الأزمة الأوكرانية بعد رئاسة الإمارات لمجلس الأمن

الأزمة الأوكرانية بعد رئاسة الإمارات لمجلس الأمن


15/03/2022

ماريا معلوف

بدأت الإمارات مطلع الشهر رئاستها لمجلس الأمن الدولي لشهر مارس الحالي ولا شيء يشغل العالم كله سوى الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات الفصول السياسية المثيرة التي انبثقت وتنبثق عن هذه الحرب مثل تصويت أكثر من 145 دولة ضد العمليات العسكرية الروسية وكذلك طرد السفير الأميركي من موسكو والأحداث التي نراها تتجدد كل ساعة.

بداية وقبل أن أناقش هذه القضية الحساسة لابد من الاعتراف أنه لم يحل استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا دون مواصلة المفاوضات بين الجانبين بحثا عن حل للأزمة، إذ لازال الجانبان مصران على استمرار المفاوضات حتى هذه اللحظة، وهو الأمر الذي أكدته الإمارات مطلع الأزمة في بيان أمام مجلس الأمن حول "أهمية العمل على التوصل لوقف إطلاق نار فوري، والسعي لإيجاد حلول سلمية، بما يخدم الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين"، وكذلك "التأكيد على أهمية السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول للمحتاجين، وعدم استهداف المدنيين، ولأجل أن يتمكن جميع المدنيين الذين يحاولون الوصول إلى مكان آمن من القيام بذلك من دون عوائق وبدون التعرض للتمييز".

في قراءة سريعة للأسبوعين الماضيين وما حملاه من فصول هذه الأزمة فإن الإمارات كانت تؤكد كل ساعة على ضرورة التركيز على الأوضاع الإنسانية المتفاقمة للمدنيين، بما في ذلك العمل على ضمان توفير الحماية لهم، والحيلولة دون أن يصل الوضع الإنساني الكارثي لحالة يصعب معالجتها واحتواؤها.

وكل ذلك تفعله الإمارات من منطلق حرصها الدائم على تخفيف معاناة المدنيين تحت وطأة الصراع، والعمل على حل النزاع بالطرق السلمية، ذلك وأن استمرار القتال سيؤدي إلى وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء وسوء الأوضاع الإنسانية، والتي يزيد من حدتها موسم الشتاء وموجات البرد القاسية.

وكل هدف الإمارات من ذلك ضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما من ناحية احترام سيادة واستقلال الدول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية.

واليوم، يعوّل العالم كله على قيادة الإمارات للمنظمة الدولية التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين في هذا التوقيت، استنادا لخبراتها وسجلها الحافل في نشر السلام ودعم الاستقرار وتعزيز الأخوة الإنسانية.

وهنا يتبادر السؤال عن كيفية بدء هذه الأزمة وجذورها والتي تسببت بتداعيات خطيرة على المستوى الدولي؟

توجه الأقاليم الشرقية لأوكرانيا إلى الانفصال عن روسيا والتلويح الغربي بضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي "الناتو" في إطار الترويج لحرية الدول في تحديد خياراتها السياسية، كل ذلك في الأساس يهدف حلف "الناتو" من خلاله إلى التوسع شرقا من أجل تطويق روسيا، وإن لم ينجح في هدفه والكلام هنا عن الحالة الأوكرانية، فالمطلوب استنزاف روسيا في أوكرانيا، بهدف أساسي هو منع إقامة تحالف روسي – صيني في إطار المواجهة الجارية مع بكين التي باتت تشكل أولوية قصوى للسياسة الأميركية والرئيس جو بايدن في هذه الفترة.

أما روسيا فهدفها ينطلق بداية من ألا تكون لدى أوكرانيا عسكريا القدرة على التدخل ضد انفصالي منطقة دونباس.

وهنا يمكن لروسيا أن تستفيد من دعم بعض الأوكرانيين الموالين لموسكو والمستعدين للتعاون معها، ولكنها ستجد نفسها في مواجهة أوكرانيين مستعدين للقتال، ليس من الجيش النظامي فحسب ولكن أيضا من وطنيين ومقاومين. وروسيا بالطبع قادرة في كل الأوقات على دفع جنودها لأوكرانيا من أجل تجنب وجود لحلف الناتو هناك.

بالعودة الى الماضي القريب تتمثل مشكلة روسيا مع أوكرانيا، والتي بدأت بانتفاضة الميدان عام 2014، في أن الأوكرانيين لا يريدون أي علاقة بها، لكن موسكو تريد أوكرانيا تحت سيطرتها أكثر بكثير مما يريد الغرب إبقاء أوكرانيا في فلكه، ولذا فهي على استعداد لدفع ثمن أعلى للحصول عليها.

وهناك ميزة أخرى، فقد وضعت روسيا نصب عينيها بشكل منهجي إعادة أوكرانيا إلى المحور الروسي منذ عام 2004 على الأقل.

أما بالنسبة للغرب، فتعتبر أوكرانيا أزمة معقدة أخرى سيسأم منها الجميع في نهاية المطاف، بالتزامن مع رغبة روسيا في تغيير النظام الجيوسياسي لأوروبا، وهي مستعدة لتحمل مخاطر كبيرة للقيام بذلك، بينما تريد إدارة بايدن الحفاظ على الوضع الراهن المضطرب على نحو متزايد.

في واشنطن أخبرني كثير من المحللين أن المكان الوحيد لفهم هذه الحرب يوجد داخل رأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وتوقيت هذه الحرب هو نتاج طموحاته واستراتيجياته.

لكن وعلى الرغم من كل هذا، فإنهم يرون أن أميركا ليست بريئة تماما من إذكاء نيران هذه الحرب.

في خلاصة فقد توسع الحلف في دول بشرق ووسط أوروبا مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا، وهذه الدول كانت جميعها جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق أو مجال نفوذه. ولا غرابة في أن ترغب هذه الدول في أن تكون جزءا من تحالف يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عنها في حالة هجوم من روسيا التي خلفت الاتحاد السوفييتي.

أخيرا، إن الحرب في أوكرانيا تهدد أسس المجتمع الدولي وتزيد من عوامل عدم الاستقرار، والحلول السياسية هي الطريق الأفضل لمواجهة الأزمات. فهل تنجح الإمارات في إدارة مجلس الامن خلال هذا الشهر في مساعيها لوقف القتال الروسي الأوكراني، وتخفف هذا الثقل على العالم في كل النواحي؟

عن "سكاي نيوز عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية