إيران في اليمن... هدنة أم حلّ؟

إيران في اليمن... هدنة أم حلّ؟


07/04/2022

خيرالله خيرالله

توجد حاجة يمنيّة أكثر من أيّ وقت الى هدنة وذلك من أجل التخفيف قدر الإمكان من نتائج المأساة الإنسانيّة التي يعيش في ظلّها أحد أفقر البلدان في العالم. توفّر الهدنة، التي تعني بين ما تعنيه توقّف العمليات العسكريّة وإعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة جزئياً، فرصة لاستغلال الوقت من أجل التفكير في ما اذا كان في الإمكان التوصّل الى حلّ سياسي ذي صفة دائمة.

نعم، الحاجة واضحة الى حل سياسي بصيغة جديدة بعيدة من إعادة قيام سلطة مركزيّة في صنعاء. لا بدّ من امتلاك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأنّ الوحدة اليمنيّة، بشكلها السابق، انتهت. انتهت الوحدة مع قبول علي عبدالله صالح المبادرة الخليجية وتخليه عن الرئاسة لنائبه عبد ربّه منصور هادي في شباط (فبراير) 2012. كان مفترضاً في عبد ربّه ان يكون رئيساً لسنتين يتوصل خلالها اليمنيون الى دستور جديد. لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث... بل ثمّة طموح لدى الرئيس الموقت الى أن يكون رئيساً لمدى الحياة وأن يعوض عن كلّ فشل يتسبّب به بفشل أكبر منه!

لا يمكن لأيّ حلّ سياسي يمني قابل للحياة سوى أن يأخذ في الاعتبار أنّ اليمن تشظّى. لا مفرّ من إعادة لملمة لما بقي من اليمن الموحّد بمساعدة دول الجوار، في مقدّمتها الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة. لدى الأعضاء الستة في المجلس مصلحة في إيجاد صيغة سياسية معقولة لمستقبل اليمن في وقت عليها مواجهة تحديات عدّة. في مقدّمة هذه التحديات عدم تفويت "الجمهوريّة الإسلاميّة" الإيرانيّة أي فرصة لتأكيد أنّها صاحبة القرار في شمال اليمن حيث الوجود الحوثي.

بهدنة أو من دون هدنة، بمؤتمر الرياض أو من دون مؤتمر الرياض، سيكون السؤال الذي سيفرض نفسه هل يريد الحوثيون أكثر من هدنة يستغلونها لإعادة ترتيب أوضاعهم الداخليّة... أم يريدون حلّاً؟ لا يمكن لأيّ حلّ دائم في اليمن تجاهل المكوّن الحوثي بصفة كون الحوثيين جزءاً لا يتجزّأ من النسيج اليمني. لكنّ ذلك شيء والرضوخ للحوثيين، أي لإيران، شيء آخر.

مشكور مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة على دفعه في اتجاه عقد مؤتمر الرياض الذي شاركت فيه ما لا يقلّ عن خمسمئة شخصيّة يمنيّة من خلفيات ومناطق مختلفة وغابت عنه "جماعة الحوثيين" (جماعة انصار الله)، أي إيران. لا فائدة تذكر من المؤتمر في غياب ممثلي إيران، اللهمّ إلّا إذا كان الهدف في نهاية المطاف إعادة تشكيل "الشرعيّة" القائمة منذ شباط (فبراير) 2012.

عاجلاً أم آجلاً، سيتبيّن ما إذا كان في الإمكان الذهاب الى أبعد من هدنة في اليمن. تمّ التوصل الى مثل هذه الهدنة بفضل وساطة لسلطنة عُمان والعراق بين المملكة العربيّة السعوديّة من جهة و"الجمهوريّة الإسلاميّة" التي لم تخفِ يوماً أنّها صاحبة القرار عند الحوثيين من جهة أخرى. أكثر من ذلك، أكدت إيران المرّة تلو الأخرى أن الحوثيين مجرّد لواء آخر في "الحرس الثوري" الإيراني، على غرار ما هو عليه "حزب الله" في لبنان وميليشيات مذهبيّة من "الحشد الشعبي" في العراق.

لن يقدّم مؤتمر الرياض ولن يؤخر في غياب إعادة تشكيل لـ"الشرعيّة" بعيداً من الرئيس الموقت و"الإخوان المسلمين" الذين نفّذوا عملياً الانقلاب الذي استهدف علي عبدالله صالح، وهو انقلاب صبّ في مصلحة الحوثيين وإيران.

ستسعى "الجمهوريّة الإسلاميّة" بكل ما تمتلكه من وسائل الى إثبات أنّها شريك في تحديد مستقبل اليمن. تفعل ذلك في لبنان الذي تسيطر عليه كلّياً، كما تحاول أن تفعل ذلك في العراق وسوريا حيث لديها مصلحة في بقاء النظام الاقلّوي برئاسة بشّار الأسد.

تريد إيران هدنة في اليمن، هدنة تسمح للحوثيين بإعادة ترتيب أوضاعهم بعد النكسات العسكرية التي تعرّضوا لها في مأرب وشبوة. كانت وراء هذه النكسات الألوية التابعة لـ"العمالقة"، وهي ألوية في معظمها جنوبيّة. أثبتت هذه الألوية أن هزيمة الحوثيين أمر ممكن لو كانت هناك "شرعيّة" تريد مواجهتهم بالفعل وليس الدخول في مساومات مع هؤلاء.

في كلّ الأحوال، تبقى الهدنة في اليمن أفضل من لا شيء. سيأتي قريباً وقت طرح الأسئلة الكبيرة المحوريّة. من بين هذه الأسئلة، بل أهمّها، هل تقبل إيران بحل سياسي يقوم على صيغة لا مركزيّة لا يكون فيها جزء من اليمن تحت سيطرتها كما الحال الآن؟

في ظلّ موازين القوى القائمة، من المستبعد ذهاب إيران الى أكثر من هدنة تشعر بأن الحوثيين، الذين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري من أي نوع، في حاجة ماسة إليها. أمّا مؤتمر الرياض الذي يرعاه مجلس التعاون، فيظلّ حدثاً عادياً... اللهمّ إلّا إذا لعب دوره في إعادة تشكيل "شرعيّة" فشلت في كل مجال من المجالات ولعبت دوراً محورياً في إيصال الحوثيين الى صنعاء في 21  أيلول (سبتمبر) من العام 2014!

السؤال في اليمن الآن: هدنة تقود الى حلّ وتسوية... أم مجرّد هدنة يريدها الحوثيون لالتقاط أنفاسهم؟ جزء من الجواب أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" لا تترك مناسبة لتأكيد أنّ جزءاً من اليمن قاعدة لصواريخها وطائراتها المسيّرة وأنّ لا حل في اليمن من دون أن تكون شريكاً كاملاً فيه.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية