرار، وتم الحكم على الموقوفين الـ (8) بعقوبة الإعدام من أجل "جريمة الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على قتل بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل بالتراب التونسي".

وتابع، وفق مصادر صحفية: إضافة إلى (3) من المتهمين الـ (8)، تم الحكم عليهم بعقوبة الإعدام أيضاً من أجل "جريمة المشاركة في قتل نفس بشرية عمداً مع سابقية القصد".

ونسبت الدائرة القضائية في حكمها جناية إلى كلّ واحد من المتهمين الـ (8)، وفق موقع (العين الإخبارية)، وتم الحكم عليهم بأحكام سجنية تراوحت بين السجن بقية العمر والسجن لمدة معينة تراوحت بين (10 و35) عاماً؛ وتم الحكم على (3) من الموقوفين بالسجن بقية العمر من أجل ارتكابهم جريمة "محاولة قتل نفس بشرية عمداً". ومن بين المتهمين أحمد المالكي، ولقبه "الصومالي"، ومحمد العوادي، وعز الدين عبد اللاوي، وقد رفضوا الإدلاء بأقوالهم، وتم استنطاق متهمين آخرين في جلسات سابقة، بينهم عبد الرؤوف الطالبي "طبيب ينتمي لأنصار الشريعة"، ورياض الورتاني "عامل بأحد المطارات"، وعامر البلعزي "الذي أخفى مسدسي الاغتيال"، وصابر المشرقي.

وصل القضاء التونسي، نهاية الشهر الماضي، إلى حكم بالإعدام على (8) مدانين في قضية اغتيال محمد البراهمي

كما يشمل الملف عدداً من المتهمين الأساسيين الذين ينتمون لتنظيم أنصار الشريعة المحظور، من بينهم رياض الورتاني، وعز الدين عبد اللاوي، وعبد الرؤوف الطالبي، وكريم الكلاعي، ومحمد العوادي، ولقبه "الطويل"، وأحمد المالكي "الصومالي"، وعامر البلعزي، إضافة إلى محمد العوادي الذي قاد الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة المحظور. وقد أُحيل القيادي بحركة النهضة مصطفى خذر بحالة فرار، حيث وجهت له هيئة الدفاع اتهامات بقيادة الجناح السري لحركة (النهضة)، والذي اعتبرته مسؤولاً عن الاغتيالات السياسية.

كواليس المسار القضائي

في حديثه لـ (حفريات)، يوضح الباحث المختص في شؤون الإسلام السياسي، الدكتور سامح مهدي، أنّ المسار القضائي الذي تذهب فيه تونس، وانتهى إلى هذا الحكم، إنّما يؤكد على وجود مؤسسة ضمن نطاق دولة تتعافى من تلك "العشرية السوداء"، موضحاً أنّ "المرحلة التي حكم فيها إخوان تونس كانت تهدف إلى محو جرائمها وإتلاف الأدلة والوثائق التي تسمح بمعاقبتهم على جرائمهم، وهي ليست جرائم بحق أفراد إنّما ترقى إلى تهديد الأمن القومي، سواء على مستوى تسييس مؤسسات القانون والعدالة، أو حتى تسهيل أنشطة إرهابية محلياً وخارجياً لحساب رصيدهم السياسي والتمكين في الداخل، وردع المعارضة وتخويف المجتمع الدولي من وجود جرعة عنف، وأنّ البديل سيكون جهادياً مسلحاً".

وبحسب مهدي، فإنّ تونس عانت من تعثر المسار الانتقالي الديمقراطي، الذي خفض مستويات التفاؤل بسبب "العشرية السوداء" لحكم الإسلامويين، غير أنّ هذا المسار ما تزال له انعكاسات تجعل "الوضع السياسي هشّاً في ظل محددات خطر تتفاقم، أمنية وجيوسياسية، على مستوى تونس وفي المجال الإقليمي". ويردف: "الجماعات الإسلاموية والجهادية منها، تسعى عبر تكتيك الكمون إيجاد لحظات الانبعاث لتضاعف من أنشطتها المسلحة، وإحداث المزيد من الاضطرابات، وهذا ما تعاني منه دول المنطقة منذ ما بعد الربيع العربي".

المؤكد، وفق الباحث المصري سامح مهدي، أنّ طريق العدالة في تونس، سواء كانت العدالة السياسية أو الجنائية، ليس سهلاً، لأنّ المكونات السياسية تعاني من الاستقطاب فضلاً عن أزمة الثقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية