
لبنى الهاشمي
إذا كان جوهر الدين لزيك مفقوداً معدوماً، فلن يجبر مظهرك المتدين سوء خلقك، أو يغطّي سوء طباعك، أو يخفي بشاعة أفكارك وطويتك؛ فالتدين السمح لا يأبَه بالشّكليات، ولا يعوِّل على المظهريّة، فالحديث الصحيح يختصر لك التدين الحقيقي: إن الله لا ينظر إلى صوركم أو مالكم "وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
وإن من لا يفقه حقيقة الإسلام يتصور التديُّن الصحيح بأنه قيود ونواهٍ تقضي على حرَّيته، أو تحدّ من خياراته في الحياة، أو أنّه يقتصر على المظهر، أو الطقوس الشكلية، وبهذا الفهم المغلوط تم استغلال هوية المسلم، مما شوّه الإسلام وأهلَه، والسائرين على هديه، وروجوا للتدين الشكلي، ناسين أن التدين الصحيح يكمن في تزكية النفوس وتطهير القلوب، فهو له أثر يظهر في السّلوك والأخلاق.
إن هؤلاء المتطرفين والغلاة والمتشددين لا يجيدون إلا غلاف التدين المتصنع، سواء في إعفاء اللحية والشعر، وتقصير الثوب، وطريقة ربط العمامة وهيئتها من الارتفاع أو الانخفاض، والمسواك.. إلخ، ولا ننكر هنا أن هذه الأمور هي في الإسلام لكننا نؤكد أن الإسلام الحقيقي ليس في هذه الأمور وحسب.
هناك ملمح دقيق جدّاً نلاحظه كل يوم، هو أن هؤلاء المتأسلمين أصبحوا يولون الاهتمام لإبراز صورة التدين الخارجي- دون أخلاق أو عمل صالح رشيد- وأفرغوا هذا التدين من محتواه، وهدفه، وأثره، وانكشفوا بأنهم مجرد صورة لا تمثل إلا نفسها، ولا ينتمون لروح هذا الدين وسماحته.
وإن السبب وراء استغلال الجماعات الإرهابية للمظهر الإسلامي هو تسويق أفكارهم الظالمة الضالة وتمريرها، كأنهم يمثِّلون أهل السنة والجماعة خاصَّة، وأنهم أهل التوحيد ونقاء العقيدة، وجعلوا أنفسهم أهل الله وخاصته، وحمّلوا هذا المظهر أكثر مما يحتمل، وأساؤوا للإسلام، وشوّهوا تعاليمه، وسرقوا من الأمّة أهم معالمها، هويتها الخارجية، فالتدين الذى ألفناه من الآباء والأجداد يدلك على الله مقاله، وترى سِيماهم في وجوههم من أثر السجود، والاقتداء بأخلاق المتَّقين، وهو مرهون بالسريرة الصالحة، حيثُ إنَّها محطُّ نظر الله عز وجل، وعليها مـدارُ القبـول عنده سبحانه.
كما أن من البلية والبلايا الجمة، أن يتم تزييف الدين على يد أناس لا يمثلون هدي الإسلام ووقاره وكماله، وأن يجري الإمعان في تعميم الأحكام الجارحة أو المشوهة حتى على كلّ مؤمنٍ تقيٍّ نقي، حينما تم استقطاب المظهر الإسلامي لكل أفاك أثيم، وأصبحت ملامح الهوية للتدين وسماً محصوراً للجماعات الإرهابية فقط، كأن هذا الدين لا يوجد فيه ملتزمون بدرجة معتدلين أو متسامحين، يفهمون جوهرُ الدين، فضلاً عما يتعرض له المظهر والزي الإسلامي من الغمز واللمز من الداخل والخارج، في وسائل الإعلام المختلفة، وإن هذا لهو البلاء العظيم .
لا يختلف اثنان على أنّ الفكر الظلامي متجزئ الانتماء، ومتعدّد الولاءات، بعيداً عن كل ما هو متوافق عليه في مجتمعاتنا المسلمة، ولا يمكن فهمه وفق أيّ مرجع ديني يستلهم منه قناعته المريضة، ولا حرج أن يتوارى خلف قناع الأسلمة، وقد أسهم هذا في استعداء وتأليب أطياف المجتمع، بل استزرعوا في النفوس هاجس التصنيف، ويظهر ذلك جليًّا في كثير من الممارسات والتصورات المغلوطة، التي جعلت هوية المسلم وطريقة لباسه وزيه وهيئته جالبة للريبة، باعثة للشك، إلى درجة أن أصبح مصدراً لرهاب اجتماعي، وهنا يبرز سؤال عندما ترى مسلماً على هيئة ملتزم: هل انتماؤه إلى الإسلام بمرتبة متطرف أو متشدد، أو ربما توحي هيئته بأنه من طائفة أو عقيدة ما، أو يمثل تياراً بعينه، أو يحمل ولاء لجماعة، أو يحمل انتماء لحزب ما ..إلخ؟
لا يلام الناس إذا ظهر أقوام من أهل الإسلام أو خارج دائرته تهاجِم الإسلامَ وتحتقر أهلَه؛ لأنهم أظهروا الإرهابيين للعالم بأنهم خاصة أهل الإسلام وصفوته، وهم اتباعه المهتدون، طالما أننا كشعوب إسلامية نقبل أن يكون معيار التدين ومقياسه هو التشبث بالمظهر الخارجي.
لا أدعو هنا إلى مخالفة ما أمر به الله ورسوله من التزام بمعايير الزي الإسلامي التي لا خلاف عليها، ولكنني أدعو إلى الوسطية والاعتدال، فإن هذا الدين يسر.
عن موقع "24"