الإخوان المسلمون.. يعارضون "بريكس" ويسبّون بعضهم!

يعارضون "بريكس" ويسبّون بعضهم!

الإخوان المسلمون.. يعارضون "بريكس" ويسبّون بعضهم!


29/08/2023

محمد صلاح

لا يحتاج الأمر إلى وقت طويل أو مجهود كبير لتفسير ردّ فعل عناصر تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي والنشطاء الذين يمتطيهم التنظيم، والمنصّات الإعلامية المعادية للحكم في مصر، على دعوة ثلاث دول عربية للانضمام إلى تجمّع "بريكس" بدايةً من العام المقبل. فبغض النظر عن التحليلات الموضوعية لتلك الخطوة، ومدى الفوائد التي ستعود على الدول الثلاث، وأسباب دعوة مصر والسعودية والإمارات إضافة الى أثيوبيا والأرجنتين وإيران للانضمام إلى التجمّع، صار الناس يتوقعون ردود فعل "الإخوان" وداعميهم على كل قرار أو إجراء أو حدث يتعلّق بمصر، حتى لو لم تكن للحكم أو للرئيس عبد الفتاح السيسي علاقة به، كالكوارث الطبيعية والأزمات الإقليمية والدولية. فنشر الإحباط وتحويل الأفراح إلى أحزان وبث الطاقة السلبية بين المصريين، مهمّة يقوم بها كل "إخوَنجي" وكأنّها سبيله لدخول الجنة، ومن دون وعي، أو عن وعي كامل، يسير في السبيل نفسه كل كاره للسيسي أو طامع في مزايا لم تتحقّق له.

يستند بعض علماء السياسة في تفسير استمرار "الإخوان" في استخدام لغة الشتائم والسباب والعداء الصريح للشعب المصري، رغم التحوّلات الكبرى التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، إلى أنّ التنظيم يدرك أنّ الناس لا يحتجون "لأنّ أوضاعهم تسير من سيئ إلى أسوأ فقط، ولكن أيضاً لأنّ أحوالهم تشهد بعض التحسن بما يؤدي إلى زيادة توقعاتهم في حياة أفضل، ونتيجة لعدم قدرة الدولة على تلبية تلك المطالب يتولّد لدى بعض المواطنين شعور بزيادة الفجوة بين ما يعتقدون أنّهم يستحقونه وبين واقعهم الفعلي، فتتحول ثورة توقّعاتهم إلى مشاعر من الإحباط والغضب".

لكن ماذا عن "البذاءات" التي صارت أسلوباً يعتمده "الإخوان" عند التعاطي مع كل تطور له علاقة بمصر؟

ليس سراً أنّ شظايا الربيع العربي أفرزت تحولّاً غريباً في معايير الحكم على السلوك بالسلب والإيجاب، وصار الخروج عن الآداب شجاعة والتطاول على الناس جسارة والجهر بالألفاظ الجارحة والشتائم سلوكاً ثورياً وتحوّلت السخرية والكوميديا إلى استهزاء واحتقار، ويبدو أنّ اعتماد "البذاءات" صار يحتاج إلى تفسير علمي أسوة بالتفسير السياسي لثورة التوقعات، خصوصاً في ظلّ الخلط بين السياسة والبذاءة وبين السلوك الثوري والاعتداء اللفظي وبين النضال وإعداد المولوتوف ورميها!

حينما كانت منصّات البذاءة تصوّب نحو "بريكس" كانت النيابة المصرية تنظر في قضية تتعلّق بنزاع بين اثنين من رموز المعارضين للسيسي، اتهم فيها أحدهما الآخر بالاعتداء اللفظي عليه، بينما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مصوّرة لسيدات محسوبات على التيار المعادي للسيسي، تضمنت فضائح متبادلة وشتائم وسباباً وعبارات هي نفسها التي كن يطلقنها ضدّ الحكم والسيسي ومؤيّديه، ليتأكّد لدى الناس أنّ أزمة البذاءة صارت احتكارية لدى "الإخوان" والنشطاء المناصرين، بمواقفهم، لذلك التنظيم الإرهابي.

نعم، هناك خلط بين ممارسة السياسة والبذاءة ظهر جلياً في ردّ فعل "الإخوان" وداعميهم على موضوع "بريكس". فالحديث في مصر لا يتوقف ومنذ سنوات عن أوجاع الاقتصاد المصري وأزماته وتأثيراتها على المواطنين، وبالطبع لا يتوقف الخبراء عن التحذير من تصاعد الأزمات وضرورة البحث "خارج الصندوق" عن حلول لها، وكذلك يستثمرها السياسيون والنخب والنشطاء في الغمز واللمز والضغط على الحكام والحكومات، وتكون مناسبة جيدة لمنصّات "الإخوان".

عاد الحديث مجدداً عن "أخطاء الحكم" طوال الأسبوع الماضي، عبر حملة شنّتها فضائيات تابعة لـ"الإخوان المسلمين" أو متحالفة معهم تبث من خارج مصر، وكذلك على مواقع وصفحات إلكترونية يقوم عليها عناصر يسهرون طوال الليل ليمارسوا مهمّتهم أو قل حرفتهم في التنظير والوعظ وتحريض المواطنين وارتكاب ممارسات لو صدرت عن مواطنين مقيمين داخل مصر لكان ردّ الفعل من جانب السلطات المصرية لن يتعلق بأمور السياسة وإنما ببساطة لأنّ "شرطة الآداب" ستتولّى المهمّة! 

الانضمام إلى "بريكس" موضوع اقتصادي جاء ردّ فعل "الإخوان" وداعميهم عليه بعبارات ومواد تستهزئ بالأوضاع السياسية في البلاد، وتتناول رئيس الجمهورية وزعماء دول عربية لها علاقة طيبة بمصر بكلام جارح وعبارات بذيئة ومفردات خادشة للحياء، لا يمكن لأي وسيلة إعلام تحترم نفسها أن تعرضها وإلاّ تعرّضت للمساءلة القانونية، سواء في مصر أم خارجها ما عدا بالطبع القنوات "الإخوانية" التي تبث من دول ترعى "الإخوان" وتؤيّد أفعالهم. 

اللافت هنا وما يثير الدهشة في الواقع المصري، أنّ كل الأطراف الفاعلة على سطح الأحداث منذ هبَّت على المنطقة شظايا الربيع العربي، لم تغيّر "الكتالوغ" وحافظت على الأساليب والآليات نفسها التي كانت اعتمدت عليها بالفعل، معتقدة أنّها ستحقق لها مجدداً ما تريده، تريد تحقيق أهداف جديدة بالاعتماد على "الكتالوغ" القديم، رغم أنّ الظروف تبدّلت والأوضاع تغيّرت والأجواء التي ساعدت الربيع العربي في أن يخترق مجتمعات ويُسقط دولاً ويصعد بتنظيمات وجماعات وأشخاص إلى واجهة الأحداث، لم تعد تصلح كي تُشرذم هذا المجتمع مجدداً وتُسقط هذه الدولة مرة أخرى أو تصنع نجاحاً يداري عيوب هذه الشخصية أو تلك وأخطاءها وتشوهاتها.

صحيح أنّ التعامل الأمثل مع ارتفاع الطموحات والتوقعات يكون عبر بناء المؤسسات السياسية القادرة على التكيّف مع التغيير واستيعاب الجميع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا إذا كان المعارضون للحكم رموزاً لتيار يتاجر بالدين، لا يخجلون من تأييد تلك المظاهر الخارجة عن الآداب العامة ويفخرون بدعم أصحاب السلوك المشين لمجرد أنّهم يوجّهون سبابهم وشتائمهم إلى الحكم؟

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية