الإسلام السياسي وظاهرة الإيمان الشكلي

الإسلام السياسي وظاهرة الإيمان الشكلي

الإسلام السياسي وظاهرة الإيمان الشكلي


15/02/2024

أدهم إبراهيم

بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وبدعم  من بعض الأنظمة الإقليمية، تم الترويج للدين السياسي بشكله الحالي من خلال تنشيط ومؤازرة أحزاب وجماعات طائفية ومتطرفة، ليس في العراق فقط بل في المنطقة العربية كلها، وجاء تسييس الدين في سياق سلبي لتنفيذ مآرب وأطماع سياسية داخلية وخارجية. وقد تسبب ذلك في تمزيق نسيج المجتمعات العربية وتفتيت وحدتها بالتأكيد على النعرات الطائفية والمذهبية وبالتالي تخريب البلدان لتسهيل السيطرة عليها، ونهب ثرواتها وتنفيذ مخططات استعمارية بوجه جديد من خلال وكلاء محليين محميين بشعارات ومقدسات زائفة.

وقد حقق الإسلام السياسي طموحات المهووسين والطامعين بالسلطة والثروة على حساب جموع الشعوب المظلومة والمضطهدة، فتم تشويه الإسلام كدين هداية ورحمة، وقدم بوجه طائفي أو جهوي متطرف هدفه القفز على السلطة، ووسيلته القتل والتغييب وإرهاب معارضيه.

ولضمان استمراره في الهيمنة ونهب الثروات، عمل الإسلام السياسي على إخضاع الجمهور لمنظومات غوغائية تركز على الشكليات والطقوس الدينية كبديل عن روح الدين وجوهره، واستطاع تحشيد قطاعات واسعة تؤمن بالخزعبلات والخرافات من خلال الفتاوى المشبوهة والمنابر والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.

ومن هنا برزت ظاهرة شيوع الإيمان الشكلي في أغلب الدول العربية والإسلامية.

إن التركيز على الشكليات والمبالغة بالطقوس الكثيرة على حساب الجوهر، قد غيب عقول كثير من الناس وأبعدهم عن مصالحهم وجردهم من هويتهم الوطنية وكرامتهم. فأصبح شيوع الإيمان الشكلي عند العرب والمسلمين المعاصرين ظاهرة مقلقة، ويعد من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في العصر الحديث. حيث يزداد عدد المسلمين الذين يمارسون شعائر الدين دون وعي حقيقي بجوهرها أو إيمان راسخ بمعناها.

يعرّف الإيمان الشكلي بكونه إيمانًا سطحيًا لا يتجاوز حدود المظاهر الخارجية، مثل أداء العبادات والشعائر والطقوس دون فهم عميق لمعانيها أو شعور روحي حقيقي. ويُظهر صاحب هذا الإيمان التزامًا شكليًا وظاهريا بالدين دون أن يتغلغل في حياته اليومية أو يؤثر على سلوكه وممارساته داخل محيطه الأسري والمهني والاجتماعي.

يعكس انتشار الإيمان الشكلي نطاقًا واسعًا من التعامل مع الخرافات والطقوس الدينية والمناسبات الاستعراضية المتزايدة. حتى شكّل الالتزام بها عند البعض حجر الزاوية في هويتهم وحياتهم إلى درجة التعصب والغلو. وغالبًا ما يعطي هؤلاء الأفراد الأولوية للطقوس والشعائر التي يعتبرونها جزءا من الدين، وما هي منه.

ومن الأسباب التي ساعدت على الالتزام بهذه الممارسات الشكلية على حساب جوهر الدين، كثرة الفتن والتحديات، مثل الحروب والفقر والفساد، ما يُؤدّي إلى شعور بعض المسلمين باليأس والابتعاد عن الدين الحقيقي.

وكذلك  انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نشر أفكار خاطئة عن الإسلام، ما يُؤثّر على إيمان بعض المسلمين ويجعلهم أكثر عرضة للإيمان الشكلي. إضافة إلى غياب القدوة الحسنة، حيث لا يرى الكثير من المسلمين نماذج حية تجسد قيم الإسلام الحقيقية، وخصوصا من النخب السياسية أو الشخصيات الفاعلة في المجتمع المدني.

وعلى العكس من ذلك، تتبنى شريحة مثقفة من المسلمين نهجًا أكثر مرونة في ممارسة الشعائر الدينية، ودمج عناصر التقاليد مع النظرة الشخصية والقيم المعاصرة. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص بين الأجيال الشابة التي نشأت في مجتمعات مفتوحة، حيث يمنحون الأولوية للسلوك الأخلاقي والعدالة الاجتماعية والروحانية الشخصية على الالتزام الصارم بالطقوس والممارسات الدينية.

إن إلهاء الناس المساكين والمغفلين والجهلة بممارسة خرافات وطقوس ما أنزل الله بها من سلطان، يهدف إلى صرف الأنظار عن الاهتمام بالقضايا الأساسية لهم، كالمطالبة بحقوقهم المشروعة وبالمساواة والعدالة وحرية التعبير وإبداء الرأي في القضايا العامة، وإبعادهم عن إدراك حجم السلب والنهب المنظم، والتسلط الظالم.

إن التدين الشكلي والمظهري يسبب ازدواجية الشخصية، ويشكل خطرا داهما للمجتمعات، كما يعتبر حاضنة للعنف، ويتسبب في مشاكل نفسية متعددة، إضافة إلى الانحلال الأخلاقي. كما أنه يتنافى مع السلوك الإنساني السليم والمصالحة مع النفس، ويؤدي إلى التطرف والمغالاة، بعيدا عن روح التسامح وتقبل الغير، ويدفع الى العنف الفكري والسلوكي الذي يعد من أهم أسباب خراب المجتمعات والدول.

وأخيرا، فإن ظاهرة الإيمان الشكلي تُعد خطيرة ويجب معالجتها بشكلٍ جذري، من خلال تعزيز التربية الدينية السليمة، ونشر الوعي بقيم الإسلام الحقيقية وتوفير القدوة الحسنة بعيدا عن الخزعبلات والتزييف.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية