صراع السودان يعمق أزمات الاقتصاد... ما السيناريوهات المحتملة؟

صراع السودان يعمق أزمات الاقتصاد... ما السيناريوهات المحتملة؟

صراع السودان يعمق أزمات الاقتصاد... ما السيناريوهات المحتملة؟


22/05/2023

يرزح اقتصاد السودان تحت وطأة أزمات متصاعدة، يضاعفها الصراع العسكري المشتعل بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان (أبريل) الماضي، وما نتج عنه من انهيار شبه كامل لمنظومة الاقتصاد التي توقفت تماماً، فضلاً عن أعمال السرقة والنهب التي اجتاحت كافة المتاجر في مناطق مختلفة من البلاد، نتيجة تردي الوضع الأمني. 

ويأتي هذا الصراع في وقت يعاني فيه السودان من أزمة اقتصادية طاحنة عصفت بمؤشرات الدولة الاقتصادية الكلية، وجعلتها في مواجهة مشكلات متشابكة انعكست على الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، وتُفاقم عمليات القتال الجارية من معاناة الاقتصاد السوداني، مع ما يتكبده من خسائر تصل في بعض التقديرات إلى نصف مليار دولار يومياً، بحسب دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة للباحثة سمر الباجوري. 

أزمات ما قبل الصراع 

بالعودة إلى أوضاع الاقتصاد السوداني ما قبل اندلاع الصراع، تجد الدراسة أنّه لم يكن في أفضل حالاته قبل التصعيد العسكري الحالي، لأنّه يعاني منذ عدة أعوام من تدهور سريع في مؤشراته، نتيجة ما يتسم به من اختلالات اقتصادية ظهرت بشكل أكثر وضوحاً منذ بداية عام 2018، مع التراجع الكبير والحاد في قيمة الجنيه السوداني، والذي تسبب في أزمة تتعلق بعدم توفير السلع الأساسية، وتراجع في الخدمات العامة. 

وانعكس ذلك، بحسب الباحثة، بصورة كبيرة على الأنشطة الاقتصادية الرئيسية، خاصة الزراعية، وبالتالي تراجع مستويات المعيشة والدخول لنسبة كبيرة من السكان، في ظل ارتفاع معدلات التضخم لتتراوح الزيادة في أسعار السلع الغذائية الرئيسية مثل القمح من 150% إلى 200% في نهاية عام 2018. 

يرزح اقتصاد السودان تحت وطأة أزمات متصاعدة

كما بلغ معدل التضخم في كانون الثاني (يناير) 2023 حوالي 83%، وهو يُعدّ مستوى أقل بكثير ممّا سجله السودان في عام 2021، والذي وصل حينها إلى 358.1%.

أسباب تفاقم الوضع الاقتصادي 

بحسب الدراسة، يعود الارتفاع الكبير في معدلات التضخم على هذا النحو في السودان، إلى الافراط في طباعة العملة المحلية "الجنيه" دون وجود أرصدة احتياطي نقدي كافية لدى البنك المركزي، وذلك بهدف توفير السيولة المطلوبة للإنفاق الحكومي المتزايد والذي يتسم بقدر كبير من عدم الكفاءة، سواء الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة أو الاستثمارات العامة في أوجه إنفاق غير تنموية. 

ذلك فضلاً عن انخفاض الإيرادات العامة، ولا سيّما الضريبية مع زيادة معدلات التهرب الضريبي، حيث مثّل هذا النوع من الإيرادات في كانون الأول (ديسمبر) 2021 حوالي 5.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما نجم عنه ارتفاع العجز المتزايد في الموازنة العامة. 

 لم يكن الاقتصاد السوداني في أفضل حالاته قبل التصعيد العسكري الحالي، لأنّه يعاني منذ عدة أعوام من تدهور سريع في مؤشراته؛ نتيجة ما يتسم به من اختلالات اقتصادية ظهرت بشكل أكثر وضوحاً منذ بداية عام 2018

وصاحب ذلك في الوقت نفسه عدم توافر بدائل تمويل لدى الدولة، سواء فيما يتعلق بالاقتراض الخارجي مع إدراج السودان في قوائم الإرهاب العالمية وما ارتبط بذلك من عقوبات اقتصادية، أو الاقتراض المحلي لتراجع كفاءة الجهاز المصرفي ومدى موثوقيته لدى المودعين وانخفاض معدلات سيولته.

وبالنظر إلى المؤشرات الكلية للاقتصاد السوداني، تظهر بشكل جلي الاختلالات الهيكلية فيه على المستوى الداخلي والخارجي، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان تراجعاً سنوياً، ليسجل معدل نمو سالب حتى قبل أزمة "كوفيد19".

وقد شهد الاقتصاد السوداني تراجعاً متواصلاً في أداء القطاعات الرئيسية والمتمثلة في الزراعة والصناعة، حيث تراجع معدل النمو السنوي للإنتاج الزراعي إلى أكثر من -2% نتيجة تدهور سياسات التمويل والتسويق الزراعي وكذلك انخفاض إنتاجية القطاع الزراعي. 

والأمر ذاته بالنسبة إلى قطاع الصناعة، الذي تراجع إنتاجه بسبب تدهور الظروف الاقتصادية ومشكلات عدم توافر النقد الأجنبي والسلع الرأسمالية والتمويل، حيث انخفض إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقلّ من 7% مقارنة بـ 3% قبل (10) أعوام، كما أُغلقت حوالي 40% من المنشآت الصناعية في العامين الأخيرين.

كلفة الصراع 

تتوقع الدراسة أن يُلقي الصراع الراهن بظلاله السلبية على اقتصاد البلاد، وعلى نحو يدفع إلى خفض توقعات التعافي التي وضعتها بعض المؤسسات الدولية له خلال عام 2023. 

وقد قُدّرت تكلفة الصراع الدائر في السودان بحوالي نصف مليار دولار يومياً، وفي تحليلات أخرى بنحو (10) مليارات دولار شهرياً. 

وبالرغم من صعوبة تقدير التكلفة الاقتصادية الحقيقية لهذا الصراع، فإنّه يمكن تحديد مؤشرات عامة للتكاليف المباشرة وغير المباشرة له، على النحو التالي:

التكاليف المباشرة: ويأتي في مقدمتها تأثير الصراع في معيشة السودانيين، فقد شهدت الأيام الماضية ارتفاعاً كبيراً في أسعار الغذاء والسلع الأساسية وكذلك قلة المعروض منها، خاصة مع إغلاق المحال التجارية ومنافذ البيع مع احتدام القتال. 

قُدّرت تكلفة الصراع الدائر في السودان بحوالي نصف مليار دولار يومياً، وفي تحليلات أخرى بنحو (10) مليارات دولار شهرياً

وقُدّر الارتفاع في أسعار السلع الغذائية بنسب تتراوح بين 300% إلى 400%، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من (8) آلاف جنيه سوداني. 

ولا تقتصر التأثيرات على الأجل القصير فقط، وإنّما تؤثر مثل هذه الاشتباكات في الوضع الاقتصادي في السودان وأبنائه في الأجلين المتوسط والبعيد. 

ومن المؤكد أن يؤثر الصراع الحالي في قطاع الزراعة الذي يعمل به حوالي 40% من إجمالي القوة العاملة في السودان، ويُعدّ مصدر معيشة للنسبة الأكبر من السكان. 

وتقول الدراسة إنّ الاشتباكات الحالية، خاصة مع استمرارها لفترات أطول، من شأنها أن تؤثر في الإنتاج الزراعي، ممّا ينعكس سلباً ليس فقط على المؤشرات الاقتصادية، وإنّما كذلك على أبعاد اجتماعية أكثر تعقيداً، يأتي في مقدمتها الأمن الغذائي. 

شهد الاقتصاد السوداني تراجعاً متواصلاً في أداء القطاعات الرئيسية

وجاء ذلك في الوقت الذي كان من المتوقع أن يعود فيه السودان مرة أخرى لتحقيق اكتفائه الذاتي من بعض المحاصيل الغذائية، وهو ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في 29 آذار (مارس) الماضي بتعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والبيضاء هذا العام.

كذلك فإنّ استمرار المواجهات العسكرية وما يترتب عليها من تأثيرات في المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بتزايد الإنفاق العسكري، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي؛ سيؤدي إلى استمرار حالة التدهور التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، ويؤثر بشكل حتمي في قدرته على سداد مديونيته الخارجية المتضخمة بالفعل والتي تجاوزت 202% من الناتج.  

تكاليف غير مباشرة على نحو أخطر

ترتبط هذه التكاليف، وفق ما أوردته الدراسة، ببعدين أساسيين؛ يتعلق الأوّل منهما بالخسائر التي ألمت بالبنية التحتية جراء المواجهات العسكرية الحالية. 

أمّا البعد الثاني، فيرتبط بتوقف أو تعليق المساعدات الدولية للاقتصاد السوداني في ظل هشاشته وارتفاع حجم مديونيته الخارجية، وهو ما سبق أن حدث بالفعل في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، حين دفعت الاضطرابات السياسية في هذه الفترة البنك الدولي نحو تعليق مساعدات بنحو (500) مليون دولار كانت مخصصة لدعم الميزانية السودانية، كجزء من تعهد بمنحة قدرها حوالي ملياري دولار. 

كذلك أوقف صندوق النقد الدولي تمويلاً بنحو (150) مليون دولار كجزء من برنامج قروض بإجمالي (2.5) مليار دولار، وعلقت أيضاً حينها الولايات المتحدة مساعدات للخرطوم بنحو (700) مليون دولار. 

شهد الاقتصاد السوداني تراجعاً متواصلاً في أداء القطاعات الرئيسية والمتمثلة في الزراعة والصناعة، حيث تراجع معدل النمو السنوي للإنتاج الزراعي إلى أكثر من -2%؛ نتيجة تدهور سياسات التمويل والتسويق الزراعي وكذلك انخفاض إنتاجية القطاع الزراعي

وفي ظل الأزمة الراهنة، اضطر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى وقف مؤقت لعمليات توزيع المساعدات الغذائية في السودان. 

إجمالاً ترى الباحثة أنّ الاشتباكات الحالية في السودان جاءت في وقت كان اقتصاد البلاد قد بدأ في إظهار بعض المؤشرات على إمكانية تعافيه، لتدفعه مرة أخرى إلى دائرة التدهور والركود. 

ولعل تقدير التكلفة الاقتصادية لهذا الصراع ليس بالأمر السهل، خاصة مع تشابك أبعاد هذه التكلفة بين المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن غياب الرؤية وعدم اليقين بشأن أمد هذا الصراع. 

ومن المؤكد أنّ التكلفة الاقتصادية المتوقعة للقتال الراهن في السودان لن تكون يسيرة، وستُلقي بظلالها السلبية على اقتصاد كان بالفعل مترنحاً قبل الأزمة الحالية، ويبلغ حجمه حوالي (35) مليار دولار، وبمديونية تُقدّر بنحو (55) مليار دولار.

مواضيع ذات صلة:

حميدتي: قوات الدعم السريع ليست منفلتة... ولا خوف من التدخلات الخارجية

- الإخوان في السودان... بيانات الفتنة تستمر

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية