اغتيال محمد البراهمي بين أحكام القضاء ومسار كشف الحقيقة المؤجل

اغتيال محمد البراهمي بين أحكام القضاء ومسار كشف الحقيقة المؤجل

اغتيال محمد البراهمي بين أحكام القضاء ومسار كشف الحقيقة المؤجل


27/02/2025

رغم الارتياح الذي سجله الشارع التونسي بعد إصدار أحكام قضائية في حق المتهمين في قضية اغتيال السياسي التونسي المعارض محمد البراهمي، بعد 12 عاما من التأخير، غير أن بعض الأصوات رفعت مطالبها بضرورة استكمال المسار القضائي لمحاسبة كل من تورط في القضية من تخطيط ورصد، وليس فقط من نفذ الاغتيال.

وترى أطراف سياسية وحقوقية، بينهم هيئة الدفاع عن الشهيد، أن الإخوان ممثلون في حركة النهضة مورطة في عملية الاغتيال، بالنظر إلى تجاهلها التهديدات الواردة، فضلا عن تحملها مسؤولية إدارة الحكم في تلك الفترة.

وقد قضت محكمة تونسية مساء الثلاثاء بإعدام ثمانية متهمين باغتيال المعارض والنائب السابق محمد البراهمي في العام 2013، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء التونسية "وات".

وحوكم المتّهمون بـ"جريمة الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على قتل بعضهم البعض بالسلاح واثارة الهرج والقتل بالتراب التونسي"، وقد تمّ تضعيف عقوبة الإعدام بحق ثلاثة من المتهمين "بجريمة المشاركة في قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد"، بينما صدر حكم غيابي بحق متهم تاسع فار بالسجن خمس سنوات، وفق ما أفاد المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب (تابع للمحكمة الابتدائية في تونس) في تصريح لـ"وات".

المنسق العام لحزب التيار الشعبي التونسي الراحل: محمد البراهمي

وقال المساعد الأول لوكيل الجمهورية لوكالة الأنباء التونسية "إن الدائرة قضت في حق المتهم التاسع الفار، بالسجن لمدة 5 أعوام مع الإذن بالنفاذ العاجل من أجل جنحة الامتناع عن إشعار السلطات فورا بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليه من معلومات وإرشادات حول ارتكاب جرائم إرهابية، كما تم الحكم بإخضاعه للمراقبة الإدارية لنفس المدة المحكوم بها".

ويُصدر القضاء التونسي أحكاما بالإعدام ولا سيّما بحق المدانين بتنفيذ هجمات "إرهابية"، لكن تونس أوقفت تنفيذ هذه الأحكام منذ العام 1991.

محاسبة الإخوان

واعتبر زهير حمدي الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" في تونس  أن الأحكام الصادرة بحق مجموعة التنفيذ تعتبر خطوة ايجابية في مسار كشف الحقيقة.

وقال حمدي، في تصريح لموقع "العين الإخبارية"، إنه "تمت محاكمة الجهاز التنفيذي والمتكون أغلبه من عناصر مرتبطة بتنظيم أنصار الشريعة (المحظور) مع حلقة الوصل القيادي بحركة النهضة مصطفى خذر (فر خارج البلاد منذ سنة 2021)".

وأشار إلى أن "حزب التيار الشعبي (الذي ينتمي له البراهمي) وهيئة الدفاع سيستمران في متابعة مسار كشف الحقيقة من خلال مواصلة محاكمة القيادات الأمنية التي تمثل جزءا من ملف  محمد البراهمي والتي مازالت في طور التحقيق".

كما لفت إلى أن ما تقدم سيجري أيضا "من خلال وجود ملف تحقيقي آخر يثبت إشراف قيادات من حركة النهضة على إدارة عملية اغتيال البراهمي مع ضمان وتأمين فرار المنفذين".

وبحسب حمدي، فإن "عملية اغتيال البراهمي هي جريمة دولة ارتكبت بعناصر من أجهزة الدولة بإشراف طرف سياسي (النهضة) مستهدفة طرفا سياسيا آخر باستعمال وسائل الدولة".

وجهت هيئة الدفاع عن البراهمي الاتهام إلى "الجهاز السري" للإخوان وعلى رأسه راشد الغنوشي زعيم إخوان تونس

وأعرب عن إصراره على "ملاحقة كل من تورط في دم محمد البراهمي تنفيذا وتدبيرا وتحريضا وتمويلا لكشف الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب".

تفاصيل القضية

 في 25 يوليو/ تموز 2013، استُهدف البراهمي، المنسق العام لحزب التيار الشعبي، بـ14 طلقة نارية أمام منزله بضواحي العاصمة، 6 منها اخترقت الجانب العلوي من جسده، و8 طلقات رجله اليسرى، في حادثة مروعة جرت على مرأى ومسمع من زوجته وأبنائه.

وكان مطلقا النار يستقلان دراجة نارية واستعملا مسدسًا من عيار 9 ملم، وقد كشفت التحقيقات إثر ذلك أنهما إرهابيان من تنظيم يسمى "أنصار الشريعة" المحظور.

وسبق أن وجهت هيئة الدفاع عن البراهمي الاتهام إلى "الجهاز السري" للإخوان، وعلى رأسه راشد الغنوشي زعيم إخوان تونس، معتبرة أن الأخير، إلى جانب وزير الداخلية ورئيس الحكومة الإخواني الأسبق علي العريض، هما من أصدرا الأمر بتنفيذ عملية الاغتيال.

وقد اغتيل السياسي اليساري شكري بلعيد بالرصاص أمام مقر سكنه في شباط/فبراير 2013، وتسبب الاغتيالان في أزمة سياسية كبرى في خضم عملية انتقال ديمقراطي كانت البلاد تشهدها. وانتهت الأزمة بخروج حركة "النهضة" من الحكم وتشكيل حكومة تكنوقراط أمنت وصول تونس إلى انتخابات في 2014.

وكانت البلاد في تلك الفترة تمر بوضع أمني هش مع تواتر عمليات مسلحة تقوم بها تنظيمات تتخذ من منطقة جبال الشعانبي الحدودية مع الجزائر (غرب) مقراً لها. واستهدفت هجمات تلك التنظيمات بالدرجة الأولى أمنيين وعسكريين.

وخرجت تونس في 2014 من أزمة سياسية حادة بين الأحزاب والسلطة بفضل حوار سياسي قادته آنذاك أربع منظمات تقدمها "الاتحاد العام التونسي للشغل" (النقابة العمالية المركزية).

والبراهمي كان نائباً عن محافظة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة "الثورة" في عام 2011.

السياسي اليساري التونسي الراحل: شكري بلعيد

وفي شباط / فبراير 2023، أعلنت وزارة العدل تشكيل لجنة خاصة مكلفة "متابعة ملف الاغتيال" والتدقيق في التحقيقات والملاحقات التي باشرتها الشرطة والقضاء في شأن الاغتيالين.

الإخوان عطلوا مسار العدالة

وكان كثير بوعلاق، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد والسياسي محمد البراهمي، قد أكد أنه جرى تقديم شكوى بحق جميع القضاة الذين تسلموا ملف الجهاز السري لـ"حركة النهضة"؛ "لأنهم تورطوا في حجب الحقيقة والتدخل في القضاء"، مبرزاً أن الهيئة تقدمت بشكوى قضائية في حق 26 شخصاً على علاقة بعمليات الاغتيال السياسي التي شهدتها تونس.

وأضاف بوعلاق أن "الأخطبوط الذي يتحكم في القضاء، والذي تتحكم فيه (حركة النهضة)، هو من كان يقف وراء تكليف أحد القضاة بمحكمة أريانة ملف الاغتيال السياسي، وهو من عطل الملف»؛ على حد قوله.

وكان بوعلاق قد صرح سابقاً بأن وزيرة العدل، ليلى جفال، قررت فتح بحث ضد وكيل الدولة العام لمحكمة الاستئناف، بعد رفضه فتح تحقيق قضائي حول "الجهاز السري" لـ"حركة النهضة".

في السياق ذاته، أعلنت هيئة الدفاع أنه قُدمت شكوى ضد كل القضاة الذين لم يتخذوا أي إجراء في قضية "الجهاز السري" و"الغرفة السوداء" لـ"حركة النهضة"، وحرمان هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي من حقهم في الولوج إلى القضاء، والكشف عن الحقيقة.

وتتهم أطراف سياسية يسارية عدة الغنوشي بتلقي أموال كثيرة من الخارج، مؤكدين أنها كانت تصل إليه عبر "مطار تونس – قرطاج"، موضحة أن "هذه الأموال استعملت لتمويل عمليات تسفير الشباب التونسي للالتحاق بمعسكرات (داعش) في ليبيا وسوريا". 

كما أكدت الهيئة وجود "جهاز سري مالي" ضخم جداً يتعلق بالغنوشي، إضافة إلى اتهامه بـ"التخابر مع جهات خارجية وخيانة الوطن"، مبرزة أنها قدمت شكوى أمام المحكمة العسكرية الدائمة لتونس ضد الغنوشي منذ شهر، وذلك على خلفية اتهامه بـ"وضع النفس على ذمة دولة أجنبية، والتجسس على تونس والاعتداء على أمنها الداخلي".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية