الإخوان المسلمون وحرب الخرطوم... سردية المؤامرة

الإخوان المسلمون وحرب الخرطوم... سردية المؤامرة

الإخوان المسلمون وحرب الخرطوم... سردية المؤامرة


06/06/2023

يُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان المسلمين بحزبها السياسي (المؤتمر الوطني) تقف خلف إشعال الحرب الدائرة الآن في الخرطوم، وأنّها تُديرها فعلياً مختبئة خلف قيادة الجيش ممثلة في قائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان والفريق أول شمس الدين كباشي والفريق أول ياسر العطا.

والراصد لديناميات حرب الخرطوم يلحظ بوضوح شديد دور الجماعة في تأجيجها وإدارتها، وسكب المزيد من الزيت عليها بالتحريض على استمرارها، فمنذ عودتها إلى المشهد السياسي بشكل مباشر ووضوح تام عقب انقلاب عبد الفتاح البرهان على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في  25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، سمح البرهان للحركة الإسلامية بممارسة النشاط السياسي عبر لافتات جديدة على رأسها (التيار الإسلام العريض)، كما أعاد الإسلاميين إلى عدة مناصب داخل الدولة، ومهّد لذلك بقرار تجميد عمل لجنة تفكيك نظام الـ (30) من حزيران (يونيو)، واستعادة الأموال العامة، واعتقال أعضائها المدنيين قبل الإفراج عنهم لاحقاً.

سردية المؤامرة

تعرّض البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى ضغوط قوية على الصعيدين الداخلي والخارجي من أجل العودة بالبلاد إلى المسار المدني الديمقراطي والتراجع عن انقلابهما، وقد خرج الثوار مجدداً إلى الشوارع وتمكنوا من وصول محيط القصر الجمهوري عدة مرات، وشلوا حركة الانقلاب، ومنعوه من تشكيل حكومة (بمعرفته) إلى أن اضطر قائد قوات الدعم السريع إلى الاعتذار العلني عن الانقلاب، واعتبره خطأ فادحاً فتح الباب لعودة النظام البائد، وظلّ قائد الجيش يراوغ ولا يتخذ موقفاً واضحاً، رغم توقيعه على الاتفاق الإطاري الذي يمهّد لاتفاق سياسي شامل، كان سيتم بموجبه عودة الجيش إلى الثكنات والمدنيين إلى السلطة، لولا اندلاع الحرب الماثلة.

يُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان المسلمين بحزبها السياسي (المؤتمر الوطني) تقف خلف إشعال الحرب الدائرة الآن في الخرطوم

ومع التوقيع على الاتفاق الإطاري في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2022 بين المكون العسكري من ناحية، والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (مجموعة من الأحزاب السياسية) وقوى الانتقال الديمقراطي (أحزاب سياسية خارج تحالف الحرية والتغيير)، وذلك برعاية الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، حيث كرر حميدتي اعتذاره عن الانقلاب في كلمته أمام حفل التوقيع وعمّا وصفها بجرائم بحق الشعب، وقد تحفظ البرهان على ذلك، بل اعتبر في مقابلات تلفزيونية لاحقة ما قام به في يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 أنّه لم يكن خطأ ولا انقلاباً، بل خطوة تصحيحية.

تعرّض البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى ضغوط قوية على الصعيدين الداخلي والخارجي من أجل العودة بالبلاد إلى المسار المدني الديمقراطي والتراجع عن انقلابهما

ويبدو أنّ (جماعة الإخوان) لاحظت تزايد التناقضات بين رئيس مجلس السيادة ونائبه، فانحازت للأول الذي يُعبّر عن مصالحها وطموحها بالعودة إلى الحكم، ولربما استغلها هو أيضاً من أجل اتخاذها مطية لتثبيت أقدامه والانفراد بحكم البلاد، بحسب مراقبين ومحللين سياسيين، حيث أوردت مصادر إعلامية متطابقة، وكذلك لجنة تفكيك نظام الـ (30) من حزيران (يونيو) 1989 التي جمّد قائد الجيش عملها عقب انقلابه، بالسماح لرموز وقادة وواجهات النظام السابق بسحب أرصدتهم المحظورة والمجمدة لدى البنوك السودانية، وأشارت اللجنة في بيان صدر في 8  نيسان (أبريل) 2022 إلى أنّ البرهان استبق قرار إطلاق سراح قادة الأمن الشعبي، وعلى رأسهم اللواء أمن أنس عمر المعتقل حالياً لدى قوات الدعم السريع، ورئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم غندور، بإصدار قرارات بفك حجز أرصدة قيادات ورموز وواجهات تتبع للنظام البائد.

هاتوا برهانكم

شواهد وأدلة كثيرة ومتنوعة تؤكّد ضلوع الإخوان في الحرب الماثلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فقد ظل قادتها يبشرون قاعدتهم بقرب إطلاق سراح الرئيس السابق عمر البشير وأركان نظامه، وقادوا حملات إعلامية منظمة لإشعال  الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لإضعافهما ومن ثم الانقضاض على السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم مجدداً، وقد تمكنوا بالفعل من إطلاق سراح قادتهم من سجن (كوبر) بعيد اقتحامه في الأيام الأولى من الحرب الدائرة الآن، وكانوا يظنون أنّ بمقدورهم هزيمة قوات الدعم السريع خلال (48) ساعة، كما صرح بذلك العديد منهم، على رأسهم القيادي بالتيار الإسلامي العريض محمد على الجزولي، المعتقل لدى قوات الدعم السريع، والذي سجل اعترافاً مسجلاً بضلوع الإسلاميين في التخطيط للحرب وإشعالها.سهمأس

الحكاية منذ البداية

منذ وقت مبكر، ومع تباشير انتصار الثورة الشعبية وسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير؛ شرعت جماعة الإخوان المسلمين عبر ذراعها السياسية (حزب المؤتمر الوطني) بالالتفاف حول الثورة، والعودة مجدداً إلى السلطة من خلال ضباطها في اللجنة الأمنية المقربة من البشير، والتي انحازت أطراف مؤثرة منها (تُقيةً) إلى الثورة، وأعلنت انقلابها على النظام القائم.   

شواهد وأدلة كثيرة ومتنوعة تؤكّد ضلوع الإخوان في الحرب الماثلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

ويُرجح أنّ نائب البشير ووزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، والمدير العام لجهاز الأمن الفريق صلاح عبد الله (قوش)، بجانب الفريق أول ركن عمر زين العابدين مدير منظومة الصناعات الدفاعية، وجميعهم كانوا أعضاء في اللجنة الأمنية العليا للنظام السابق قبيل سقوطه بلحظات، وهم ينتمون لجماعة الإخوان بشكل واضح ومعلن، خططوا لاستغلال الثورة الشعبية، وإيهام المتظاهرين بانحياز الجيش إلى جانبهم بالتحفظ على رأس النظام (عمر البشير)، وبعض الأعضاء المدنيين لحزب المؤتمر الوطني الحاكم حينها، وإجراء (جراحة تجميلية) شكلية على وجه النظام السابق، والاستمرار في الحكم باعتباره نظاماً جديداً وُلد من رحم الثورة.

عقب توقيع الوثيقة الدستورية بعد تراجع المجلس العسكري الانتقالي المقرب من نظام البشير عن انقلابه، بعد ضغوط داخلية وإقليمية ودولية في 17 آب 2019، اختفى الإخوان ظاهرياً عن المشهد السياسي في البلاد وهرب كثيرون منهم ممّن تم اتهامهم بجرائم فساد خارج البلاد

ولكنّ الثوار فطنوا إلى ذلك، فاضطر عوض بن عوف للاستقالة بعد (24) ساعة من رئاسته للمجلس العسكري الانتقالي، فسقط كل من صلاح قوش وعمر زين العابدين، بجانب أعضاء اللجنة الأمنية الآخرين، وعلى رأسهم ـوقتها- الفريق أول كمال عبد المعروف رئيس هيئة الأركان المشتركة، والفريق أول ركن مصطفى محمد مصطفى مدير الاستخبارات العسكرية، والفريق أمن جلال الشيخ نائب مدير المخابرات العامة، والفريق أول الطيب بابكر مدير الشرطة، والدريري محمد أحمد وزير الخارجية وبشارة جمعة أرو وزير الداخلية.

لاحقاً تمكنت الثورة من الإطاحة بهم جميعاً، واتفق تحالف إعلان الحرية والتغيير على عقد اتفاق مع المفتش العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لظنّهم أنّه بعيد عن الضباط (الإخونجية)، والذي جاء بقائد الدعم السريع نائباً له (عضو لجنة عمر البشير الأمنية)، وحظي هو الآخر بالقبول ذاته، باعتباره ضابطاً غير مؤدلج.

لكن سرعان ما انقلب عبد الفتاح البرهان عقب مجزرة فض الاعتصام 3 حزيران (يونيو) 2019، وأعلن عن إيقاف المفاوضات مع المدنيين وتشكيل حكومة تسيير مهام والذهاب إلى انتخابات خلال (9) أشهر، وقد حظيت تلك الخطوة بدعم واسع من الإخوان المسلمين، خاصة المتطرفين منهم مثل عبد الحي يوسف الذي هرب إلى تركيا لاحقاً.

كرتي وعبد الله

عقب توقيع الوثيقة الدستورية بعد تراجع المجلس العسكري الانتقالي المقرب من نظام البشير عن انقلابه، بعد ضغوط داخلية وإقليمية ودولية في 17 آب (أغسطس) 2019، اختفى الإخوان ظاهرياً عن المشهد السياسي في البلاد، وهرب كثيرون منهم ممّن تم اتهامهم بجرائم فساد خارج البلاد، ومنذ ذلك الوقت لم يعودوا إلى الواجهة إلّا بعد انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، فظهر، علي كرتي وزير الخارجية السابق، والأمين العام المكلف للحركة الإسلامية السودانية، ومؤسس وقائد ميليشيا الدفاع الشعبي الإخوانية المسلحة، الذي ظل مختبئاً منذ سقوط النظام السابق، ظهر على الشاشة الفضائية (طيبة) المملوكة للقيادي الإخواني البارز عبد الحي يوسف، وقد بعثت موفداً خاصاً لها إلى الخرطوم لإجراء حوار مع كرتي، الأمر الذي عدّه مراقبون إعلاناً صريحاً لعودة الإخوان إلى الواجهة، من خلال صفقة مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد وجّه اتهامات صريحة ـ بداية الحرب ـ إلى علي أحمد كرتي وأسامة عبد الله وزير الكهرباء والسدود السابق والإخواني المتطرف، بجرّ البلاد إلى حرب شاملة من أجل عودة الإخوان إلى الحكم، وأنّهم يقودون الحرب الراهنة ضد قواته مختبئين خلف قيادة الجيش. 

مواضيع ذات صلة:

كارثة إنسانية مرتقبة في السودان بعد تعليق محادثات جدة

هدنة هشة واغتصاب جماعي وصراع إثني في دارفور... السودان إلى أين؟

صراع السودان يعمق أزمات الاقتصاد... ما السيناريوهات المحتملة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية