الأردن في مواجهة حزب الله لمنع تهريب المخدرات إلى الخليج

الأردن في مواجهة حزب الله لمنع تهريب المخدرات إلى الخليج


31/01/2022

تعدّ دول الخليج الوجهة المفضلة لحزب الله لتهريب المخدرات، لتمتّعها بسوق غني، وربما كذلك كأحد أدوات الصراع بين الحزب، كذراع إيرانية، ودول الخليج، تحديداً المملكة العربية السعودية.

ومنتصف العام الماضي، منعت السعودية دخول المنتجات الغذائية اللبنانية إلى أراضيها، بسبب اكتشاف كميات كبيرة من الحبوب المخدرة والحشيش داخل الشحنات، واتّهمت السعودية حزب الله في ذلك.

حزب الله والمخدرات

وتعدّ تجارة المخدرات، وعلى رأسها الكبتاغون والحشيش أحد مصادر تمويل حزب الله اللبناني، وهي تجارة قديمة قبيل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، ولكنّها ازدادت حجماً بعد الحرب، بسبب حاجة الحزب إلى الأموال لتمويل تدخّله العسكري في سوريا، إلى جانب ما وفّره له تدخله العسكري من مزايا تتعلق بتوسيع إنتاج الكبتاغون والترامادول على وجه التحديد، وذلك بالاستفادة من البنية الدوائية الصناعية السورية، واستخدام الأراضي السورية كبوابة لتهريب المخدرات إلى دول المنطقة وأوروبا، وبشكل خاص دول الخليج.

صورة خاصة بحفريات لطريق تهريب إلى الأردن

ويغطي الحزب جزءاً من إنفاقه عبر حصيلة التجارة في المخدرات في عدة أسواق دولية، والقيام بعمليات غسيل الأموال لعدد من عصابات الجريمة المنظمة العاملة في تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية، مستغلاً نفوذه القوي في النظام المالي اللبناني، وكذلك علاقاته بالميليشيات والأحزاب الموالية لإيران في العراق.

ومن بين ممرات وطرق التهريب العديدة لحزب الله، شهد طريق التهريب عبر الأردن تنامياً كبيراً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، التي أعقبت سيطرة النظام السوري مدعوماً من حزب الله وإيران على المحافظات الجنوبية، والتي تحاذي الحدود الأردنية.

تعدّ تجارة المخدرات، وعلى رأسها الكبتاغون والحشيش، أحد مصادر تمويل حزب الله اللبناني، وهي تجارة قديمة قبيل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، لكنّها ازدادت حجماً بعد الحرب

وتمتدّ الحدود الأردنية السورية إلى الجنوب مع مرتفعات الجولان، وعلى طول نهر اليرموك، وتصل للشرق حيث تمرّ بين الرمثا ودرعا، عبر مركز حدود الرمثا إلى مركز نصيب الحدودي، بين عمّان ودمشق، أما الحدود الشرقية فتمرّ في خطّ مستقيم عبر الصحراء السورية التي تنتهي في الحدود الأردنية - السورية - العراقية.

ويقول الباحث الأردني المتخصص في الشأن السوري، صلاح ملكاوي: "ليست هناك حدود محمية بنسبة 100% في أيّ مكان في العالم، ولهذا التهريب عبر حدود الدول، سواء للبشر والبضائع والمواد غير القانونية دائماً موجود، لكن تزداد وتيرته وتقلّ تبعاً للعديد من العوامل، من بينها: التنسيق بين الدول التي تتشارك حدوداً ما، والطبيعة الجغرافية والديموغرافية للمناطق الحدودية، والاستقرار السياسي والأمني لدول الجوار، والإمكانيات العسكرية والأمنية لقوى مراقبة الحدود، وغير ذلك".

التهريب من سوريا إلى الأردن

وقبل الحرب الأهلية في سوريا كانت عمليات التهريب إلى الأردن وفق المعدلات الطبيعية، ويقوم بها أفراد ناشطون في مجال التهريب، وتستهدف الداخل الأردني، سواء كانت تهريب كميات محدودة من المخدرات، أو غير ذلك.

صورة خاصة بحفريات لمضبوطات

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول ملكاوي: "كانت الحدود قبل 2011 مضبوطة بتعاون أمن البلدين، والبؤر الساخنة للتهريب كانت معروفة، وكانت تقتصر على المخدرات بكميات بسيطة، ولم تشمل تهريب الأشخاص والأسلحة، فالأخيرة كانت تأتي من العراق".

أما بعد عام 2011، مع انسحاب الجيش السوري من المحافظات الجنوبية المحاذية للأردن، وانشغال الجيش بالحرب الأهلية، وقع على عاتق الأردن وحده ضبط الحدود، وحتى حين عاد الجيش السوري إلى الحدود مع الأردن عام 2018، لم يقم بمهام ضبط الحدود؛ إذ إنّ الواقع الذي خلفته الحرب الأهلية، بسبب تدخّل إيران وحزب الله وروسيا من جانب، والدول الداعمة للمعارضة، والجماعات الإرهابية من جانب آخر، جعل الهيمنة على البلاد موزعة بين هذه الأطراف.

اقرأ أيضاً: الأردن يعلن حصيلة الاشتباكات مع مهربي المخدرات عبر الحدود السورية

ويقول ملكاوي: "بعد عام 2011 تضاعفت كمية المخدرات المهرّبة بعشرات المرات، ولم يعد التهريب يقتصر على النقاط الحدود الرسمية، بل صار عبر طول الحدود المقابلة لمحافظة السويداء".

وأفاد: بأنّ "البدو الذين يعيشون على أطراف محافظة السويداء، في أقصى الجنوب الشرقي لسوريا، هم من يقومون بعمليات التهريب إلى الداخل الأردني، ومن أشهرهم مرعي الرمثان".

وأشار ملكاوي إلى أنّ "السلطات الأردنية كانت تنسّق مع الجيش السوري الحرّ حين كان يسيطر على المحافظات الجنوبية، حتى عام 2018، ومكّنها ذلك من ضبط الحدود بشكل كبير، وإحباط العديد من عمليات التهريب إلى الداخل السوري".

لكن بعد عودة سيطرة النظام السوري وحزب الله، يقول ملكاوي: "غاب هذا التنسيق، وتسببت التغييرات الديموغرافية في فقدان الأردن الحاضنة السورية التي تكنّ له التقدير والمحبة، ولهذا بات صعباً على الأردن تجنيد أشخاص في الحدود السورية كمصادر معلومات".

مخدرات حزب الله

ومن واقع المضبوطات لدى الجيش والأمن الأردنيين، ذكر الباحث ملكاوي؛ أنّ: "أنواع المخدرات هي؛ الكبتاجون والحشيش والجاليكا والكريستال، وتصنع المواد الكيميائية في مصانع داخل لبنان، ويزرع الحشيش ويجهز في لبنان أيضاً، في مناطق خاضعة لحزب الله".

ويسرد ملكاوي رحلة التهريب من لبنان إلى الأردن قائلاً: "تبدأ الرحلة بشاحنات مغلقة تنطلق من مناطق لبنانية خاضعة لحزب الله منها بعلبك، ثم القلمون ثم ريف دمشق ثم ريف درعا الشرقي، وفي قرية اللجاة الواقعة في ريف درعا الشرقي بالحدود الفاصلة بين درعا والسويداء يتمّ استقبال الحشيش والكبتاجون. وتُوزّع المخدرات منها إلى درعا والسويداء، وأهم قرى السويداء التي تتركز فيها تجارة مخدرات حزب الله؛ هي قرية خربة عواد، وقرية الشعاب، وهما قرب الحدود الأردنية".

لكن أين دور الأمن السوري، يجيب ملكاوي: "حزب الله يعمل بمساعدة الفرقة الرابعة من الجيش السوري والمخابرات الجوية على تحويل درعا والسويداء إلى نقطتَي عبور للمخدرات نحو الأردن، ثم بعد ذلك الخليج؛ لهذا لا تخضع الشاحنات القادمة من لبنان للتفتيش، رغم مرورها على عشرات الحواجز الأمنية".

الباحث الأردني صلاح ملكاوي لـ "حفريات": حزب الله يعمل بمساعدة الفرقة الرابعة من الجيش السوري والمخابرات الجوية على تحويل درعا والسويداء إلى نقطَتي عبور للمخدرات نحو الأردن، ثم الخليج

ولفت إلى أنّ "حزب الله لا يسمح للدروز في السويداء بالمشاركة في التهريب إلى الأردن، بل الترويج فقط في الداخل، ويُقصر تعامله مع البدو في التهريب. ويساعد البدو ميليشيات أسستها إيران وحزب الله في المناطق الجنوبية".

ويستفيد حزب الله من الفقر الذي خلفته الحرب الأهلية على المحافظات الجنوبية في تجنيد المهربين وتأسيس الميليشيات التي تعمل كشافة لفرق التهريب، وتشتبك مع قوات حرس الحدود الأردنية.

ولقي ضابط أردني مصرعه، وأُصيب ثلاثة جنود، في اشتباك مسلح مع مهربين سوريين داخل العمق الأردني، في 15 من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري.

تواطؤ سوري

وتسبّبت الحرب الأهلية في تورط قيادات عسكرية وأمنية سورية في أنشطة غير قانونية، بهدف تحصيل مكاسب مالية، خصوصاً مع ضعف سيطرة دمشق على أجهزتها الأمنية وجيشها، نظراً لارتباط وحدات وأجهزة أمنية بعلاقات قوية مع إيران وحزب الله.

ملكاوي: حزب الله يعمل بمساعدة الفرقة الرابعة من الجيش السوري

واستفاد الحزب من ذلك، فلا تتدخل عناصر حرس الحدود السورية لمنع التسلل إلى الأردن، بل تغضّ الطرف بشكل تامّ، وكذلك الأجهزة الأمنية في درعا والسويداء، ومن قبل كافة الحواجز العسكرية التي تمرّ منها الشاحنات التي تحمل المخدرات من لبنان.

ولفت الباحث صلاح ملكاوي إلى أنّ "النظام السوري ينظر لملف التهريب كأزمة أردنية، غير معني بها، وربما يكون ذلك عقاباً لدور الأردن، بسبب دعمه للجيش الحرّ سابقاً، بل وورقة مساومة، كما شهدنا من تزايد وتيرة التهريب بعد زيارة وزير الدفاع السوري إلى الأردن".

وطالب السلطات الأردنية بـ "الضغط عبر القنوات الدبلوماسية على الحكومة السورية من أجل عودة التنسيق الأمني، والتصدي لممارسات حزب الله في المحافظات الجنوبية".

من الأردن إلى الخليج

وتحكم قواعد السوق أيضاً تجارة الأنشطة غير القانونية، وفي حالة الأردن لا يحتاج السوق إلى السلاح من سوريا، ولهذا بحسب الباحث صلاح ملكاوي "كمية الأسلحة المضبوطة تعدّ غير كبيرة، لوجود السلاح في الأردن مع الأشخاص، نظراً لطبيعة المجتمع العشائرية التي تجعل امتلاك السلاح مفخرةً".

اقرأ أيضاً: ضبط كمية كبيرة من المخدرات في شحنة شاي.. أين كانت تتجه؟

وكذلك بالنسبة للمخدرات المهربة، يقول ملكاوي: "السوق الأردني فقير، وحجم المضبوطات كبيرة جداً، لهذا وجهتها الأساسية ليست الأردن، بل السعودية. فضلاً عن أنّ إيران وحزب الله يستهدفون الخليج بالمخدرات لأهداف أخرى غير الأموال".

وزادت أهمية الأردن كمعبر لمخدرات حزب الله إلى السعودية، بعد منع الأخيرة استيراد المنتجات الغذائية والزراعية من لبنان، التي كان الحزب يهرّب عبرها المخدرات.

وأفاد ملكاوي؛ بأنّ "السوق الأردني لا يستهلك 10% من المخدرات التي تُهرَّب من سوريا، ولهذا فمعظم الكميات يُعاد تجهيزها داخل الأردن، وتُصدر إلى السعودية". وأضاف: "إدارة مكافحة المخدرات الأردنية كثيراً ما تضبط كميات ضخمة من المخدرات في المدن، وتكون مُعدَّة للتهريب إلى السعودية، وكذلك ضبطت السلطات السعودية شاحنات تُهرب المخدرات".

وتابع: "يستخدم حزب الله شاحنات النقل بالعبور التي تمرّ عبر الأردن، إلى الخليج، لتهريب المخدرات، كونها لا تخضع للتفتيش إلا في بلد المصدر (سوريا) والبلد المستقبل (الخليج)، وليس بلد المرور".

اقرأ أيضاً: الأردن يحبط محاولة تهريب مخدرات من سوريا...هذا ما جاء في بيان رسمي

ولا يعدّ الخليج سوقاً ثرياً فقط، يجعله محط استهداف من تجار المخدرات، بل تُباع المخدرات في السعودية بأضعاف أثمانها في الأردن.

تحديات ضبط الحدود

ويواجه الأردن تحديات كبيرة في مكافحة عمليات التهريب، منها؛ غياب التنسيق الأمني مع الجانب السوري، والانفلات الأمني في سوريا، وتواطؤ أجهزة أمنية سورية في تسهيل التهريب، ووجود ميليشيا حزب الله وإيران في المناطق الحدودية، وإدارتهما لعمليات التهريب.

وبالإضافة إلى تلك التحديات، يقول ملكاوي: "التضاريس الجغرافية سواء السهلية والجبلية تمثّل تحدياً أمام الجيش الأردني، وكذلك طقس البلاد في فصل الشتاء الذي يسبب الضباب، مما يجعل الرؤية عمياء تماماً أمام الجنود، ولهذا ينشط التهريب في هذا الفصل".

ويستفيد المهربون من العلاقات القوية بين القرى على جانبي الحدود؛ إذ تتكون شبكات التهريب من سوريين وأردنيين يقطنون المناطق الحدودية.

وكانت إحصائية ذكرت أنّ الأمن والجيش الأردني ضبط 360 عملية تهريب، عام 2021، ومن المؤكد أنّ حجم العمليات أكبر من ذلك، بإضافة العدد المجهول لعمليات التهريب الناجحة.

اقرأ أيضاً: المرصد السوري: هكذا يجري تهريب المخدرات إلى الأردن... ما علاقة "حزب الله"؟

وطالب ملكاوي دول الخليج بدعم الأردن؛ كونه خطَّ الدفاع الأول في مواجهة المخدرات التي تصل إلى الخليج عبر شبكات حزب الله وإيران.

وقال: "الحدود الأردنية طويلة جداً، ويحتاج الأردن إلى دعم لإقامة جدران وأسلاك شائكة، وإقامة أنظمة مراقبة حديثة للحدود، لكشف محاولات التسلل إلى الحدود من الداخل السوري، خصوصاً في ظلّ التحديات الجغرافية والمناخية التي تواجه القوات الأردنية".

وإلى جانب طرق التهريب البرية، والتي تشمل الأنفاق التي يقيمها حزب الله لعبور الحدود الأردنية، كانت هناك محاولات لتهريب المخدرات عبر الطيران المسير إلى الداخل الأردني.

وفي 24 من الشهر الجاري، ضبط الجيش الأردني: 353 ألف حبة كبتاجون، و150 كف حشيش، و1388 شريط جاليكا، و86 شريط ترامادول، ونصف كيلوغرام من مادة الكريستال.

فتحة نفق للتهريب إلى الأردن

ونقلت قناة "العربية" أواخر الأسبوع الماضي، عن مصادر، أنّ الجيش أبلغ الجانب السوري عزمه قتل أي شخص يجتاز الحدود بشكل غير شرعي.

وأكدت أنّ تهريب المخدرات المنظم تحت رعاية الميليشيات أجبر الجيش على تغيير قواعد الاشتباك، فيما سيعمل الأردن على ضمان أمن أراضيه من أي تهديدات حدودية من سوريا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية