الأزهر: مصافحة الخطيبة "لا تجوز" قبل عقد القران

الأزهر: مصافحة الخطيبة "لا تجوز" قبل عقد القران


30/10/2018

أحمد جمال

عيش الأزهر مخاضا تحديثيا يواجه عقبات من الداخل، حيث يسيطر رجال دين متشددون على عملية صناعة القرار، ويقاومون تغييرا يتخذ أغلبه مسارا بطيئا من أعلى إلى أسفل.

وفي ظل فوضى تبدو متحكمة في عملية الفتوى في مؤسسة مترامية الأطراف، أصدر "مركز الأزهر العالمي للإفتاء" فتوى قال فيها إن "مصافحة الخطيب لخطيبته أو لمسها قبل أن يعقد عليها غير جائز لأنها أجنبية عنه".

وأوضحت الفتوى أن "هذا أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد على فاعل ذلك". وأشار المركز إلى أنه "من المعلوم أن المفاسد المترتبة على اللمس والمصافحة للنساء الأجنبيات كثيرة، منها تحريك الشهوة، وضعف أو فقد الغيرة، وذهاب الحياء، فإن من مدت يدها لمصافحة الرجال فلا تأمن أن تجرها المصافحة إلى الانبساط بالحديث وغيره".

وتوحي اللهجة المستخدمة بانفصال تام عن واقع يشهد تقارباً كبيراً بين الجنسين في أماكن العمل ووسائل المواصلات والمناسبات الاجتماعية والمراكز البحثية والعلمية، كما يستهدف جيلاً شاباً عاش في عصر تكنولوجيا قائمة على "التواصل الاجتماعي" بين الناس من الجنسين، ويتسم باستعداد كبير للتخلي عن تقاليد محافظة كانت تنظر إلى المرأة في السابق باعتبارها "أحد المغريات المؤدية إلى ارتكاب المعاصي".

وتأتي هذه الفتوى، التي أثارت جدلاً كبيراً في مصر، في وقت يمر فيه الأزهر بصراع داخلي بين أطياف فكرية متعددة، بعد إقدام قادته على اتخاذ قرارات اعتبرها مراقبون داعمة لتجديد يمكن التعويل عليه في مواجهة جمود تعاني منه قيادة المؤسسة. لكن هذه القرارات اصطدمت بتيار متشدد يرفض الالتزام بها ويسعى إلى تعطيلها.

وتناقض فتوى الأزهر حول علاقة الخطيب بخطيبته تغيراً في نهج الأزهر في ما يتعلق بقضايا مجتمعية حساسة، كالتحرش والطلاق، بدأ يتعامل معها من منطلق مدني بدلاً من نهج ديني بحت يتعارض مع واقع المجتمع.

ولم ينف أسامة الحديدي، منسق الفتوى بـ"مركز الأزهر العالمي للإفتاء"، الفتوى أو يعترض عليها عندما تواصلت معه "العرب" لسؤاله عن صحة مضمونها. ويقول مراقبون لشؤون الأزهر إن مراكز الفتوى، سواء داخل الأزهر أو دار الإفتاء، هي منصات يطلق من خلالها المتشددون أفكارهم دون رقابة.

وأحد هؤلاء المتشددين عباس شومان، الذي تم نقله للعمل في منصب أمين عام هيئة كبار العلماء الذي لا يحظى بتأثير كبير بعدما رفضت الرئاسة التجديد له كوكيل للأزهر. وعكس التمسك ببقائه في المؤسسة قوة دائرة المتشددين التي تتحكم في عملها.

كما يواجه رئيس جامعة الأزهر محمد المحرصاوي مقاومة واسعة داخل المؤسسة، بعد أن أصدر قراراً بتوحيد كتب الشريعة التي تدرس في جميع الأقسام في مختلف كليات الجامعة، بحيث يكون هناك مؤلف واحد لهذه الكتب يتشارك فيه عدد من العلماء المعروفين بأفكارهم الوسطية، كمحاولة للسيطرة على الأفكار المتطرفة الموجودة بالمناهج. لكن المقاومة الكبيرة لقرار المحرصاوي أدت إلى تأجيل الإعلان عنه، بعدما كان مقرراً تطبيقه مع بداية العام الدراسي المقبل.

وقالت مصادر لـ"العرب" إن إقدام مجلة الأزهر على نشر مقالات لكاتبات يوصفن من قبل المتطرفين بـ"المتحررات والسافرات"، أحدث أزمة داخلية كبيرة، بعد أن عارضها بعض كبار المشايخ. واضطر رئيس تحرير المجلة أحمد الصاوي إلى التأكيد على أن ما نشره يأتي في سياق "الممارسة الصحافية التي تهدف إلى دعم وتشجيع المؤسسة التي تصدرها بشكل إيجابي".

وتسببت قوة الدفع التي يقوم بها التيار المتشدد داخل الأزهر إلى اشتعال جدل "النقاب" مرة أخرى في وقت طالب فيه عدد من نواب البرلمان، بل وبعض المنتمين إلى الأزهر نفسه بحظر ارتدائه داخل المؤسسات الحكومية، وقوبلت تلك المطالبات برفض رسمي من الأزهر من خلال موقعه الإلكتروني الذي أعاد نشر رأي المؤسسة الدينية في النقاب، وتبعت ذلك حملة ممنهجة قادتها مجموعة من قياداته للتأكيد على رفض المقترح  قبل مناقشته بالأساس.

يتخذ الأزهر موقفاً يصب في صالح السماح بارتداء النقاب، ويرى أنه "ليس عادة، وإنما يقع في دائرة المباح، وقد يرقى إلى ما فوق ذلك لمن ترى من النساء فيه مصلحة دينية لها؛ كسد لذريعة، أو درء لفتنة"، وهو الرأي الذي أعاد هذا التيار تصديره إلى الرأي العام مرة أخرى خلال الأيام الماضية.

وقالت آمنة نصير، أستاذة فلسفة العقيدة بجامعة الأزهر، إن التوجه الإصلاحي داخل الأزهر "لا يزال يدور في الإطار الظاهر فقط، ولا يعبر عن مجمل الوضع الداخلي للمؤسسة الدينية التي يسيطر عليها الجمود حتى الآن، وأي تحركات يكون مصدرها رأس المؤسسة الدينية تدخل في الإطار السياسي وليس الديني، ما يجعل صوت الإصلاح خافتا وغير قادر على الوصول إلى المجتمع″.

وأضافت في تصريحات لـ"العرب" أن "انتشار الفكر السلفي بين جموع العلماء المنتمين إليه، جعل من الأزهر واجهة للدفاع عن القناعات السلفية، في وقت اختفى فيه أغلب شيوخ السلفية خوفاً من تعامل النظام السياسي معهم، وظهر ذلك في قضية حظر ارتداء النقاب، لأن الدفاع كان بشكل أقوى من داخل الأزهر وليس من أتباع السلفية، كما هو الوضع بالنسبة لغالبية القضايا السابقة".

يذهب البعض من المراقبين إلى التأكيد على أن الخطوات الإصلاحية التي ذهب إليها الأزهر، وأبرزها السماح بتطبيق المنظومة التعليمية الجديدة ضمن مناهجه والتعاون الثقافي مع جامعة الإسكندرية لعرض كتب التراث، لا تمس جوهر الجمود الذي يسيطر عليه، لأن معظم قيادات الصف الثاني لا تعترف بمصطلحات التجديد والإصلاح من الأساس.

ألقت نصير الضوء على أزمة أخرى تؤدي إلى حالة الارتباك الحالية، وهي الدعم الذي يتلقاه بعض المنتمين إلى التيار السلفي داخل الأزهر من الخارج، والأمر ذاته ينعكس على المنتمين إلى تنظيم الإخوان، ما يجعلهم أكثر تمسكاً بآرائهم الفقهية.

أكد وليد البرش، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن التنافس بين تيارات الأزهر المختلفة تسبب في الحالة الضبابية لعملية إصلاح الخطاب الديني، لأن الأزهر لم يحدد حتى الآن عناصر هذا التجديد، بالتالي فإن خطواته اتسمت بالعشوائية ولم تأت من أسفل إلى أعلى، وإنما الذي حدث هو العكس.

وأوضح لـ"العرب" أن ثقافة التشدد السائدة داخل الأزهر تنتقل إلى مؤسسات حكومية أخرى على رأسها البرلمان الذي يقف عاجزا حتى الآن عن إصدار قانون موحد للفتوى، وتبقى رغبة عدد قليل من أعضائه في تغيير قانون الأزهر حلماً بعيد المنال، ما يعطي قوة للتيار المحافظ داخله للانكفاء على نفسه بشكل أكبر.

عن صحيفة "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية