الأبعاد النفسية والاجتماعية لمحنة كوفيد 19

الأبعاد النفسية والاجتماعية لمحنة كوفيد 19


03/05/2021

محمد بدرالدين زايد

من الواضح أن الموجة الراهنة لكوفيد 19 عاتية، يقولون إنها الثالثة، ولكنى أظنها الرابعة، وينتشر المرض بيننا وحولنا جميعا، وكل يوم يتألم كثيرون فى مصر لفقد حبيب أو قريب أو صديق أو جار عزيز، ويأتى كل هذا وسط التباس شديد منذ بدء حملات التطعيم التى نحن فيها ضمن أبطأ دول العالم، وتنتشر المعلومات المقلقة والمتضاربة حول كل شىء، ورغم مرور الكثير من الوقت وتجاوزنا أكثر من عام منذ بدء انتشار الفيروس، وانتقلنا لمرحلة اللقاحات، فإن حالة عدم اليقين التى صاحبتنا منذ بداية الجائحة مازالت مستمرة والبلبلة هى عنوان كل الموقف.

ومنذ أكثر من عام كنا نكتب عن الآثار الاقتصادبة والسياسية للجائحة، وركزت شخصيا فى العام الماضى حول الآثار المتوقعة دوليا، وكان جزء كبير مما طرحته آنذاك أن الأزمة كاشفة بأكثر مما هى منشئة للتطورات الدولية، وأن الكثير سيتوقف كذلك على مدى امتداد الأزمة، على أنى أجد اليوم مما طرحته آنذاك أمورًا أجدهما على صدارة ما يجب أن يطرح من أولويات فى المرحلة الراهنة، الأمرالأول هو التحليل الاجتماعى والنفسى لعدد من السمات الملازمة للأزمة، وكيفية تعامل الأفراد والمجتمعات مع هذا البعد. أما الثانى فهو حالة عدم اليقين بأبعاده المختلفة وتداعيات ذلك على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية، وثالثها أبعاد متعلقة بالعملية التربوية.

كان محور التفكير الاجتماعى والنفسى فى المراحل الأولى للمشكلة يدور حول مسألة تأثير العزلة والتباعد الاجتماعى، وكذا الركود الاقتصادى على الأحوال النفسية والسلوك الاجتماعى للبشر، وهى مسائل لم ينته تأثيرها، وإن كان بعض جوانبها قد تراجع بعض الشىء، وخاصة أن كثيرًا من المجتمعات والدول لم تعد تقوى على الإغلاق، وبدأ بعضها- وليس كلها- فى تحسين مستويات الأداء الاقتصادى، وتتباين المجتمعات المختلفة فى درجة تطبيق قواعد التباعد الاجتماعى، وإن كان الراجح أن هذه القواعد رغم تباين تطبيقها، فإن البشر لم يعودوا لكثير من عاداتهم السابقة، ومن المؤكد أنه فى مصر تراجعت بشدة عادات العناق والتقبيل التى كانت منتشرة بشكل مبالغ فيه، فى العقود الأخيرة، بأشكال فاقت ما كنا نعرفه فى طفولتنا وشبابنا، وربما كان للجائحة فائدة فى تقليل هذه المبالغات التى كانت تحولت إلى شكليات ومظاهر، دون عمق مشاعر وأريحيات كانت معروفة فى المجتمع المصرى حتى عقود سابقة. ولكن من ناحية أخرى، فإن غياب هذا القرب الاجتماعى الذى هو أكثر حميمية إلى حد المبالغة فى مصر وشعوب المتوسط عموما مقارنة بالغرب، لا بد أن تكون له تبعات نفسية واجتماعية تحتاج من خبراء علم النفس أن يتناولوها بدرجة كبيرة من العمق، فمن المؤكد أن بشر اليوم فى بلادنا وغيرها يفتقدون لدرجة كبيرة من التوازن النفسى والسعادة نتيجة الامتداد الزمنى لهذه المحنة. ومن ناحية أخرى فإن تزايد أعداد الوفيات فى المجتمع المصرى فى الأسابيع الأخيرة لا بد أن تكون له آثاره النفسية والاجتماعية العميقة، التى تحتاج إلى تفهم مجتمعى وحكومى واسع النطاق للسبل المختلفة من المشاركة فى التخفيف عن معاناة الكثيرين، بسبب الاكتئاب المصاحب لحدوث العديد من الوفيات، علما بأن تزايد أعداد المتوفين لها تداعيات نفسية حتى على الأشخاص البعيدين عن هذه الوفيات.

أما البعد الثانى الذى يستحق أن يجتذب الكثير من الاهتمام العلمى الاجتماعى والفكرى، فهو حالة عدم اليقين وعدم التأكد المصاحبة للجائحة منذ بدايتها، والتى أضافت مسألة اللقاحات إليها الكثير من الاضطراب والبلبلة والنقاش حول الفعالية والجدوى وحتى المخاطر، فليس من الحكمة تجاهل حالة النقاش العام فى مصر وكثير من دول العالم حول هذه المسألة، وأن هناك الكثير من مظاهر عدم الثقة والشك عند ملايين البشر، وأن مئات الأطباء وناشطى وسائل التواصل الجتماعى قد أثاروا ضجة كبيرة منذ شهور استباقا لهذه اللقاحات، سواء عن اقتناعات حقيقية أو عن تعمد فى إثارة حالة القلق والبلبلة، والنتيجة أن هناك ملايين من البشر يلهثون وراء الحصول على اللقاحات وملايين آخرين يتشككون ولا يريدون التجاوب بأى حال مع حملات التطعيم، كما أن عدم اليقين وعدم كفاية المعلومات لدى الأطباء- حول الآثار الجانبية المحتملة لدى بعض الناس تجاه هذه اللقاحات- تسبب فى المزيد من اللبس والارتباك لدى الكثيرين.

ويضاف إلى كل ما سبق بعد آخر للجائحة، يتعلق بعدم انتظام العملية التعليمية والتدريبية فى كثير من دول العالم ومصر، واللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعى بهذا الصدد، وهى مسألة أيضا لها تبعاتها، إذا تركنا جانبها التربوى والفنى لخبراء التربية، إلا أنه من المؤكد أن لها تبعات على السلوك النفسى والاجتماعى للأطفال فى مراحل النمو، وتحتاج أيضا إلى متابعة دقيقة من خبراء النفس والاجتماع بهذا الصدد.

ولأنه لا توجد شواهد على أن الأمور فى طريقها لانفراج سريع، فإن هذا دور قادة الرأى وخبراء النفس والاجتماع، ليس فقط للتشخيص وإنما أيضا للبحث عن سبل للتخفيف ومواجهة هذه الضغوط.

عن "المصري اليوم"

الصفحة الرئيسية