أحمد دغاغلة
اختلاس مبلغ 92 ألف مليار تومان (3 مليارات دولار)، كشفت عنه لجنة الرقابة في البرلمان الإيراني في تقرير من 300 صفحة تمت الإشارة فيه إلى 1200 مخالفة وفساد مالي خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأكد رئيس لجنة المصانع والمناجم في البرلمان الإيراني أن "المخالفات والفساد في شركة مباركة للصلب واضحة ومؤكدة إذ لا يمكن التشكيك فيها واخفاؤها وهي بمثابة قمة جبل ثلجي ينبئ بالكثير المخبأ تحت مياه تكتم النظام".
مبلغ الاختلاس فاق توقع الشعب الإيراني الذي أنهكه ضنك العيش، فالتضخم والغلاء حطما أرقاماً قياسية لا سيما خلال العام الماضي، وعلى ما يبدو فاقت رقعة الفساد حتى أكثر التنبؤات سوءاً عما يحصل في هذا البلد من نهب وسرقة للمال العام.
فرقم الاختلاس في شركة "مباركة للصلب" يعادل 10 في المئة من اجمالي ايرادات النفط الإيراني خلال العام الماضي، ويساوي اجمالي الدعم الحكومي لكل الإيرانيين خلال عامين، وقد تكون أغرب مقارنة هي لسعيد هليجي الإعلامي الأحوازي الذي غرد بـ "أن العدد المعلن عنه في هذا الاختلاس يعادل ضعفي ما أنفق لبناء برج خليفة في دبي".
وبحسب تقرير لجنة الرقابة تشمل قائمة المتورطين في هذا الاختلاس مكاتب ائمة الجمعة، والحوزات العلمية، ومؤسسة الغدير الدينية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، والحرس الثوري، ولجنة إقامة الصلاة، وحتى الفرق الرياضية وكذلك شركات حكومية موقعة على عقود وهمية.
ويذكر التقرير من بين المتورطين في هذا الاختلاس أسماء عدد من مسؤولي النظام وذويهم ومنهم: محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وعباس آخوندي وزير الطرق والمواصلات السابق ومهدي تاج الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم الإيراني.
وكتبت جريدة "شرق" أنه "ما زال في تقرير لجنة رقابة البرلمان الإيراني عن هذا الاختلاس الكبير الكثير من الإبهام وأن مع مرور الزمان وكثرة التصريحات سيزداد هذا الملف تعقيداً وسيفاجئنا بأنباء صادمة عن عمق الفساد في إيران وحقيقته".
الخصم والحكم
مرشد النظام علي خامنئي لم يدل حتى الساعة بأي تعليق على اختلاس صنّف كأحد أكبر الاختلاسات في تاريخ إيران، وذلك رغم مما عرف عنه من إصرار على إبداء رأيه في كل صغيرة وكبيرة حتى لو كان الأمر يتعلق بنشيد للأطفال أو عدم مراعاة الحجاب من جانب الفتيات.
وشهدت إيران خلال السنوات الماضية أحداثاً مشابهة ومن أهمها الاختلاس الكبير في أهم بنك إيراني (بنك ملي) أو الفساد في "الحرس الثوري" والذي تم الكشف عنه من خلال مقطع صوتي أكدت قيادات الحرس صحته لاحقاً، أو الفساد في مؤسسة "قدس الرضوي" وهي إحدى كبريات المؤسسات في الاقتصاد الإيراني.
والغريب أن في كل الاختلاسات السابقة ذاد خامنئي عن المتهمين مباشرة تارة وبشكل غير مباشر تارة أخرى، إذ سبق وأمر صراحة بالكف عن تداول أنباء الاختلاسات وأكد أن التركيز على فساد مسؤولي النظام هو من صنع غرف فكر الأعداء وأما من يكثر بالحديث في هذا الشأن فهو يسير بعلم أو بغير علم على خطى الأعداء -بحسب تعبيره-.
أما الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي جاء بشعار محاربة الفساد ورغم خلو يده مما يفند الفساد الحاصل في شركة مباركة للصلب، فخرج معلقاً على التفاعل الشعبي مع النبأ وصدمة الرأي العام الإيراني قائلاً: "هناك من يريد تعميم الفساد على كل مفاصل النظام وهذا غير صحيح فالنظام الحاكم في إيران نقي للغاية ولا يمكن نعته بالفساد المتجذر".
خطيئة عابرة أم نهج معتمد؟
بعدما كثرت فضائح الفساد في إيران سعى النظام جاهداً الى أن يبعد من الأذهان وجود الفساد الممنهج في أروقته ليؤكد أن تعدد فضائح الفساد لا يعني تجذره وتحوله إلى منهجية النظام، بل إنها مجرد نوادر قد تحصل في أي بلد آخر. وفي تفنيد مدعى النظام هذا يذكر المحلل السياسي آلان توفيقي بوجود إيران مع دول اخرى في أسفل قائمة النزاهة العالمية حتى أصبح النظام الإيراني لا يعرف سوى بسمتين أساسيتين هما الإرهاب والفساد.
يقول الناشط السياسي بهزاد نبوي إن "الفساد ليس ثغرة أو خطأ عابراً كما يظن البعض بل هو جزء رئيس من سياسات النظام والأمر يتضح أكثر لو علمنا أن 60 في المئة من الاقتصاد الإيراني هو تحت الإشراف المباشر للمرشد ولايخضع لأي رقابة من البرلمان كانت أو من الحكومة".
ومن المراقبين للشأن الإيراني من يعتقد أن لا نية عند قادة النظام أصلاً لمحاربة الفساد رغم علمهم الكامل بما يحصل من عبث في المال العام، يقول الصحافي مهدي مهدوي آزاد: "لو علمنا أن معظم نفقات "الحرس الثوري" وتدخلات إيران الأيديولوجية في دول الجوار تتأمن من خلال هذا الفساد لعلمنا سر كل هذا الإصرار على تغيب الدور الرقابي على الاقتصاد الإيراني".
ويضيف: "ما نشهده بين الحين والآخر من الإعلان عن بعض قضايا الفساد في البلاد هو نتيجة التنافس أو الاصطدام بين شبكات الفساد المتعددة والتي في الأغلب بعد تدخل مرشد النظام او المقربين منه تترك مسكوتاً عنها أو تتم تبرئة المتهمين فيها بعد محاكم صورية، وأما في أسوأ الأحوال فيتم تهريب المتهمين إلى خارج البلاد".
الأسباب والمؤديات
وفي البحث عن الأسباب المؤدية الى هذا الكم الهائل من الفساد المستشري في البلاد، يعتقد أستاذ الاقتصاد علي طيب نيا أن "الاقتصاد الحكومي أثبت فشله في إيران إذ أصبحت الشركة الحكومية في هذا البلد لا تعني سوى سرقة المال العام والرواتب الخارقة للمديرين والمستشارين الوهميين وتوظيف الآف الاشخاص بحسب العلاقات الخاصة والمحسوبية".
ويرى الإعلامي سعيد هليجي في تجميع الثروة والقدرة بيد فئة خاصة دون الفئات والشعوب الأخرى "سبباً رئيساً في ما يحصل من عمليات فساد في إيران ويسند رأيه بالإشارة إلى قائمة الوزراء والمسؤولين، إذ نجد فيها أن الغالبية الساحقة فيها هي من نصيب أبناء المحافظات الفارسية".
ومن بين المحللين للشأن الإيراني هناك من يرى في الاستبداد الديني وغياب الديموقراطية وعدم استقلالية السلطة القضائية وكذلك المؤسسات الرقابية أسباباً رئيسية في تقهقر إيران على كل المستويات، لا سيما في ما تشهده البلاد من تدهور اقتصادي وتكرار فضائح الفساد والاختلاس.
ويعتقد الإعلامي مظفر شكرستاني أنه "لا ينبغي اختصار العوامل المؤدية الى الفساد بالمؤثرات السياسية والفئوية، إذ أن الإعمار والتنمية هما بمثابة ثقافة تطبع المجتمع بآثارها، فوجود هذه الثقافة هو الذي يؤدي الى تشييد برج خليفة -مثلاً- وفي المقابل الاختلاس هو أيضاً ثقافة مجتمعية تنعكس سوءاً فتكون نتيجتها ما نشهده من فساد واختلاس في إيران".
علّة العلل
ويضيف شكرستاني أن "من فرط تكرار أنباء الاختلاس في إيران تحولت هذه الظاهرة إلى حالة مجتمعية طبيعية، إذ لم تعد تثير أي اكتراث شعبي كما أن في الأغلب لم تكن سمة الاختلاس معيبة على مقترفيه، وعلى هذا فلا غرابة في أن نرى أسماء شخصيات حكومية بارزة من كلا الطيفين الإصلاحي والأصولي مندرجة في التقرير الأخير للجنة الرقابة البرلمانية عن الفساد".
وتقول الصحافية مريم شكراني إن "الفساد المتجذر في النظام والذي تكشف ما بين الحين والآخر زوايا منه هو السبب الحقيقي وراء فقر الإيرانيين والذي يجعل الأطفال والشيوخ والنساء منهم يبحثون في النفايات عن لقمة عيشهم كما أن هناك من يعرض أعضاء من جسده للبيع وتشهد حيطان البلد على كثرة هذه الاعلانات. وأما من لا تسد فقره مثل هذه الحلول فما له إلا أن يضرم النار بنفسه، وهذا ما فعله العديد من العمال في الأوانة الأخيرة".
عن "النهار" العربي