إيران... انتفاضات داخلية مسكوت عنها

إيران... انتفاضات داخلية مسكوت عنها

إيران... انتفاضات داخلية مسكوت عنها


06/08/2023

رغم الجهود المكثفة التي تبذلها القيادة الإيرانية للحيلولة دون إطلاع الرأي العام المحلي  والخارجي على حقيقة ما يجري داخل إيران على كافة الصعد، وخاصة التحركات الشعبية التي تستند لمرجعيات الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية، رغم أنّها غير بعيدة عن "مذهبية" و"اثنية"، في مختلف محافظات الجمهورية الإسلامية، إلّا أنّ تسريبات النشطاء حول مظاهرات في مناطق الأحواز ومناطق الأكراد أو البلوش والأذريين، وحتى في مناطق تنتمي عرقيّاً للفرس والمذهب الشيعي، تؤكد أنّ تلك الحراكات ما زالت قائمة وبمستويات ومرجعيات مختلفة، لكنّ قاسمها المشترك هو المرجعية الاقتصادية والتمييز على أساس العرق أو الدين والمذهب، فتداعيات الأوضاع الاقتصادية وضغوطاتها على الشعوب الإيرانية تتفاقم بالتزامن مع عدم القناعة بأنّ الأوضاع مرتبطة فقط بالعقوبات الأمريكية التي يفرضها "الشيطان الأكبر/ أمريكا وقوى الاستبداد العالمي"، في ظل قائمة طويلة من قضايا فساد تنخر مؤسسات الدولة، لا سيّما في أوساط الحرس الثوري ومؤسساته التي تسيطر على غالبية المفاصل الاقتصادية، بما فيها النفط، والدعم الذي تقدمه القيادة الإيرانية لحلفائها ووكلائها في الإقليم "العراق وسوريا وحزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي وحماس في غزة، إضافة إلى الحوثيين في اليمن". 

تسريبات من مصادر مستقلة تؤكد أنّ مناطق بلوشستان جنوب شرق إيران، ذات الغالبية السنّية، تشهد انتفاضات جديدة متواصلة تتخذ أشكالاً سلمية عبر مسيرات تجوب شوارع المدن والبلدات، وأخرى تتخذ شكلاً عسكرياً يستهدف قوات الأمن الإيرانية، عبر هجمات يشنها مقاتلون من البلوش ضد دوريات إيرانية، ويتم التكتم من قبل السلطات الإيرانية عن أعداد القتلى، إلّا بما يخدم الرواية الإيرانية، التي تركز على الربط بين الاحتجاجات والعمليات التي تنسب إلى ما يعرف بـ (جيش العدل) الذي يضم مجاميع سنّية تنتمي إلى طائفة البلوش السنّية الممتدة إلى أفغانستان وباكستان، وهو اتهام يسهل للقيادة الإيرانية التغطية على الأسباب الحقيقية للانتفاضات في مناطق تتعرض للتهميش والتمييز المستهدف والمبرمج، وهو ما زاد نسب الفقر والبطالة في هذه المناطق، رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشمل كافة المحافظات الإيرانية، إذ تظهر إحصاءات رسمية إيرانية أنّ أكثر من (50%) من سكان هذه المناطق البالغ (3) ملايين تحت خط الفقر، وتصل نسب البطالة إلى أكثر من (60%) بين القوى العاملة.

مناطق بلوشستان جنوب شرق إيران، ذات الغالبية السنّية، تشهد انتفاضات جديدة متواصلة

ورغم الإجراءات الأمنية التي شملت اعتقالات وإعدامات واسعة لقيادات الانتفاضات الإيرانية في مناطق السنّة ومنها بلوشستان، وقادة (جيش العدل) من قبل السلطات الإيرانية، وأثرت في قدرة هذا الجيش على تنفيذ عمليات نوعية، إلّا أنّ قدرته الجديدة على تنفيذ عمليات واستعادته بعض مظاهر قوته في الإقليم، غير معزولة عن الانتفاضة الواسعة التي شهدتها إيران بعد مقتل الفتاة الكردية (مهسا أميني) من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، تلك الانتفاضة التي بدأت ردّاً على اغتيال أميني، لكنّها سرعان ما تحولت إلى انتفاضة حقوقية وضد الفساد والجوع والاستبداد، وهو شأن تاريخ الحراكات الجماهيرية، يضاف إلى ذلك أنّ القيادة الإيرانية، بعد تصفية قيادات (جيش العدل)، لم تقدم على خطوات بديلة في مشاريع تنمية تردّ فيها على مزاعم التمييز، بل أمعنت في إجراءات أكثر استبداداً ضد السنّة البلوش وإعدامات جديدة ومتواصلة على خلفية تجارة وتهريب المخدرات، غير أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتمكّن طالبان من فرض سيطرتها ، وبدء احتكاكات حدودية بين أفغانستان وإيران، ومعارك صغيرة متبادلة على الحدود، أسهم فيما يبدو بتشكيل رافعة جديدة لدى القبائل البلوشية في جنوب شرق إيران، وهو ما تؤكده اتهامات إيرانية لباكستان بإيواء ودعم مقاتلي (جيش العدل)، وأنّ هجمات هذا الجيش تنطلق من باكستان.    

إيران تجني نتائج سياساتها المذهبية، التي صاغت صراعاتها وعلاقاتها مع جيرانها وفي الإقليم على أساس تقسيمات "اثنية" وأخرى مذهبية

 

 ورغم أنّ الحدود الإيرانية تعيش اضطرابات متعددة مرتبطة بالتمييز، خاصة بالنسبة إلى السنّة الأكراد في شمال غرب البلاد، والأحواز العرب في جنوب غرب إيران، والطاجيك الشيعة في شمال إيران، بالإضافة إلى البلوش السنّة في جنوب شرق إيران، إلّا أنّ المساحة التي تشكلها بلوشستان بوصفها المحافظة الثانية في إيران، ثم موقعها الجغرافي بإطلالتها على خليج سلطنة عُمان، وارتباطها بحدود مع دولتين سنّيتين وهما: باكستان وأفغانستان، يجعل أيّ انتفاضات في هذا الإقليم ترتب على القيادة الإيرانية محاذير عميقة في ردّ الفعل، وكيفية التعاطي مع السكان، لا سيّما تغيرات شهدها الإقليم بعد الصدامات العسكرية مع طالبان، والشكوك المتبادلة مع باكستان، والاتهامات التي توجهها القيادة الإيرانية بدعم كابل وإسلام آباد للسنّة البلوش في باكستان.

وبالخلاصة؛ قد تنجح القيادة الإيرانية في إخماد الانتفاضات المتكررة والمتواصلة التي تشهدها بعض المحافظات، لا سيّما باستخدام مقاربة مكافحة الإرهاب السنّي، كما هو الحال في بلوشستان والأحواز ومناطق كردستان الإيرانية، إلّا أنّ ذلك لا يخفي حقيقة أنّ إيران تجني نتائج سياساتها المذهبية، التي صاغت صراعاتها وعلاقاتها مع جيرانها وفي الإقليم على أساس تقسيمات "اثنية" وأخرى مذهبية بين "شيعة تمكنوا من الحكم، وسنّة عليهم دفع الثمن"، وهي مقاربات سببت لإيران خسائر ووضعتها في دائرة شكوك، ولا يرجح أنّ أيّ قيادة في باكستان أو أفغانستان قادرة على منع البلوش في أراضيها من دعم "إخوانهم" بلوش إيران، وهم يتعرضون للتعذيب والتهميش، فقط على خلفية عرقيتهم ومذهبهم السنّي، وهو ما يرجح معه أن يشهد الإقليم مزيداً من الانتفاضات التي تجاوز مرجعياتها مقاربات الإرهاب، مهما جهدت الماكينة الإعلامية الإيرانية في إشاعة أنّها تقاوم حركات إرهابية، لا تؤيدها نسب الفقر والبطالة والاستبداد الممنهج والمدروس.

مواضيع ذات صلة:

القاعدة وإيران... علاقات متجددة وأهداف مشتركة

إيران تُعدم 11 شخصاً من البلوش خلال يومين... لماذا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية