الإخوان في بريطانيا: هل هم حقاً "متطرفون محتملون" فقط؟

الإخوان في بريطانيا: هل هم حقاً "متطرفون محتملون" فقط؟

الإخوان في بريطانيا: هل هم حقاً "متطرفون محتملون" فقط؟


28/05/2025

ما تزال جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، تبعث بتهديدات جمّة من خلال شبكاتها التنظيمية في الغرب. فيما تتكشف من خلال هذه الشبكات قدرة على التخفي والمرونة تتيح التكيف مع متغيرات عديدة، سواء سياسية، أو قانونية رقابية وتشريعية، فضلاً عمّا هو أمني. 

وتتواجد مؤسسات وهيئات لها صفة خدمية وتنموية، خيرية ودعوية، وتضطلع، ظاهرياً، بأدوار بعيدة عمّا هو سياسي وإيدولوجي، تحت إطار عمل المجتمع المدني، بينما هي، في الحقيقة، تشكّل شبكة خفية داخل منظومة حركية للتنظيم الإسلاموي الذي يراكم نفوذه ويتغلغل في المجتمعات الأوروبية. في حين يسعى إلى فرض قيمه وتسييس مجتمعات المهاجرين من العرب والمسلمين، وتعميم أنماط التدين والهوية المعادية لمبادئ المواطنة والقانون والديمقراطية وإدارة التنوع. 

التملص من القوانين

ورغم التعريف الجديد للتطرف الذي أقرته بريطانيا العام الماضي، وأثره المباشر والفوري على جماعة الإخوان، إلا أنّ المؤسسات التي لها صفة بحثية واجتماعية وخيرية ورياضية وتتبع التنظيم الأم والمؤسّس لقوى الإسلام السياسي، ما تزال لها القدرة على العمل والحركة والتملص من قيود القوانين المختلفة التي تهدف إلى مكافحة الإسلاموية، والأنشطة الإرهابية، وكذا خطابات الكراهية والأصولية الدينية. 

ويقول تقرير لشبكة (سكاي نيوز): إنّ تمويل تلك الهيئات وأنشطتها الخفية يكون بعيدًا عن أعين أجهزة الأمن التي تتوجس بشدة، بسبب عمل تلك الشبكة الإخوانية تحت ستار العمل القانوني، بهدف الترويج لأفكار متطرفة خاصة بالتنظيم، مشيرًا إلى أنّ الإخوان في بريطانيا يستخدمون في أنشطتهم أسماء وشعارات تبدو شرعية، يصعب ربطها بجماعة الإخوان المسلمين بشكل صريح، كرابطة المسلمين في بريطانيا التي تؤكد تقارير أنّ الإخوان يسيطرون على كافة نشاطاتها. بالتالي، فإنّ خطورة عمل هذه الجماعات تبرز عبر الاستراتيجية التي يتبنّاها التنظيم من خلال تشكيل مجتمعات صغيرة داخل الجاليات المسلمة في بريطانيا مع الحفاظ على سرّية أنشطتها.

تؤكد تقارير أنّ الإخوان يسيطرون على كافة نشاطات رابطة المسلمين في بريطانيا

لهذا شددت اللجنة المستقلة لمراجعة تشريعات مكافحة الإرهاب في بريطانيا "على سنّ قوانين جديدة لتجريم الأنشطة التخريبية للتنظيمات الإرهابية مثل الإخوان المسلمين. وتتزايد المطالبات بضرورة أن تسمح تلك القوانين بالتحقيق بشكل أكثر عمقًا في تمويل تلك الجمعيات، وفرض حظر على أنشطتها، ومنع  كل المرشحين السياسيين الذين تثبت صلتهم بها من خوض الانتخابات التشريعية والمحلية باعتبار ذلك أمرًا ضروريًا لتقليص تأثير الإخوان في المجتمع البريطاني".

التقاعس في مواجهة الإخوان

وبحسب (سكاي نيوز)، فإنّه "يُحذّر كثيرون في بريطانيا من أنّ تقاعس الحكومة أو تأخرها في التصدي لهذه الأنشطة سوف يؤدي إلى تقوية شوكة هذه الهيئات والجمعيات وتعزيز أنشطتها التي تنشر الفكر المتطرف بين الشباب البريطاني المسلم. فالخطر الأكبر هو ألّا تستفيق الحكومة وتتحرك إلا بعد هجوم إرهابي عنيف يشنه من تشبّع  بالأفكار المتطرفة من خلال هذه الأذرع التابعة للإخوان". 

بالتزامن مع تقرير الشبكة الإعلامية، كشف تحقيق عبري عن شبكة مالية معقدة تمتد من لندن إلى قطاع غزة، تتخفى وراء الأعمال الخيرية لجمع الأموال، بينما تمارس تبييض الأموال للحصول على نفقات لجهة دعم وتمويل أنشطتها وعملياتها العسكرية. التحقيق الذي بثته القناة 12 العبرية لفت إلى أنّ بريطانيا تحولت إلى ساحة يباشر فيها التنظيم أدواره المشبوهة، لا سيّما في ما يخصّ إدارته للأموال، إلى درجة جعلت أجهزة الأمن الإسرائيلية تصف العاصمة البريطانية بأنّها "العاصمة المالية لحماس في الغرب".

ويقول التحقيق: "تمكنت تلك الشبكة عبر عقود من التغلغل داخل المجتمع المدني من خلال مؤسسات وهيئات تنشط تحت عناوين العمل الخيري والإنساني". وتابع: "النشاط الميداني في الشارع ليس إلا واجهة لبنية مؤسسية عميقة تعمل منذ عقود في قلب المجتمع البريطاني، وتستغل مناخ الحريات والسياسات المتساهلة نسبيًا تجاه بعض الجمعيات الإسلامية". كما أنّ "أكثر من 25% من التمويل غير الحكومي لحماس يأتي من داخل بريطانيا، عبر شبكة من الجمعيات والصناديق والأنشطة التي تجمع الأموال تحت مظلة "العمل الخيري"، قبل أن تُحوّل لاحقًا إلى التنظيم في غزة والضفة الغربية. وترتبط هذه الشبكة في جذورها بتنظيم الإخوان، الذي لطالما اعتبر بريطانيا ساحة آمنة للعمل السياسي والدعوي منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد استفادت الحركة من الحضور الإخواني القوي في المساجد والجمعيات التعليمية والدعوية البريطانية، وهو ما وفّر لها غطاءً سياسيًا ومجتمعيًا متينًا".

عام 2001 دشن القيادي الإخواني الراحل يوسف القرضاوي "تحالف الخير"، الذي ضمّ عشرات الجمعيات الإسلامية، في لندن، منها منظمات تابعة أو قريبة من حماس. هذا التحالف نجح في حصد مئات الملايين من الدولارات، معظمها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، قبل أن يتم حظره لاحقًا، إلا أنّ الصناديق التي كانت تعمل تحت مظلته واصلت أنشطتها وتوسعت، وفق التحقيق.

القيادي الإخواني الراحل: يوسف القرضاوي

تصاعد الخلافات بين لندن وتل أبيب

يمكن القول إنّ التحقيق الذي كشف عن هذه المعلومات الموثقة، تحديداً، فيما يخص وضع حماس، في لندن، يتزامن وتصاعد الخلافات مع تل أبيب على خلفية الوضع في غزة، وقد أعلن، مؤخرًا، وزير الخارجية البريطاني تعليق لندن مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل. كما فرضت عقوبات بريطانية على مجموعات من الأفراد والكيانات بالضفة الغربية، قالت إنّهم مرتبطون بأعمال عنف ضد الفلسطينيين.

وقد حمل بيان مشترك لرئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ونظيره الكندي مارك كارني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحذيرات واضحة ومباشرة من أنّ دولهم "ستتخذ إجراءات" في حال لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الذي استأنفته على غزة وترفع القيود المفروضة على المساعدات.

وقال البيان: "منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول وينتهك القانون الإنساني الدولي"، مضيفًا: "نعارض أيّ محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية...، لن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف". وشدد القادة الثلاثة على أنّهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الأفعال المشينة" لحكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو في غزة. وتابعوا أنّ "الإعلان عن السماح بدخول الحد الأدنى من كمية الغذاء غير كافٍ على الإطلاق"، وطالبوا "الحكومة الإسرائيلية بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح فورًا بدخول المساعدات الإنسانية".

وأدان ستارمر وكارني وماكرون "اللغة البغيضة التي استخدمها أعضاء الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا والتلويح بالتهجير القسري للمدنيين الذين يواجهون الدمار والخراب في غزة"، محذّرين من أنّه "إذا لم تضع إسرائيل حدًّا لهجومها العسكري الجديد ولم ترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ إجراءات ملموسة أخرى ردًّا على ذلك".

وأكد القادة الثلاثة: "نحن مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار حلّ الدولتين، ونحن مستعدون للعمل مع آخرين لتحقيق هذه الغاية"، في إشارة إلى المؤتمر المقرّر عقده في حزيران (يونيو) في الأمم المتحدة "لإيجاد توافق دولي حول هذا الهدف.

الرئيس الفرنسي: إيمانويل ماكرون

الجماعة إذًا تراكم نفوذًا تاريخيًا

في كافة الأحوال، ليس ثمة شك في أنّ التواجد التاريخي، منذ عقود، للإخوان ببريطانيا، جعلها تراكم نفوذًا هائلًا، وتملك وسائط متعددة لبناء مصادر القوة (وربما الشرعية من الناحية القانونية)، التنظيمية والسياسية والإيديولوجية، فضلاً عن إيجاد بدائل لمواجهة الاستدارة الصحوية لمواجهة مخاطرها وتهديداتها؛ حيث تمتلك الجماعة نحو (60) منظمة تعمل في مجالات متعددة، بما في ذلك العمل الخيري، والاقتصادي، والإعلامي. في حين تُقدّر ثروات هذه المنظمات بين (8 إلى 10) مليارات دولار، ممّا يمنحها نفوذًا كبيرًا في المجتمع البريطاني، بحسب تقرير صادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. وتُستخدم هذه المؤسسات كواجهات قانونية لنشاطات الجماعة، ممّا يُصعّب من عملية تتبعها ومساءلتها.

وتُشير التقارير إلى أنّ جماعة الإخوان تستغل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية لجمع التبرعات، والتي قد تُستخدم في تمويل نشاطات مشبوهة. وتدور الشبهات حول احتمال استخدام أموال دافعي الضرائب البريطانيين لجهة تمويل جماعات تروّج للتطرف، كما ورد في مراجعة لبرنامج "بريفينت" الحكومي نهاية عام 2022. 

يُضاف إلى ذلك، التوغل الإخواني في مجال الإعلام، وامتلاك منصات إعلامية مختلفة، منها قناة (الحوار)، وشبكة (المكين) الإعلامية. وهي منصات تطوّق المجتمع بأفكار الجماعة الإيديولوجية وانحيازاتها السياسية، بغرض التجنيد والتعبئة والتحريض.

وما تزال الحكومة البريطانية، رغم التعريف الجديد للإرهاب، وتبعاته على الإخوان وقوى الإسلام السياسي، حذرة من خطوات جادة لتصفية هذا التيار الأصولي بأفكاره وقيمه المتشددة والعدائية. فلم يتم التصنيف على أنّها "منظمة إرهابية". غير أنّها تواصل فرض قيود على بعض أعضائها ومراقبة الجمعيات الخيرية المرتبطة بها. وفي عام 2014 أمر رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بإجراء تحقيق في نشاطات الجماعة، وأسفر عن توصيفم بأنّهم "متطرفون محتملون"، وهو ما يعكس حالة التردد في وضع قرار نهائي وتام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية