الإمارات تُطفئ عقدين من الصراع بين إريتريا وإثيوبيا
احتضنت العاصمة الإماراتية أبوظبي اليوم، قمة ثلاثية بين إريتريا وإثيوبيا والإمارات. وقد أكدت أبوظبي دعمها "كل جهد يستهدف تحقيق السلام". وعقد ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، اجتماعاً مع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، والرئيس الإريتري، إسياس أفورقي.
واستقبل الشيخ محمد بن زايد الزعيمين في العاصمة أبوظبي، وذلك بعد أكثر من أسبوع على توصل إثيوبيا وإريتريا إلى حل للنزاع العسكري بينهما. وأكد الشيخ محمد بن زايد أنّ الإمارات تدعم كل جهد يستهدف تحقيق السلام والأمن والاستقرار في أي بقعة بالعالم.
اقرأ أيضاً: لماذا تأخرت المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا عشرين عاماً؟
وبمساعدة الإمارات البلدين الأفريقييْن على إنهاء عشرين عاماً من القطيعة والصراع بينهما فإنّ الخبراء يشيرون إلى أنّ ذلك سيترك أثراً مُهماً في مجالات مكافحة الإرهاب، وتصاعد عجلة التنمية في منطقة القرن الأفريقي، وتعزيز فرص التكامل بين بلدانها، إلى جانب ترسيخ الحضور العربي في تلك المنطقة الإستراتيجية.
نهاية "حالة الحرب"
وقد منح رئيس دولة الإمارات، الشيخ خليفة بن زايد، "وسام زايد"، لرئيس إريتريا ورئيس وزراء إثيوبيا تقديراً لجهودهما في إطلاق مسيرة السلام بين بلديهما، فيما قلدهما الشيخ محمد بن زايد الوسام في مراسم استقبال رسمية بالعاصمة أبوظبي.
وكان رئيس وزراء إثيوبيا ورئيس إريتريا وقّعا اتفاقاً تاريخياً في أسمرة في وقت سابق من الشهر الحالي لإعلان نهاية "حالة الحرب" بين البلدين، التي كانت واحدة من أطول الأزمات العسكرية في أفريقيا.
محددات الموقف الإماراتي
ومنذ فترة نشطت دولة الإمارات في اتجاه تقريب وجهات النظر بين إثيوبيا وإريتريا، مستغلة طموح القياديتين في البلدين الإفريقيين إلى إنهاء الصراعات فيما بينهما؛ لا سيما بعد تصريحات مشجعة كان قد أدلى بها رئيس الوزراء الإثيوبي المعتدل، آبي أحمد، في الخامس من حزيران (يونيو) الماضي حول نيّته التنازل عن منطقة بادمي الحدودية لصالح إريتريا. وإلى جانب الإمارات تقف المملكة العربية السعودية، التي استضافت أمس في مدينة جدة جلسة مباحثات بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الإريتري آسياس أفورقي، قبل أن يغادر الأخير إلى أبوظبي لحضور القمة الثلاثية.
ويمكن الحديث عن جملة من المحددات التي يرتكز إليها الموقفان الإماراتي والسعودي في هذا الملف ومنها:
1. أن من شأن المصالحة الإريترية-الإثيوبية إحداث تحولات أساسية مهمة في منطقة القرن الأفريقي المطلة على باب المندب.
2. أن دور الدبلوماسية الإماراتية الأساسي في التقريب بين أديس أبابا وأسمرة إنما هو حلقة أساسية وجزء أساسي من ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية القائم على دعم جهود ترسيخ الأمن والاستقرار وتشجيع الحلول الدبلوماسية في المنطقة.
الرياض وأبوظبي تعتبران المصالحة بين أديس أبابا وأسمرة دعماً جوهرياً لحماية الأمن القومي العربي
3. أن الرياض وأبوظبي تعتبران المصالحة بين أديس أبابا وأسمرة دعماً جوهرياً للتكامل العربي وحماية الأمن القومي العربي، حيث إنّ التحرك العربي في القرن الأفريقي، وتحديداً باتجاه أديس أبابا التي تخوض مع القاهرة مفاوضات صعبة للغاية بشأن سد النهضة، يستوجب عملاً دبلوماسياً رصيناً يحقق لأمن مصر والعالم العربي شكلاً مستقراً ينهي أي تهديدات محتملة قد تخلقها قوى إقليمية من مصلحتها عدم فضّ الاشتباك الحاصل في المفاوضات المصرية-الإثيوبية. وقد انتبهت الدبلوماسية الإماراتية لهذا الأمر، فسعت عبر بوابة الاقتصاد إلى محاولة تقديم مقاربة تكون محصلتها بعيدة عن المعادلات الصفرية التي كانت تحكم مواقف الأطراف المتنازعة سواء في إثيوبيا وإريتريا من جهة، أو بين مصر وإثيوبيا من جهة أخرى.
تطور جيوسياسي
وكان الباحث تيمور خان قد أشار في تحليل نشره معهد دول الخليج العربية في واشنطن (13/7/2018) إلى أنّ التطبيع بين إثيوبيا وإريتريا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والأمن في وقت تريد فيه واشنطن من شركائها تحمل المزيد من العبء، بصرف النظر عن انخراط المسؤولين الأمريكيين في الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا منذ كانون الثاني (يناير) على الأقل، قبل تولي آبي أحمد منصبه رئيساً للوزراء في إثيوبيا.
من شأن المصالحة إحداث تحولات أساسية مهمة في منطقة القرن الأفريقي المطلة على باب المندب
وأضاف خان: من المرجح أنّ الإمارات العربية المتحدة كانت تقود جهود الوساطة، وأصبح دورها أكثر وضوحاً في المراحل النهائية من التقارب بين إثيوبيا وإريتريا. ففي 15 حزيران (يونيو) الماضي، وبعد 10 أيام من إعلان آبي أن إثيوبيا ستلتزم اتفاقية الحدود لعام 2002 بقبول السيادة الإريترية على بادمي، قام ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ومعه وفد رفيع المستوى، بزيارة إلى أديس أبابا للقاء آبي أحمد في لحظة مهمة من طرح رئيس الوزراء للإصلاح. وأعلن البلدان أنّ الإمارات ستضخ مليار دولار في البنك المركزي في إثيوبيا من أجل المساعدة على استقرار احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية، وتقديم ملياري دولار من المساعدات الإضافية. كما ناقش الزعيمان الاستثمار الإماراتي في إثيوبيا كخصخصة لاقتصادها. ثم في التاسع من تموز (يوليو) الجاري، احتضنت أسمرة كلاً من آبي أحمد وأفورقي لتعزيز اتفاقية سلام تاريخية والتعهد بزيادة التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي.
دور الإمارات في التقريب بين أديس أبابا وأسمرة هو جزء أساسي من ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية
ويتابع خان تحليله بالقول: "على الرغم من التحديات التي لا يمكن إنكارها قُدُماً، فإنّ السلام المفاجئ بين إثيوبيا وإريتريا هو تطور جيوسياسي إيجابي جلب أملاً فورياً لأغلبية شعبي البلدين، ورحبت به كل دول الجوار في القرن الأفريقي، وهي المنطقة التي كانت ولا تزال أكثر ما يميزها هو نزاعاتها ومعاناتها الإنسانية. وقد عمل الدور الخليجي المتنامي في القرن الأفريقي على مدى السنوات الثلاث الماضية على زيادة الريبة. لكن التطورات بين إثيوبيا وإريتريا توضح الدور القيّم الذي يمكن أن تلعبه الجهات الخليجية الفاعلة التي لديها حصص طويلة الأمد في المنطقة في مساعدة حتى الذين يبدو أنهم ألد الأعداء لتحقيق مصالح مشتركة.
مباراة ودية تاريخية
وفي سياق الأجواء المتفائلة التي خلقتها المصالحة، توصل الاتحادان الإثيوبي والإريتري لكرة القدم إلى خوض مباراة ودية دولية تاريخية بين منتخبي البلدين في أغسطس (آب) المقبل. وتعد هذه المباراة تاريخية؛ إذ تجنب البلدان اللعب ضد بعضهما البعض منذ الحرب الحدودية التي اندلعت بينهما في عام 1998.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إنّ العاصمة الإريترية "أسمرة" ستحتضن المباراة دون تحديد اليوم حتى الآن. وأضافت أن أبراهام مبراتو، المدير الفني للمنتخب الإثيوبي، أبدى سعادته بالمباراة، معتبرها استعداداً قوياً لمواجهة سيراليون في أيلول (سبتمبر) المقبل بتصفيات أمم أفريقيا 2019.
اقرأ أيضاً: دور الإمارات في تسريع المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا
يذكر أنّ البلدين رفضا رفضاً قاطعاً مواجهة بعضهما منذ اندلاع الحرب، ووصل الأمر إلى المنافسات الرسمية التي كانت تستضيفها إحدى الدولتين.
انفراجة
تجدر الإشارة إلى أنّ إريتريا انفصلت عن إثيوبيا إثر استفتاء أجري عام 1993، وبعد ذلك انخرطت الدولتان في حرب دموية أزهقت حياة 100 ألف شخص في الفترة ما بين 1998 و2000. وفي عام 2002 قضت لجنة تحكيم دولية اتفق عليها الطرفان بمنح إريتريا قرية بادمي الرملية التي تحمل قيمة رمزية للطرفين، لكن إثيوبيا لم تفِ حينها بمضمون ما قضى به الحكم الدولي، وشنّت حرباً امتدت سنوات كي لا تسلم القرية لإريتريا. لكنّ آبي أحمد أعلن في الخامس من حزيران (يونيو) الماضي أنّه مستعد للتنازل عن قرية بادمي، كما أنه تنازل عن الشروط الاقتصادية التي فرضتها الحكومة الإثيوبية السابقة، والتي أصرت دائماً على اعتبارها أساساً لوقف الصراع.