إن خسر أمريكا فمع من سيتلاعب نتنياهو؟

إن خسر أمريكا فمع من سيتلاعب نتنياهو؟

إن خسر أمريكا فمع من سيتلاعب نتنياهو؟


15/02/2024

سمير التقي

 كثيرة وكبيرة هي الدروس التي يترتب على نتنياهو تعلمها من كارثته في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). 

دولياً، لطالما تصرف نتنياهو كما لو أن السياسة الأمريكية في جيبه، ليقفز منها على حبال العلاقات الدولية مع روسيا والصين إلخ... وفي الإقليم، تصرف وكأن إسرائيل تنتمي إلى الفضاء الخارجي. أما ذلك "الرعاع" المحيط، فيمكن إخضاعه بالقوة أو باتفاقات الحد الأدنى من السلام، مع سلطات الجوار، وليس مع دوله ولا مع شعوبها، متوافقاً في ذلك تماماً مع قوى التطرف الإسلامي في الإقليم التي تراهن على تأبيد الحرب الأهلية الإقليمية.

مجمل هذا المنطق ينهار الآن، ويهدد كل ما حققته إسرائيل في سبعة عقود. 

في شباط (فبراير) 2009، وقبل أن يبرد المقعد الذي جلس عليه خالد مشعل في وزارة الخارجية الروسية، جلس المواطن السوفياتي السابق، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. كانت موسكو الوسيط المفضل بين "حماس" وإسرائيل، كما كانت الوسيط المفضل بين إيران وإسرائيل. في حينه اعتبرت وثائق ويكيليكس، أن لافروف خاطب ليبرمان كواحد "منهم". وسرعان ما أشرك ليبرمان نتنياهو معه. وسواء من تحت الطاولة أم من فوقها، اندفع نتنياهو في "كيميائه الحقيقية" مع بوتين. 

الأهم، أن نتنياهو لم يكن ليخفي رغبته في أن تكون روسيا قطباً يوازن به ضغوط حليفه التقليدي في واشنطن. 

وفي حينه، أشار ديمتري ترينين إلى أنه "بالنسبة إلى الأجهزة العسكرية والأمنية (الروسية)، أصبحت إسرائيل نموذجاً للكفاءة والتصميم" و"يشترك السياسيون والجنرالات الروس والإسرائيليون في النظرة الواقعية إلى العالم". فمن جهة توافق روسيا على ضرب إسرائيل للقوات الإيرانية، لكنها لا تسمح بأن يؤدي ذلك إلى زعزعة الدور الإيراني الحيوي لدعم النظام السوري. وبحسب رونين هوفمان وأيزنكوت، فإن أقل ما يقال في موقف إسرائيل، إنها لا تجد في الدعم الإيراني للأسد أي تهديد لها. 

وبالفعل، ساهمت روسيا في جلسات حوار "مثمر" في عدد من الجمهوريات السوفياتية بين إسرائيل وإيران. وبدورها، عملت حكومة نتنياهو على الترويج في واشنطن للسياسات الروسية في الشرق الأوسط. وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، تواصل نتنياهو وبوتين 485 مرة على الأقل. وقد اعتاد نتنياهو التعبير عن أسفه لضعف روسيا الاستراتيجي. 

في فترات استرخائه الظافرية، وبحسب وكالات الأنباء، بلغ غرور نتنياهو أن يتساءل عند خروجه من الكنيست بعد خسارته التصويت لمصلحة حكومة بينيت-لابيد، "عمن سيقف في وجه الولايات المتحدة من بعده هو". 

ذلك أنه حتى ترامب، لم يكن مفيداً بما يكفي لنتنياهو. فلقد اتهم ترامب مراراً اليهود الأميركيين الذين يصوتون للديموقراطيين، بأنهم "غير مخلصين للشعب اليهودي وغير مخلصين لإسرائيل"، مؤججاً بذلك معاداة السامية، ومهدداً بدق إسفين في رعاية الحزبين للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية. في حقيقة الأمر لم يؤد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، من دون خطة عسكرية ضد إيران، ومن دون دبلوماسية بديلة لإحباط ركضها نحو السلاح النووي، إلا لتسريع تقدمها نحو القنبلة. 

ورغم ذلك استمر نتنياهو في التصرف كما لو أن ترامب منحه تفويضاً دولياً بشطب القضية الفلسطينية. 

ذلك أن قلب نتنياهو في مكان آخر. فحين غزا بوتين أوكرنيا، بلد غولدا مئير، المشحون بالذكريات الأكثر إيلاماً للهولوكوست، بلغ ارتباك نتنياهو حد البؤس، وتمطت ساقاه طويلاً في القفز بين الحبال الروسية والأمريكية. وصب المزيد من الزيت على العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية المشدودة أصلاً، سواء تجاه العلاقات الجينية التي جرب نتنياهو عقدها مع روسيا، أم بخصوص سياسته بدفع الإقليم نحو الانفجار. 

في السابع من تشرين الأول وفي لحظة خوف على وجود الدولة العبرية، انتفضت الولايات المتحدة والغرب لإنقاذها، وهذا أمر متوقع تماماً. لكن أمام استمرار نتنياهو في هوسه الدموي، فضل بايدن احتضان نتنياهو في العلن، والسعي للجم جموحه من تحت الطاولة، وظن بايدن أن ذلك سيمنحه نفوذاً أكبر مما لو اتبع نهج مواجهة نتنياهو. 

ورغم أن هذا المنهج أسفر عن بعض النتائج، مثل فتح المساعدات ولجم جموح نتنياهو نحو "حزب الله"، إلا أن الهوة بين بايدن ونتنياهو لم تكن أقل حدة. فالغطاء الذي قدمه بايدن لذلك الحجم الهائل من الإبادة والدمار، لم يكن كافياً لشهية نتنياهو، ليقف نتنياهو عارياً، في ما ينويه من ترانسفير للفلسطينيين، وفي غطرسته على الجوار الإقليمي، بل على أميركا ذاتها. ليستحيل على إدارة بايدن النظر إليه كحليف.

أما روسيا فيا ويلها. بعدما تداعت على التوالي رهانات بوتين على تفكيك التحالف الغربي، من أنقرة إلى القدس، لم يكتف بوتين مرغماً بتقطيع الحبال التي كان يراقصها نتنياهو، بل لم يعد بإمكان بوتين توفير منصة لنتنياهو، ليوازن منها موقفه في وجه أميركا. 

لكن، فيما تنفك الولايات المتحدة عن الإقليم، فإن أكثر ما تحتاجه هو استقرار يثَبِّت تحالفاتها. لذلك تصبح سياسات نتنياهو أكبر تهديد لتحالفات أميركا في الإقليم. ومع استمرار القتال وتفاقم الفجوة مع الإدارة الأمريكية، يستميت نتنياهو للإفلات من استحقاقات مشكلاته الداخلية، ويستميت للإفلات من استحقاقات تسوية الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية. بل يعلن في 11 كانون الأول (ديسمبر)، أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست "أن أي شخص لا يستطيع الصمود أمام الضغوط الأميركية، يجب ألا يدخل مكتب رئيس الوزراء". لذلك لا يبدو أن نتنياهو سيتوقف عن بهلوانياته الاستراتيجية. 

لم تعد أميركا ورقة مضمونة في جيب نتنياهو. إنها تتحول بعمق وتتمايز ديموغرافياً وسياسياً وتتبدل فيها الأجيال. ولعل بايدن يكون آخر رئيس ديموقراطي يتمتع بأوراق اعتماد مؤيدة لإسرائيل لا تشوبها شائبة. وكما تحولت أوروبا ضد إرثها الاستعماري في السبعينات، تتحول أميركا لتصبح أكثر حساسية لقضية المساواة والعدالة وأكثر حساسية للوقوف ضد "حليف" دموي مثل نتنياهو. بل يعترف بايدن نفسه في 12 كانون الأول، بأن "إسرائيل "بدأت تفقد" دعمها". وتدعو هاريس إلى اتباع خط "أكثر صرامة" في التعامل مع نتنياهو. يجب أن يشكل هذا التحول مصدر قلق لنتنياهو. فتحول كهذا لا تجهضه التوظيفات الفلكية في شركات الميديا والذكاء الصناعي، ولا في حملات العلاقات العامة. 

فهل يتمنى نتنياهو أن يتداعى الموقف الأمريكي ضد روسيا بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، ليذهب الغزو الروسي لأوكرانيا كسحابة صيف، ويتبدد حل الدولتين، ويعود التوكيل الأمريكي لروسيا في الشرق الأوسط، وتعود المياه إلى مجاريها؟ 

خطوات إسرائيل المقبلة ستصنع الفرق بين تأبيد العنف والقتل والمخاطر الأمنية المتفاقمة، والتقدم نحو السلام.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية