الأطماع الأردوغانية أبعد من مصراتة الليبية

الأطماع الأردوغانية أبعد من مصراتة الليبية


22/08/2020

إميل أمين

أفرزت أحداث الأسبوع الماضي تطورات مثيرة وخطيرة على صعيد الأزمة الليبية، لا سيما بعد الزيارة اللافتة للانتباه لكل من وزير الدفاع التركي الجنرال خلوصي أكار، ووزير الدفاع القطري خالد العطية، الذي بدا في الصورة واقفاً في الصفوف الأخيرة خلال حديث أكار؛ الأمر الذي يحمل تفسيراً واحداً لرؤية الأتراك لقطر بوصفها ممولاً ليس أكثر، وداعماً وزاخماً بالأعمال التحتية السفلية، لإثارة القلاقل وإفشاء الموت شرق أوسطياً ومتوسطياً.
المتغير الأحدث على خريطة الشطرنج الليبية، تمثل في الحديث عن اتفاق قطري – تركي لجعل ميناء مصراتة تحت إدارة تركية – قطرية.
لا تحتاج الخطوة المتقدمة إلى كثير من التحليل لفهم أبعاد المشهد، والذي بات يعني تكريس احتلال عثماني جديد للدولة الليبية، والارتكاز هنا على جماعة الوفاق المنحلة.
يمثل القرار مخاطر جمَّة على الليبيين ومستقبل وحدة بلادهم وسلامة أراضيهم، تلك المفاهيم التي تغيب عن عقول القطريين والأتراك، ومشروعهم المخملي الهلامي في الوقت ذاته، لإحياء إمبراطورية ظلامية بائدة.
قطعاً، حال السعي في طريق بلورة مثل هذا الطرح فإنَّ وضعاً غير شرعي سوف ينشأ في ليبيا، بشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية من جهة، ويتجاوز مبادئ اتفاق الصخيرات من جهة ثانية، ناهيك عن مفارقته شكلاً وموضوعاً لروح اتفاق برلين، في حين الأخطر موصول برسم خريطة متوسطية مختلفة، تفرض أوضاعاً بالقوة، ومن دون أي اعتبار لحقائق الجغرافيا، وطبيعة الديموغرافية في تلك المنطقة.
يوماً تلو الآخر تتضح الأكاذيب التركية بنوع خاص، ويكتشف العالم الازدواجية الأخلاقية التي تلف إردوغان وجنرالاته؛ ذلك أن ميناء مصراتة هو في الواقع في يد الأتراك من عام 2014، كما أن مطارها يستقبل الطائرات التركية المحملة بالأسلحة والمرتزقة منذ ذلك التاريخ، إنما زاد الأمر الآن بشكل كبير وسمع به القاصي والداني أخيراً. الآن المتحدث باسم الرئاسة التركية يؤكد إمكانية تحقيق حل سياسي في ليبيا، والادعاء بأن أنقرة لا تفضل الحل العسكري... بل أكثر من ذلك؛ إذ يقطع بأن بلاده لا تريد الدخول في مواجهة مع أي دولة على الأراضي الليبية، ومعرباً عن اعتقاده بإمكانية أن تلعب مصر دوراً بنّاءً في ليبيا.
ربما ينبغي أن نذكّر جنرالات إردوغان، والذين لم يقاتلوا إلا شعوب العالم العربي، بأنه منذ أن خط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطاً أحمر عند سرت والجفرة، بدأت تصريحات إردوغان القهقري؛ ما دعا البعض لإطلاق هاشتاغ بالعامية المصرية «إردوغان جاب ورا»، بمغازلته مصر والشعب المصري والعلاقات التاريخية والحضارية بين البلدين، واستعداده لتسليم عناصر جماعة الإخوان الهاربين إلى تركيا.

مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً، ولهذا لا تنخدع مصر ولا أوروبا بنوايا إردوغان السيئة لجهة ليبيا، لا سيما أن المشهد أخطر من مجرد ميناء مصراتة على أهميته، والخطة أوسع بكثير؛ إذ تصب في إطار ما تناوله الكثيرون من إعلان إمبراطورية عثمانية جديدة بحلول عام 2022.
يمكن الإشارة إلى أهمية ميناء مصراتة انطلاقاً من مدخلين، الأول تجاري، حيث يمثل أحد أهم الشرايين الحيوية في الدولة، وهمزة وصل ممتدة غرباً من ناحية، وجنوباً إلى قلب أفريقيا من ناحية أخرى، كما يتوقع له أن يضحى مركزاً تجارياً إقليمياً رئيسياً بعد انتهاء الصراع في ليبيا؛ الأمر الذي يتيح لمن يضع يده عليه الوصول إلى مختلف أسواق البحر الأبيض المتوسط، ومنها إلى بقية العالم عبر الأطلسي.
المدخل الآخر عسكري بالمطلق، ويشكل اليوم أهمية استراتيجية للأتراك؛ إذ من خلاله يمكنهم الاستمرار في دعم الميليشيات والمرتزقة وبقية الجماعات الإرهابية بالسلاح والعتاد لتظل المعركة محتدمة، أي أنه نقطة استراتيجية تحسّن من القدرات التفاوضية لأنصارهم من «الوفاق»، حتى وإن كان ذلك يضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الأمن، الخاصة بوقف تسليح الأطراف الليبية المتصارعة.
النتيجة الأولية لمثل هذا التوجه واضحة وضوح الشمس في ضحاها، وتتمثل في تهديد مستمر وقلق مستقر في حوض البحر الأبيض المتوسط شمالاً وجنوباً، وتحويل المنطقة إلى حاضنه جديدة للإرهاب التركي - القطري.
مخطط إردوغان الذي بات مكشوفاً لا يتعلق بالأراضي الليبية، هذه لا تهمه ولا تعنيه، وليذهب الليبيون ما شاء لهم أن يذهبوا من التناحر، هدف إردوغان الحقيقي هو بسط سيطرة عسكرية في مياه المتوسط، يمكنه من خلالها أن يمارس دور البلطجي المهدد للجميع.
أول من سيكونون هدفاً وميداناً لضرب النيران التركية، دول جنوب أوروبا، أولئك الذين سيواجهون مخططات فتح الحدود الليبية لجحافل الفارين من أفريقيا عبر المتوسط إلى القارة العجوز، وساعتها سيفعل إردوغان بأوروبا ما فعلته قبائل القوط مع الإمبراطورية الرومانية؛ ما أدى إلى سقوطها المدوي تاريخياً.
حين يحتل الأتراك ميناء مصراتة بسفنهم الحربية وفرقاطاتهم وغواصاتهم، ساعتها ستكون منطقة «الهلال النفطي» تحت سيطرتهم، وأبعد من ذلك ستضحى عملية التنقيب عن النفط في المتوسط بشكل غير مشروع يسيرة وممكنة.
سيطرة إردوغان وجنرالاته على ميناء مصراتة، يعني تحويل ليبيا مركز تجميع للغاز بالمتوسط ونقله إلى أوروبا أو حرمانها منه متى يشاء الأغا المحتل، وهذا هو الهدف الحقيقي الأهم من مجرد نفط ليبيا وغازها، والبعيد عن مسألة مشروعات إعادة الإعمار بعد الخراب.
حين يشير وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس في زيارته الأخيرة لطرابلس إلى أن الوضع خطير، وبعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون عن لعبة تركيا الأخطر، فإن ذلك يعني أن معركة العثمانلي أضحت في مواجهة حلف جديد من الأوروبيين والعرب واليونانيين والقبارصة.
السؤال المثير هو: لماذا لا تبدي الأميركية موقفاً صريحاً مريحاً من أحداث ليبيا، يحجم هذا التركي المهووس الموهوم؟

عن "الشرق الأوسط" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية