الإخوان في قفص الاتهام: حرب تسريبات لإقصاء الرئيس التونسي

الإخوان في قفص الاتهام: حرب تسريبات لإقصاء الرئيس التونسي


19/04/2021

عاشت الساحة السياسية في تونس، مؤخراً، على وقع ما وصفها مراقبون بـ "حرب تسريبات"، نشرها النائب المستقيل من ائتلاف الكرامة اليميني وحليف حركة النّهضة الإسلامية، تضمنت كشفاً لخفايا وأسرار تتعلق باستعمال القضاء لضرب الخصوم السياسيين، وتدخّلاً أجنبياً في قرارات القصر الرئاسي، ما دفع عدداً من نواب البرلمان إلى التراشق بتهم، طالت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان).

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مواجهات أمنية بمصر وتضييق الخناق في تركيا وتصعيد في تونس

ورجّح مراقبون أن تكون هذه التسريبات مجرّد معركة جديدة أطلقتها حركة النّهضة، عبر حلفائها، في إطار نقل موقع المعركة من البرلمان إلى القصر الرئاسي، حيث توجد عريضة سحب الثقة من زعيمها راشد الغنوشي، الذي يرأس مجلس نواب الشعب، والتي شارفت على 109 أصوات، إلى مقر الرئاسة، في محاولة لفكّ الحصار عن أنفسهم.

وطالب نشطاء المجتمع المدني وحقوقيون في تونس بمحاربة ظاهرة التسريبات بالقانون، خصوصاً أنّ حدّتها ترتفع كلّما اشتدّ الخناق على حركة النّهضة، وأنّها طالت عدّة شخصيات وطنية وأخرى سياسية.

تسريبات خطيرة

حرب التسريبات هذه بدأت بنشر تسجيلات صوتية، عبر صفحة حديثة على موقع فيسبوك تحمل اسم "الغرف المظلمة"، نُسبت للمحامية اليسارية، مايا القصوري، التي توصف في الأوساط السياسية بالخصم العنيد للإسلاميين، تتضمّن اتهامات للرئيس قيس سعيّد، ومديرة ديوانه بالقصر نادية عكاشة، بالخضوع لإملاءات أجنبية ولوبي داخلي نافذ، وعلاقته بتعيين رؤساء الحكومات.

من جانبها، اكتفت عكاشة بالتعليق على الاتهامات التي طالتها في التسريبات بالقول في تدوينة على موقع فيسبوك "أعلم مَن وراء هذه الحملات المغرضة والقذرة، ولست معنية بكل هذه التفاهات العقيمة لا من بعيد ولا من قريب".

التسريبات الصوتية جاءت ضمن حملة استهداف جديدة يديرها الإسلاميون في تونس ضد قيس سعيّد وفريق عمله، وعلى رأسهم مديرة ديوانه نادية عكاشة

وكان راشد الخياري قد نشر سلسلة من التسريبات، سابقاً، لرئيس الكتلة الديمقراطية والقيادي في حزب التيار الديمقراطي، محمد عمار، يتحدّث فيها للنائب عن ائتلاف الكرامة وزميله، الخياري، الذي تولى التسجيل خلسةً، حيث يتحدث عمار في التسريبات عن تدخل مؤسس الحزب ووزير مكافحة الفساد السابق، محمد عبو، في القضاء، مشيراً إلى أنّ عبو هو من يقف وراء محاسبة القاضيَين؛ الطيب راشد والبشير العكرمي، كما تحدّث عن تدخّل الرئيس قيس سعيّد في القضاء، عبر زوجته القاضية إشراف شبيل.

وتضمّن التسجيل المنسوب لمحمد عمار حديثاً حول ما أسماه "تفتيت" رئاسة الجمهورية لأركان المؤسسة القضائية عبر ممارسة "الابتزاز" ضد كتلة حزب "قلب تونس" للتصويت على سحب الثقة من زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، مقابل إطلاق سراح رئيس "قلب تونس" نبيل القروي.

 النائب عن حزب تحيا تونس مصطفى بن أحمد

من جانب آخر؛ رأى سياسيون أنّ ما يحدث هو "تلويث" للساحة السياسية التي تشهد تجاذبات كبيرة بين معسكر محسوب على رئاسة الحكومة وحركة النهضة، وآخر محسوب على رئاسة الجمهورية، وهو ما يدعمه النائب عن حزب تحيا تونس، مصطفى بن أحمد، الذي رأى أنّ هذه التسريبات ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في زيادة التوتر وانحدار مستوى الخطاب.

وقال بن أحمد لـ "حفريات"؛ إنّ معركة التسريبات شاملة، ضمّت كلّ الأطراف السياسية، المنقسمة إلى اصطفاف أوّل مع النهضة، وثانٍ ضدّ النّهضة يتقاطع مع الرئيس سعيّد، واصفاً إياها بالأمر المقرف، وحرب الكل ضدّ الكل.

النهضة تخطط لتحويل موقع المعركة

وتتفق أغلب التحليلات في تونس على أنّ الإسلاميين يريدون صرف أنظار الرأي العام عن فضح علاقتهم باتحاد علماء المسلمين وتنظيم الإخوان المسلمين، إضافة إلى بلبلة الرأي العام والتغطية على إمكانية سحب الثقة من راشد الغنوشي، التي بلغت 109 إمضاءات، وفق تأكيد النائب عن الكتلة الوطنية في البرلمان، العياشي زمال، وهو عدد الإمضاءات المطلوبة قانوناً لعزله.

الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي لـ"حفريات": النّهضة تحاول عبر هذه التسريبات تحسين شروط التفاوض مع الرئيس ليتراجع عن موقفه من الحكومة الحالية

وكشف زمال أنّ 8 نواب من قلب تونس (حليف حركة النّهضة)، قد أعربوا عن استعدادهم للإمضاء على عريضة سحب الثقة، ويُرجح أنّ النواب الملتحقين باللائحة، من المستقيلين من قلب تونس.

كما أوضح زمال، في تصريح لوسائل إعلام محلية؛ أنّ النقاش الحالي يدور حول الشخص الذي سيتولى خلافة راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان في صورة مرور لائحة سحب الثقة، لافتاً إلى وجود العديد من الأسماء المقترحة، على غرار النائب الثاني لرئيس البرلمان، طارق الفتيتي، فضلاً عن أسماء أخرى.

أيمن العلوي

من جانبه، قال النائب السابق عن الجبهة الشعبية اليسارية، أيمن العلوي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ الحركة تعمل باستمرار على تصدير أزماتها إلى مؤسسات الدولة على حساب الدولة وعلى حساب الشعب، لافتاً إلى أنّ التآمر ميزة لديها، وأنّها تحاول حالياً تصدير أزمتها إلى قصر الرئاسة، لإلهاء الرأي العام عن الأزمات التي سبّبتها رئاسة الغنّوشي للبرلمان.

ووصف العلوي ظاهرة التسريبات بـ"الظاهرة الوضيعة على المستوى الأخلاقي والسياسي، تنتهجها بعض الأطراف التي فقدت كل أخلاق، وكل مشروعية سياسية، وكل أسلوب حضاري لخوض خصومات حزبية"، مشيراً إلى أنّ الهدف منها زيادة "تعفين" الوضع السياسي، وتشويه العملية السياسية في تونس.

اقرأ أيضاً: نواب تونسيون: سحب الثقة من الغنوشي وشيك

واشتدّت الخلافات بين رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، بعد أن رفض سعيّد التعديلات التي أقرها مجلس النواب على قانون المحكمة الدستورية، بداعي عدم احترامها فصول الدستور، الذي ينص على اختيار أعضاء المحكمة في أجل أقصاه سنة بعد الانتخابات التشريعية (أجريت في تشرين الأول (أكتوبر) 2019).

هل هي بداية مخطط عزل الرئيس؟

التسريبات الصوتية جاءت ضمن حملة استهداف جديدة يديرها الإسلاميون في تونس ضد سعيّد وفريق عمله، وعلى رأسهم مديرة ديوانه التي كانت طالبة سابقة لدى الرئيس حين كان أستاذاً مختصاً في القانون الدستوري بالجامعة التونسية، بهدف عزله، خصوصاً أنّ جهة التسريبات الصوتية دائماً ما تكون حركة النهضة، أو سياسيون موالون لها، يريدون تشويه صورة الرئيس التونسي قيس سعيّد.

ويعتقد الأمين العام لحركة الشعب (قومية) زهير المغزاوي؛ أنّ حركة النّهضة تحاول عبر هذه التسريبات تحسين شروط التفاوض مع الرئيس ليتراجع عن موقفه من الحكومة الحالية ورئيسها، وبخصوص ملفات أخرى، وهم يوهمون بأنّ لديهم أوراقاً للتفاوض، رغم أنّهم لا يملكون منها شيئاً.

الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي

ورأى المغزاوي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ التسريبات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحاول تشويه رئيس الجمهورية، هي في الحقيقة تدين أصحابها، وما حدث طيلة السنوات العشر الماضية التي أعقبت الثورة، والمسؤولة عنها حركة النّهضة كطرفٍ أوّل، لأنّها لم تخرج من الحكم منذ 2011.

الأمين العام لحركة الشعب أشار أيضاً إلى أنّ من يحاولون تشويه الرئيس اليوم، هم أنفسهم من دعموه خلال الانتخابات، رغم أنّه ما يزال يحمل الأفكار والبرامج نفسها، مشدّداً على أنّ الإشكال الوحيد أنّ سعيّد لم يكن قابلاً للاحتواء كباقي الرؤساء، وهو ما دفع النّهضة إلى شنّ الحرب ضدّه، وقد بلغت أشدّها بعد زيارة أردوغان لتونس، حين رفض سعيّد حشر تونس في سياسة المحاور.

اقرأ أيضاً: غضب داخل وكالة الأنباء التونسية والسبب إخواني... ما القصة؟

وكان الحزام السياسي لرئيس الحكومة التونسي، هشام المشيشي (حركة النهضة الإسلامية وقلب تونس الليبرالي وائتلاف الكرامة الإسلامي)، قد لوّح بعزل الرئيس قيس سعيّد، في إطار الأزمة القائمة بين رئاسة البلاد (سعيد) ورئاسة البرلمان (الغنوشي)، وذلك انتقاماً لعدم قبول الأخير بالتعديلات التي أملتها حركة النهضة، والتي شملت 11 حقيبة وزارية، عقب تحفّظات سعيّد عن الإشراف على أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، الذين تتعلق بهم شبهات فساد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية