إيران تتغلغل في حلب... وتغييرات في خارطة السيطرة

إيران تتغلغل في حلب... وتغييرات في خارطة السيطرة

إيران تتغلغل في حلب... وتغييرات في خارطة السيطرة


26/06/2023

تعمل إيران منذ أعوام على توسعة نفوذها في مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا بعد العاصمة دمشق، معتمدة على الكثير من الميليشيات التي باعت ولاءها لإيران، وحملت الأحداث الأخيرة مؤشراً واضحاً أنّ هناك تغييراً في خارطة السيطرة بالمدينة.

وكشفت وسائل إعلام تركية أنّ إيران تستعد الآن للتمركز داخل مدينة حلب التي تنتشر فيها الشرطة العسكرية الروسية، ولا سيّما في الأحياء القديمة التي تمّت السيطرة عليها عام 2017، حيث أرسلت بعض ميليشياتها إلى المنطقة معلنة استعدادها لدخول المدينة في حال سحبت روسيا قواتها.

ونقلت صحيفة (تركيا) عن بعض قادة المعارضة في الشمال السوري المحرر تأكيدهم للتحركات الإيرانية، وقال الرائد (يوسف حمود): إنّ قوات الاحتلال الروسي سحبت العديد من عناصرها من محور حلب، في حين قامت طهران بإرسال الميليشيات الشيعية التابعة لها إلى المنطقة.

وأكد حمود أنّ الميليشيات الإيرانية أعلنت أنّهم سيدخلون حلب، في حين وجهت طهران ميليشياتها الشيعية المتمركزة في العاصمة دمشق ومدن حمص ودير الزور والقنيطرة إلى حلب.

وأشار الرائد في الجيش الوطني، في تصريح لشبكة (أورينت)، إلى أنّ التحركات الأخيرة تزامنت مع زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى سوريا، وما تلاه من بدء نشاط ملحوظ في المنطقة من قبل الميليشيات الشيعية.

تعمل إيران منذ أعوام على توسعة نفوذها في مدينة حلب

وعند الحديث عن المخطط الإيراني في حلب، لا بدّ من الإشارة الى الميليشيات والعشائر التي تعتبر مفتاح هيمنتها على المنطقة.

ودعت القنصلية الإيرانية بحلب في وقت سابق من الشهر الجاري إلى اجتماع موسّع ضمَّ قادة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، وحضر الاجتماع الذي تخلّلته وليمة غداء في مقر القنصلية وسط مدينة حلب كل من زعيم لواء الباقر خالد المرعي، وزعيم لواء دوشكا –المكوّن من أفراد عشيرة العساسنة- خالد حسن الحمادة، بالإضافة إلى الحاج جاسم بري زعيم لواء زين العابدين التابع لعشيرة آل بري.

إيران تستعد الآن للتمركز داخل مدينة حلب التي تنتشر فيها الشرطة العسكرية الروسية، ولا سيّما في الأحياء القديمة التي تمت السيطرة عليها عام 2017

 

هذا، بالإضافة إلى حضور ممثلين وقادة ميليشيات نبل والزهراء وفيلق "المدافعين عن حلب"، ومسؤولي القطعات والثكنات التدريبية التي يديرها قادة في "حزب الله" اللبناني في ريفَي حلب الشمالي والجنوبي.

ووفق موقع (نون بوست)، فإنّ الهدف من الاجتماع هو وضع قادة الميليشيات في صورة التطورات السياسية والعسكرية، وبحث عمليات إعادة الانتشار والتوسع، وربما ملامح المرحلة المقبلة، واحتمالات التصعيد الميداني والتغيرات المحتملة على خارطة السيطرة شمالي سوريا.

وكان واضحاً أثناء استقبال القنصل الإيراني بحلب الحاج سليمان لقادة الميليشيات اهتمامه المبالغ فيه بزعيم لواء الباقر خالد المرعي، الذي عاد لتوّه من مناطق شرقي إدلب، بعدما اجتمع مع عدد من وجهاء وشيوخ عشائر قبيلة البكارة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

طهران توجه ميليشياتها الشيعية المتمركزة في العاصمة دمشق ومدن حمص ودير الزور والقنيطرة للذهاب إلى حلب والتمركز فيها

 

ولا ترجع المكانة الخاصة التي يحظى بها المرعي لدى الإيرانيين إلى كون تشكيله الأكبر بين التشكيلات المسلحة المدعومة من إيران في حلب، بل بسبب نجاحه أيضاً في عدة ملفات بدأ العمل عليها منذ بداية عام 2023، أهمها تصفير الخلافات (مصالحات داخلية) مع باقي التشكيلات العشائرية المسلحة، وإسهامه في تطبيق سياسات التغلغل الإيرانية على مختلف الصعد الدينية والثقافية، ودعمه للأنشطة وتوسيعها.

ولعلّ اجتماع المصالحة الذي رعته عشيرة آل بري في حي باب النيرب بين عشائر قبيلتَي البكارة والعساسنة بداية عام 2023، قد أسّس بالفعل لمرحلة جديدة من العلاقة بين العشائر الـ (3) في حلب، وكانت المصالحة أشبه باعتراف ضمني بهيمنة الباقر على المشهد العشائري المسلح في حلب، وهو ما بدا واضحاً في تحركات زعامة التشكيل، والتوسع بشكل لافت في عمليات الانتشار وزيادة الأعداد والعتاد الحربي.

دعت القنصلية الإيرانية بحلب في وقت سابق من الشهر الجاري إلى اجتماع موسّع ضمَّ قادة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران

ومن بوابة العشائر، يبدو أنّ الميليشيات الإيرانية قد بدأت التغلغل في ريف إدلب الشرقي (المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد في محافظة إدلب بين عامَي 2019 و2020)، ويقود التحرك زعيم لواء الباقر في حلب خالد المرعي، وشقيقه عمر العضو في مجلس الشعب.

ويأتي تحرك لواء الباقر في مناطق شرق إدلب، بعدما نفّذت الميليشيات الإيرانية خلال الشهرَين الماضيَين عمليات إعادة انتشار، حازت من خلالها على نقاط وانتشار أوسع وصل إلى الجبهات الجنوبية (كفرنبل ومعرة حرمة)، وصولاً إلى سهل الغاب.

التحركات الأخيرة تزامنت مع زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى سوريا، وما تلاه من بدء نشاط ملحوظ في المنطقة من قبل الميليشيات الشيعية

 

ورفعت الميليشيات العلم الإيراني في بعض النقاط، ومنها مواقعها في بلدة معرة حرمة، كما سبق النشاط المستجدّ تحركات إيرانية في المنطقة، وزيارات أجراها ممثلو جمعيات خيرية إيرانية وعراقية التقوا بعدد من الأهالي والوجهاء وشيوخ العشائر، في الفترة ما بعد الزلزال الذي ضرب مناطق الشمال السوري أوائل شباط (فبراير) الماضي.

وكشف الحدث المأساوي المدمر الذي ضرب الشمال السوري حجم تغلغل إيران، والميليشيات المدعومة منها، في حلب، والتي كانت إضافة إلى مدينة اللاذقية على الساحل السوري أبرز مدينتين تأثرتا بالزلزال ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

وبعد وقوع الزلزال مباشرة، شهدت المدينة حضوراً قوياً لإيران والميليشيات الموالية لها، لا سيّما (الحشد الشعبي) العراقي، سواء على صعيد رفع الأنقاض وإيواء المتضررين، أو تسلم وتوزيع المساعدات عليهم، وهو ما فسره مراقبون نقلت عنهم وكالة "فرانس برس" بمحاولة من تلك الميليشيات لتبييض صفحتها السوداء بعد مشاركتها في الحرب السورية خلال الأعوام الـ (10) الماضية، إضافة إلى وجود منافسة مع النظام للسيطرة على المدينة الحيوية، والتي تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد.

القنصل الإيراني في حلب سلمان نواب نوري

ومنذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال في 6 شباط (فبراير) الماضي، كان القنصل الإيراني في حلب سلمان نواب نوري يتفقد الأحياء المتضررة، وصوّرته وسائل إعلام وهو يشرف على توزيع مجموعات الإنقاذ والآليات الثقيلة على المواقع المنكوبة لانتشال العالقين تحت الأنقاض، في غياب مسؤولي المدينة التابعين للنظام الذين تأخر وصولهم.

القنصلية الإيرانية تدعو إلى اجتماع موسّع زعماء لواء الباقر، ولواء دوشكا، ولواء زين العابدين، وممثلين عن ميليشيات نبل والزهراء وفيلق "المدافعين عن حلب" وحزب الله اللبناني

 

 كما استنفر القنصل الميليشيات المرابطة في المدينة وضواحيها، والتي استقدمت معها آلياتها للمساهمة في عمليات رفع الأنقاض، وفي اليوم الثالث لوقوع الزلزال وصل قائد (فيلق القدس) في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى المدينة، وقام بجولة برفقة القنصل وعدد من قادة الميليشيات في الأحياء المتضررة شرقي المدينة.

وافتتح قاآني مركزين للإيواء؛ واحد في جامع النقطة، وآخر قرب القنصلية الإيرانية في حلب. وذكرت القنصلية أنّها أقامت خياماً للإقامة الطارئة للمنكوبين، قبل أن يتم إنشاء مراكز أخرى في وقت لاحق.

وبعد زيارة قاآني، تضاعف النشاط الإيراني في المدينة، وامتد ليشمل استلام المساعدات الواصلة إليها عبر مطار حلب من جانب عناصر الميليشيات، ومن ثم توزيعها على القاطنين في مراكز الإيواء، مع تصوير المسؤولين التابعين للنظام، الذين تولوا توزيع بعض المساعدات الأخرى، بأنّهم فاسدون، ويقومون بسرقة معظمها.

الاجتماع بحث عمليات إعادة الانتشار والتوسع، واحتمالات التصعيد الميداني والتغيرات المحتملة على خارطة السيطرة شمالي سوريا

 

وإلى جانب الحضور الإيراني المباشر، أو عبر الميليشيات، كان هناك حضور لافت أيضاً لـ (الحشد الشعبي) العراقي المقرّب من طهران، الذي ساهم في إدارة عمليات الإغاثة، خصوصاً بعد وصول رئيس أركان (الحشد) عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) إلى المدينة، تزامناً مع وصول الرئيس بشار الأسد، حيث تبادلا الحديث كما ظهر في وسائل الإعلام.

ونشطت بعض الميليشيات العراقية أو السورية المدعومة من إيران مثل (لواء الإمام الباقر)، و(لواء زين العابدين)، في تقديم المساعدات أمام عدسات وسائل الإعلام، وسط اتهامات لـ (لواء الباقر) بسرقة المساعدات، وأنّه يوزع فقط كمية قليلة من الكميات الكبيرة التي خزنها في مستودعاته.

بعد زيارة قاآني تضاعف النشاط الإيراني في المدينة

ولم تستغل إيران الزلزال من هذه الناحية فقط للتغلغل في المجتمع الحلبي، بل استغلته لنقل الأسلحة لميليشياتها في تلك المدينة، وقد أفادت تقارير إعلامية نقلتها وكالة (رويترز)، نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي، أنّ إيران نقلت أسلحة ومعدات عسكرية إلى سوريا على متن رحلات جوية نقلت مساعدات إنسانية بعد الزلزال المدمر في شباط (فبراير).

بعد الزلزال، شهدت حلب حضوراً قوياً لإيران والميليشيات الموالية لها، سواء على صعيد رفع الأنقاض وإيواء المتضررين، أو تسلم وتوزيع المساعدات عليهم

 

وقالت (9) مصادر سورية وإيرانية وغربية للوكالة: إنّ السلاح يهدف إلى "دعم الدفاعات الإيرانية ضد إسرائيل في سوريا"، وكذلك لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، الحليف الرئيسي لطهران.

وقال التقرير: إنّ المعدات تضمنت معدات اتصالات متطورة وبطاريات رادار، بالإضافة إلى قطع غيار مطلوبة لتحديث نظام الدفاع الجوي السوري الذي قدّمته طهران.

مواضيع ذات صلة:

عودة سوريا إلى الجامعة العربية والتقارب مع تركيا... الإخوان يعيشون أسوأ أيامهم

الإخوان في سوريا: إدانة العرب والتبرير لتركيا

توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية