شكّل المسلمون وفقاً لتقديرات العام 2011، نحو 7.8 ٪ من سكان بلغاريا، وبعد 6 أعوام فقط، تضاعفت النسبة إلى 15٪؛ ليصبح الإسلام هو الديانة الثانية في البلاد بعد المسيحيّة، وينحدر المسلمون هناك من نسل الأتراك والغجر والبلغار، ويشكل الأتراك أكبر أقلية إثنية في البلاد، بنسبة 9 ٪ من إجمالي عدد سكان بلغاريا.
وحتى وقت قريب، كان الطابع العلماني هو الغالب على حياة المسلمين البلغار، فبحسب دراسة استقصائيّة شملت 850 مسلماً، أجرتها الباحثة إيفجينيا إيفانوفا، في العام 2011، اعتقد 0.5٪ فقط من أفراد العينة، أنّ الشريعة يجب أن تسبق القانون جزئياً، و 79.6٪ قالوا إنّ ارتداء الحجاب في المدرسة غير مقبول، كما وجدت الدراسة أنّ ما يقرب من 41٪ من أفراد العينة لم يذهبوا إلى مسجد مطلقاً، ونحو 59.3٪ لا يصلون في المنزل.
تزامن صعود الإسلاموية في العالم العربي، بعد أحداث "الربيع"، مع صعود موجة تديّن قوية غيّرت إلى حد كبير من طبيعة الإسلام البلغاري، حيث شقت الأيديولوجيات المتطرفة طريقها إلى داخل المجتمعات المسلمة، بفعل الجمعيات الإسلاميّة غير الرسميّة، التي دعمتها تركيا وقطر، مع انتشار المراكز الثقافيّة والدينيّة، بالإضافة إلى استغلال ضعف المعرفة الدينية لدى بعض شرائح المجتمع المسلم، ما ساعد على تمهيد الطريق لتلقين الأفكار المتطرفة، باعتبارها الإسلام الحقيقي.
ويمكن معرفة مقدار التحول الذي جرى في أنماط التديّن، باستعراض ما أظهره استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، في العام 2017، حيث صرح 33٪ من المسلمين البلغار، أنّ الدين مهم جداً في حياتهم، وأصبح 7٪ من المسلمين البلغار يُصلّون الصلوات الخمس بانتظام، وحضر 22٪ إلى المسجد مرة واحدة، على الأقل، في الأسبوع، كما يحرص 6٪ منهم على قراءة القرآن مرة واحدة، على الأقل، في الأسبوع.
وعلى الرغم من عدم وجود أيّ مشكلة في ممارسة الدين وطقوسه، لكنّ هذا التحول في أنماط التدين، ظهر بوضوح في ظل أنشطة الجماعات المتطرفة، التي اخترقت الأقلية المسلمة في بلغاريا، وحوّلت الدين إلى أيديولوجيا متطرفة، فرضت العزلة على المسلمين، وسعت إلى نشر خطاب العنف والكراهية.
أسباب التطرف وتداعياته في بلغاريا
بحسب دراسة منشورة باللغة الإنجليزية لمؤسسة European Eye on Radicalization) ) حدّد الخبراء 4 أسباب خارجية رئيسية أدّت إلى نمو ظاهرة التطرف في بلغاريا، أولاً: أنشطة المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، ثانياً: عبور المقاتلين الإرهابيين الأجانب، العائدين عبر الأراضي البلغارية، من سوريا والعراق، ثالثاً: زيادة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، رابعاً: التأثير الذي قد تمارسه القوى الخارجية على المسلمين البلغار، من خلال عمليات التمويل؛ التي تهدف إلى نشر أيديولوجيا الإسلام السياسي.
تزامن صعود الإسلاموية في العالم العربي، بعد أحداث "الربيع"، مع صعود موجة تديّن قوية غيّرت إلى حد كبير من طبيعة الإسلام البلغاري، حيث شقت الأيديولوجيات المتطرفة طريقها إلى داخل المجتمعات المسلمة
جدير بالذكر أنّ العلاقة بين الدين الإسلامي والدولة في بلغاريا ينظمها قانون الطوائف، والذي بموجبه يحق للهيئات الدينية الإسلاميّة، الحصول على إعانات من الميزانية العامة (المادة 28)، مع استقلال هذه الهيئات عن الدولة، والهيئات الرئيسيّة للطائفة الإسلاميّة في بلغاريا هي رئيس الإفتاء، والمجلس الإسلامي الأعلى.
ونظراً لأنّ التمويل الحكومي غير قادر على تغطية جميع احتياجات المجتمع الإسلامي، فإنّ المنظمات الإسلاميّة تتقبل بشكل ملحوظ التمويل الأجنبي، الذي يأتي إمّا من خلال الاتفاقيات الثنائية، بشكل رئيسي من تركيا وإيران، أو من خلال التبرعات من الدول الإسلاميّة الأخرى.
مطرقة الإخوان
يمكن القول إنّ الاعتماد الشديد على المساعدات الخارجية، أضعف استقلالية المجتمعات المسلمة في بلغاريا، وجعلها أكثر عرضة للضغط الأيديولوجي من القوى الخارجية، ومع استقلال الهيئات الدينية عن الدولة، أصبحت الأولى بعيدة عن كل أشكال الرقابة، ما فتح الطريق أمام محاولات الاختراق والاستقطاب.
الاعتماد الشديد على المساعدات الخارجية، أضعف استقلالية المجتمعات المسلمة في بلغاريا، وجعلها أكثر عرضة للضغط الأيديولوجي من القوى الخارجية
في العام 1994، صدر قرار بحظر نشاط جمعية الوقف الإسلامي الإخوانيّة، لتورطها في نشر الإسلام الراديكالي، ولكن بجهود إخوانية سُمح لها بإعادة التسجيل في البلاد عام 2002، وتتلقى الجمعية دعماً مالياً من منظمة هولندية مسجلة بالاسم نفسه، وتتبع جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى منظمة "إرشاد" غير الحكومية المحظورة، ومنظمة أخرى غير حكومية وغير مسجلة تسمى "المنار".
وتُعد منظمة الوقف الإسلامي أحد أبرز الأذرع الإخوانية في بلغاريا، وتنشط عدة أفرع لها، بعضها غير مسجل، في مجتمعات الغجر الرومن، الأكثر فقراً، حيث تعمل على نشر الإسلام بينهم، بالتوازي مع تقديم المساعدات الاقتصاديّة، وينافس الإخوان على استقطاب طائفة الرومن بعض الجماعات السلفية.
ومع اتساع الحقل التداولي لأفكار تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ظهرت عدة تشكيلات دينية متطرفة، من ضمنها جماعة الخلافة الإسلاميّة المحظورة، في حي روما إزتوك، ببلدة بازارجيك، وفي تشرين الأول (أكتوبر) العام 2014، ظهر مقطع فيديو على صفحة الفيسبوك الخاصّة بكبير الدعاة المسلمين في بازارجيك، أحمد موسى، وفيه ظهر أشخاص في حفل زفاف، يرتدون قمصاناً عليها شعار "داعش"، وهم يلتقطون الصور، وكشف تحقيق لاحق عن وجود مقاطع أخرى تبشر بأيديولوجيا "داعش" وتمجدها، وتدعو إلى إقامة الخلافة الإسلاميّة.
ينقسم المجتمع المسلم في بلغاريا إلى سنّة وشيعة، وعليه فقد وجدت إيران مجالاً حيوياً لها في بلغاريا، وسعت إلى فرض نفوذها من خلال محاولة تطويق الشيعة والهيمنة عليهم هناك
وفي واقعة أخرى، نُشرت صورة على الملف الشخصي على "فيسبوك"، للداعية الإسلامي رمزي حسن، في بلدة هارمانلي، وهو يرتدي علم "داعش"، وفي العام 2014، أدان القضاء البلغاري 12 رجلاً بلغارياً، وامرأة واحدة؛ لنشرهم التطرف الإسلامي بين مجتمعات الغجر.
سندان إيران
لا يتألف المجتمع المسلم في بلغاريا من كتلة مذهبية واحدة، وإنّما ينقسم إلى سنّة وشيعة، وعليه فقد وجدت إيران مجالاً حيوياً لها في بلغاريا، وسعت إلى فرض نفوذها من خلال محاولة تطويق الشيعة والهيمنة عليهم هناك، وعلى الأرجح، كان نفوذ إيران وراء الهجوم الانتحاري الذي استهدف حافلة في مطار سارافوفو في بورغاس، في 18 تمّوز (يوليو) 2012، ونتج عنه مقتل 6 أشخاص، 5 إسرائيليين وسائق حافلة بلغاري، وأصيب أكثر من 30 آخرين، واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، ليبرمان، ميليشيا حزب الله بالوقوف وراء الانفجار، وكشف تحقيق استمر 6 أشهر، عن صلة حزب الله بالتفجير، حيث كشف وزير الداخلية، تسفيتان تسفيتانوف، عن نتائج التحقيق الذي استمر ستة أشهر في صوفيا، وقال إنّ اثنين من المشتبه بهم يحملان جوازات سفر أسترالية وكندية، مرتبطان مباشرة بحزب الله اللبناني، وأيّد مدير وكالة تطبيق القانون الأوروبية في لاهاي (اليوروبول) استنتاجات البلغار بتورط حزب الله.