استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟

استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟

استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟


28/12/2023

قدمت الثورة في إيران نفسها، بعد استكمالها عام 1979، باعتبارها منهية لعهد من الحكم العلماني المرتبط بالغرب، ولم ترَ اقتصارها على حدود إيران، وإنما متعدّية بالضرورة لعموم العالم الإسلامي، وفق هذه الرؤية؛ تشكّل مبدأ "تصدير الثورة"، تحول المبدأ إلى مشروع مع الانتقال إلى مرحلة الترجمة والتطبيق، مع عدم اتخاذ شكل ونموذج محدد في البداية، حتى بدت حادثة مثل اغتيال السادات، عام 1981، لوهلةٍ باعتبارها أحد تمثّلاته، لكن سرعان ما اتجهت الأمور نحو اتخاذ شكل ونموذج محدد، وصار معتمداً، وما يزال.

توجه المعارضون لنظام الشاه إلى لبنان منذ أعوام ما قبل الثورة وبدؤوا في نسج العلاقات هناك

مع نهاية الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979، لم يكن بإمكان قيادات الثورة الاعتماد بعدُ على الجيش الإيراني، باعتبار أنّ نسبة من قادته كانوا ما يزالون على ولاء وارتباط بالشاه المنفي خارج البلاد، عدا عن عدم التأكد من ولائهم وتشرّبهم لعقيدة الثورة، فجاء تأسيس تنظيم "الحرس الثوري" كقوّات نخبوية مهمتها حماية الثورة، اليوم تصل تقديرات عدد أعضائه إلى مئة وخمسة وعشرين ألف مقاتل، وهو لا يقتصر على كونه تنظيماً عسكريّاً؛ إنما هو منظمة استخباراتية، وتكتل صناعي واقتصادي أيضاً.

جاء تأسيس تنظيم "الحرس الثوري" كقوّات مهمتها حماية الثورة

منذ وصول الثورة إلى الحكم وتأسيس الجمهورية الإسلامية، كان تفكير القيادة يتجه نحو تصدير الثورة عبر الحدود، وتشكّل الاعتقاد لدى قادة الثورة بأنّ ثورتهم مهددة في الداخل ما لم تجد لها امتدادات في الجوار، واتجه التفكير نحو مواجهة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ودعم الحركات المناوئة للأمريكيين، باعتبار أنّ الثورة قامت ضدّ حكم الشاه، الحليف الأكبر للولايات المتحدة، وارتبطت مهمة تصدير الثورة بالحرس الثوري، الذي سرعان ما نشط في عدد من بلدان الجوار، وبادر لتأسيس ودعم عدد من التنظيمات المشابهة لتكوينه والمتقاربة مع عقيدته وتوجهاته، والمؤمنة بالثورة الإسلامية وقيادتها.
في العراق
قاد الحرس الثوري الإيراني المواجهات المسلحة، بعد اشتعال جبهات القتال مع الجارة العراق، عام 1980، لكنّ المواجهة في هذه الحرب لم تكن فقط بين مقاتل عراقي ومقاتل إيراني، وإنما استطاع الحرس الثوري أن يضع العراقي في مواجهة العراقي أيضاً، وذلك مع مبادرة الحرس الثوري لتجنيد وتدريب وتسليح مقاتلين عراقيين لمواجهة الجيش العراقي، وليبدأ بذلك تأسيس تشكيلات مسلحة عراقية مرتبطة بالثورة الإسلاميّة وقيادتها، تقدم الولاء المطلق لمرشدها الأعلى، وهو النموذج الذي سيتكرر ويمثل الشكل الأمثل لتصدير الثورة إلى خارج إيران، عبر الأعوام والعقود اللاحقة.

شكّلت الثورة الإسلاميّة، وما تزال، مصدر إلهام لمؤسسي وقادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي تأسست 1981

عام 1981؛ تأسست في الأحواز معسكرات "الشهيد الصدر" لتضمّ مقاتلين من حزب "الدعوة الإسلامية" العراقي، وتأسس معها ما عرف بـ "قوات الشهيد الصدر". وتحقيقاً لغاية تصدير الثورة إلى العراق تأسس في إيران "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي"، في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1982، لتكون مهمته إدخال الثورة الإسلامية إلى العراق وخلافة نظام صدام حسين بعد الإطاحة به.
وعام 1983؛ أشرف الحرس الثوري الإيراني على تأسيس تنظيم آخر، حمل اسم "فيلق بدر"، ليقوم بعمليات عسكرية داخل العراق ضدّ الحكومة العراقية، بإشراف وتخطيط من الحرس الثوري الإيراني.

محمد باقر الحكيم مشاركاً في أحد المحافل بإيران

كانت أعوام الحرب العراقية - الإيرانية الثمانية بداية التأسيس للتنظيمات المسلحة الشيعية العراقية المرتبطة بالحرس الثوري، وبعد الحرب استمر احتضان ودعم هذه التنظيمات، وبدأت مرحلة جديدة مع الإطاحة بالنظام العراقي السابق والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

اقرأ أيضاً: هل باتت ميليشيا الحوثي الأداة المفضلة لـ"الحرس الثوري"؟!
أشرف الحرس الثوري على تأسيس ميليشيات جديدة مستفيداً من حالة تفكك وانهيار الدولة العراقية مع زوال المؤسسات العسكرية والأمنية للنظام السابق، ومن أبرز التنظيمات العراقية المسلحة المرتبطة بإيران التي تأسست في مرحلة ما بعد 2003، تنظيم "كتائب حزب الله العراق"، الذي قدم الحرس الثوري له كافة أشكال الدعم؛ من التمويل والتسليح والتدريب، وترأّس التنظيم منذ تأسيسه وحتى اغتيال العضو في الحرس الثوري "أبو مهدي المهندس"، مطلع العام الحالي.
وعام 2006؛ تأسست منظمة "عصائب أهل الحق"، بقيادة قيس الخزعلي، بعد انشقاقه من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، إثر معركة جيش المهدي ضد القوات الأمريكية، عام 2004، وتتلقى العصائب التدريب والسلاح من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

اقرأ أيضاً: تحليل: الملالي والحرس الثوري وكفاح إيران من أجل العملة الصعبة
وإثر تمدّد تنظيم داعش، واحتلاله ثلث مساحة العراق، عام 2014، بدأت تكتسب هذه التنظيمات صفة رسميّة مع تشكيل قوات "الحشد الشعبي" لمواجهة التنظيم الإرهابي، وتألفت هذه القوّات من سبعة وستين فصيلاً، وجاء تشكيلها بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيستاني، المرجع الأعلى في النجف، وفي عام 2016؛ اكتسبت هذه القوات الصفة الرسمية مع إقرار البرلمان العراقي قانون هيئة الحشد الشعبي، في خطوة رأى البعض حينها أنّها جاءت بدفع وضغط من إيران وحلفائها في العراق، وهكذا، كما في إيران، بات هناك في العراق قوّات عسكريّة شبه نظاميّة، تكتسب نفوذاً وقوّة تزاحم القوّة الرسمية للدولة الممثلة بمؤسسة الجيش.

بدأت التنظيمات العراقية المرتبطة بالحرس الثوري تكتسب صفة رسميّة

في لبنان
سعت الثورة الإسلامية للتمدّد باتجاه الخارج، ولكن ذلك كان متعذراً، إلى حدّ ما، في البلدان المستقرة، فاتجه تركيز الجهود نحو البلدان التي تداعى فيها الاستقرار وتراخت فيها سيطرة الدولة المركزية، وهو ما توافر في لبنان بشكل مثاليّ، مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، عام 1975؛ حيث نشطت فيها التنظيمات المسلحة من مختلف الخلفيات والتوجهات، وكان المعارضون لنظام الشاه الإيراني قد اختاروا التوجه إلى لبنان منذ أعوام ما قبل الثورة، وانخرط كثيرون منهم في معسكرات تدريبية، وبالتحديد مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وبدؤوا في نسج العلاقات هناك منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: الأطفال في إيران وسوريا وقود لأيديولوجيا الحرس الثوري
بعد انتصار الثورة في إيران تعززت الجهود، وبدأ الحرس الثوري يكثّف جهوده بشكل فعلي من أجل تصدير الثورة عبر تأسيس ودعم تنظيمات مماثلة، وهنا برز دور أسماء قيادية، مثل محمد منتظري، أحد أبرز قادة ومهندسي الحرس الثوري، والذي أقام لأعوام في لبنان، وتمتّع بصلات واسعة مع قادة الشيعة في لبنان، وعموماً مع تنظيمات ما عرف بـ "الحركة الوطنية اللبنانية"، وكذلك، اللواء مصطفى تشمران، أول وزير دفاع للجمهورية الإسلامية (1979-1980)، وقائد الحرس الثوري الإيراني في مرحلة التأسيس، والذي أقام في جنوب لبنان فترة قبل الثورة الإسلامية، وكان له دور أساسي في تأسيس "حركة المحرومين" بالتعاون مع موسى الصدر، عام 1975، وكذلك تأسيس الفرع العسكري لها، حركة "أمل"، قبل أن يعود إلى إيران بعد الثورة وينخرط في قيادة وتدريب عناصر الحرس الثوري.

اللواء مصطفى تشمران: دور مركزي في تأسيس "حركة المحرومين"

مع الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، عام 1982، تسارعت وتيرة الجهود الإيرانية، في ظلّ تصاعد التنظيم العسكري بهدف مقاومة الاحتلال، وتعزز النشاط العسكري بشكل خاص بين المجموعات الشيعية، وهنا برز دور أسماء مثل جلال الدين الفارسي، الذي كان قد غادر رفقة مجموعة من المعارضين الايرانيين إلى لبنان منذ السبعينيات، وتلقوا التدريبات في معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية، كما كان مقرباً من حركة أمل قبل أن يقع الخلاف بينه وبينها؛ بسبب ما كان يطلبه من زيادة توجه الحركة نحو الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي وهو ما كانت لا تبدِ اندفاعاً تجاهه، وهنا اتجه العمل باتجاه المساهمة في تأسيس النواة للتنظيم الذي سيشهر ويعرف لاحقاً باسم "حزب الله".

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري يقود حملة لتصفية معارضي خط إيران في العراق
وهنا، برز اسم "علي أكبر محتشمي"؛ الذي أقام شبكة من العلاقات مع ناشطين سياسيين من شيعة بيروت ومنطقة البقاع، وكان له الدور الأهم في مهمة تأسيس حركة حزب الله، وهو وزير الدفاع لجمهورية الإسلامية في الفترة (1985-1989)، وأشرف على أولى العمليات التي شنّها حزب الله قبل الإعلان عن تأسيسه، عام 1985، بما في ذلك الهجوم على السفارة الأمريكية في بيروت، عام 1983.

اقرأ أيضاً: "الحرس الثوري العراقي"
وجاء اتفاق الطائف، عام 1989، ليطالب بنزع السلاح من جميع التنظيمات اللبنانية، إلا أنّ حزب الله رفض ذلك وقدّم سلاحه باعتباره مقاومة تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، وبعد انسحاب "إسرائيل" من جنوب لبنان، عام 2000، قاوم الحزب الضغوط المطالبة بنزع سلاحه، وكانت الحجة استمرار الوجود الإسرائيلي في مزارع شبعا، والمناطق الحدودية المتنازع عليها، وطيلة أعوام نشاطه، التزمت إيران بتزويد الحزب بالمساعدات المالية والتدريب والسلاح، ليتحول الحزب، كذلك، إلى قوة عسكرية شبه نظامية، تزاحم مؤسسة الجيش الرسميّة.

علي أكبر محتشمي: الدور الأهم في تأسيس حزب الله

في فلسطين
كانت الساحة الفلسطينية مرشحة لتكون هي أيضاً مجالاً مناسباً لتصدير الثورة الإسلامية إليها، باعتبار ما تعرفه من احتلال وغياب للحكم المركزي ونشاط للتنظيمات المسلحة بتوجهاتها المختلفة، وقد حاولت الثورة في البداية استقطاب منظمة التحرير وقيادتها وتقريبها من الثورة، لكنّ الاختلاف الأيديولوجي وبعد فصائل المنظمة عن الأيديولوجيا الإسلامية بالعموم، ظلّ عامل إضعاف للرابطة، ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية واختيار قيادة المنظمة الانحياز إلى الجانب العراق تبدّدت أيّة فرص لتأسيس مثل هذا العلاقة، وهنا اتجهت الثورة للبحث عن تعزيز علاقاتها بأطراف ذات ميل وتوجه يتبنى المقاومة المبنية على رؤية اسلامية للصراع مع "إسرائيل"، وهو ما كان قد بدأ بالتوفر على الساحة الفلسطينية. وكانت الحركة الأقرب للعب هذا الدور هي حركة الجهاد الإسلامي التي تأسست عام 1981، وافتتحت لها مكاتب في دمشق، حليفة طهران، منذ انطلاقها.

اقرأ أيضاً: إيران: تجارة المخدرات المربحة التي يديرها "الحرس الثوري"
جاءت نشأة الحركة بعد عامين من نجاح الثورة في إيران، وكان قادتها متأثرين بالثورة التي شكلت مصدر إلهام لهم، وفي مقدمتهم المؤسس فتحي الشقاقي، الذي ألف كتاباً بعنوان "الخميني: الحلّ الإسلامي البديل".
انخرطت الحركة في المقاومة بشكل متصاعد مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أواخر الثمانينيات، وكانت إيران الداعم الرئيس لأغلب عمليات الحركة.
وبعد انطلاق محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بداية من محادثات مدريد عام 1991، سعت إيران لمواجهة المسار التفاوضي فبادرت لعقد مؤتمر مضاد رافض للتسوية في طهران، وفي العام ذاته، وكانت حركة الجهاد في مقدمة المشاركين، وبقيت الحركة طوال الأعوام اللاحقة، وما تزال، في طليعة الحركات الرافضة للمسار التفاوضي.

اقرأ أيضاً: هل تتنازل طهران دون إطلاق رصاصة واحدة بعد تصنيف "الحرس الثوري" إرهابياً؟
وهكذا؛ فإنّ إيران لم تعتمد في علاقتها مع الفلسطينيين على تأسيس علاقات مباشرة مع السلطة الفلسطينية، الجهة الممثلة رسمياً للفلسطينيين، بل فضّلت إقامة علاقات وصلات مع تنظيمات أقرب لها، مثل الجهاد وحماس، وقدمت لهم أشكالاً مختلفة من الدعم، من المالي إلى اللوجستي والعسكري، وساهمت بذلك في تكريس الانقسام الفلسطيني وإطالة أمده.
واليوم، يعدّ أكرم العجوري، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في الخارج، المشرف الأول على العلاقات مع إيران، وكان يتمتع بصلة وثيقة مع القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني؛ حيث يقوم بدور المنسق الرئيس بين الحرس الثوري الإيراني والجهاد الإسلامي.

تداوم حركة الجهاد الإسلامي على إحياء "يوم القدس العالمي" الذي أطلقه الخميني عام 1979

في اليمن
توافرت في اليمن عدة عناصر جعلت منه مكاناً مرشحاً لتصدير الثورة الإسلاميّة، حيث تضعف سلطة الدولة المركزية هناك، في ظل حضور وسيطرة العامل القبلي، كما يوجد في اليمن انقسام طائفي، وهناك تحديداً أقلية شيعية، ولو أنّها من غير الإثني عشرية، من الطائفة الزيدية.

اقرأ أيضاً: "الحرس الثوري" منظمة إرهابية: معضلة الميلشيا والدولة.. تداعيات القرار الأمريكي
بداية من الثمانينيات؛ بدأت السفارة الإيرانية بتقديم دعوات للشباب اليمني لزيارة إيران والتعرّف على تجربة الثورة الإيرانية، واجتذبت خصوصاً الشباب الزيديّ، ومن بين هؤلاء الشباب، برز اسم حسين بدر الدين الحوثي، الذي قام رفقة مجموعة من العائدين من طهران، مثل محمد عزان، وعبد الكريم جدبان، بتأسيس تنظيم "الشباب المؤمن"، عام 1992، في محافظة "صعدة"، شمال اليمن، والذي تطوّر وعرف لاحقاً باسم جماعة "الحوثيين"، نسبة لمؤسسها.
ومنذ مرحلة التأسيس، برز مدى تأثر حسين الحوثي، في خطبه وكتاباته بنموذج الثورة الإيرانية ومبادئها، وقائدها الإمام الخميني، ومع تصاعد الصراع الداخلي في اليمن، وتزايد بوادر المواجهة مع الحكومة اليمينة، رفعت الحركة علنياً شعار "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"، وتحديداً بعد عام 2001، في مرحلة كان نظام الحكم اليمني قد تموضع ضمن التحالف الأمريكي للحرب على الإرهاب، ولم يبدِ أيّة معارضة للمواقف الأمريكية، وتحديداً حرب العراق، عام 2003، فجاء رفع الشعار من قبل الحوثيين في أطر المواجهة المتصاعدة مع صنعاء، والتي تستند في جذورها إلى حالة من التهميش والإقصاء لمحافظة صعدة.

اقرأ أيضاً: تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً يقيد تحرّكات قاسم سليماني في العراق
ومع حلول عام 2004؛ اندلعت المواجهات المسلحة المباشرة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، فيما عرف بـ "الحروب الست"، والتي استمرت حتى عام 2010، ومنذ الحرب الرابعة، عام 2007، بدأت تظهر تأثيرات "حزب الله" على أساليب قتال الحوثيين، وكذلك على الهرم التنظيمي للجماعة.
ومع دخول منعطف ثورة الشباب اليمنية، عام 2011، أخذت الأحداث منحى جديداً، مع اختيار الجماعة الانقلاب على مسار الحوار الوطني، وتمددها عسكرياً في المحافظات اليمنيّة، وصولاً حتى دخول العاصمة صنعاء في أيلول (سبتمبر) عام 2014.

اقرأ أيضاً: حزب الله يستعد للأسوأ بعد تصنيف الحرس الثوري إرهابياً
وتتواتر الدلائل عن توافر الدعم الإيراني للجماعة؛ فعلى مستوى التدريب وتقديم الاستشارات، كان رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، قد صرح بذلك مؤخراً في أكثر من مناسبة، منها ما جاء في كلمته في أحد المراكز التعليمية التابعة لقوات "الحرس الثوري"، قال: "اليمنيون اليوم تمكنوا من إسقاط العديد من الطائرات الحديثة، وهذا بالطبع لأنّ علوم الثورة الإسلامية ودعمنا المعنوي كان وراءهم"، وكذلك تصريحاته في مقابلة لمحطة "فونيكس" الصينية، التي أقرّ فيها بوجود دور لـ "حزب الله" في عمليات التنظيم والتدريب للحوثيين.
وعلى مستوى السلاح، تكرّر حديث السلطات عن إيقاف زوارق وسفن متجهة إلى اليمن تحمل أسلحة قادمة من إيران، واشتهر منها سفينة "جيهان"، التي تمّت السيطرة عليها، في كانون الثاني (يناير) عام 2013، عندما كانت في طريقها إلى ميناء "ميدي"، الواقع حينها تحت السيطرة الحوثية.

مقاتلون حوثيون يرفعون صورة "حسين الحوثي" مؤسس الجماعة الذي قتل عام 2004

يتمحور خطاب الحرس الثوري والمجموعات المرتبطة به حول مقولة المواجهة الحاسمة مع "إسرائيل" والإعداد المستمر لها، وكثيراً ما تكون مقولة مركزية في مراحل التأسيس وعمليات التحشيد والشرعنة لهذه المجموعات وأنشطتها، وحول هذه النقطة يعلق د. خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة "نورث ويسترن" في قطر، في حديثه لـ "حفريات": "مرّ على ثورة الخميني أكثر من أربعين عاماً؛ أي إنّها أكبر عمراً من نصف عمر "إسرائيل"، ومنذ اليوم الأول وأحد شعاراتها المدويّة هو محاربة "إسرائيل"، وتطوّر لاحقاً إلى إبادتها، كما في عهد الرئيس الأسبق، أحمدي نجاد، وخلال الأربعين عاماً لم يحدث هناك أيّ صدام مباشر بين إيران و"إسرائيل"، بل إنّ كلّ الصدامات التي انخرطت فيها إيران كانت مع العرب وعلى أراضٍ عربية".

اقرأ أيضاً: ليلة القبض على الحرس الثوري
ويشير ذلك بحسب الحروب إلى أنّ "رفع شعار فلسطين والممانعة، وسوى ذلك، هو نسخ الممارسة سيئة الصيت نفسها التي اشتهرت بها بعض الأنظمة العربية؛ لأنّ قضية فلسطين ومسألة الممانعة توفر رافعة الشرعيّة الوحيدة أو الأهم للنظام الذي يستخدمها، إما داخلياً كما فعلت بعض الأنظمة العربية، وإما إقليمياً مثل حالة إيران. وتوافر هذه الشرعية اللفظية والشعاراتية المسوّغ الذي تستخدمه الأنظمة، وأحياناً الأحزاب والحركات لتبرير سياسات وممارسات وقمع ما كان له أن يحدث أو يمرّ بالسهولة نفسها في حال لم تتوافر تلك الشرعية".

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية