إسلاميو تونس ينشدون التغيير للبقاء... حركة "النهضة" نحو تغيير اسمها

إسلاميو تونس ينشدون التغيير للبقاء... حركة "النهضة" نحو تغيير اسمها

إسلاميو تونس ينشدون التغيير للبقاء... حركة "النهضة" نحو تغيير اسمها


22/01/2024

كريمة دغراش

يقول إسلاميو تونس إنّهم يعتزمون القيام بتغييرات جذرية في صفوف حزبهم الذي يمرّ بأزمة كبيرة منذ أكثر من عامين. وقبل أيام أعلن قياديون في حزب "حركة النهضة" توجّههم نحو تغيير اسم الحزب، ما دفع مراقبين الى التساؤل عن النوايا الحقيقية والخفية وراء هذا الإعلان. وفي حين يرى معارضو الحزب أنّها مجرد مناورة جديدة من الحزب، يقول كثيرون إنّ الظروف الراهنة تجبر اسلاميي تونس على تغيير ثوبهم والقيام بكثير من المراجعات.

ومنذ إجراءات 25 تموز (يوليو) 2021، بدأ حضور الإسلاميين في المشهد السياسي ينحسر ليصبح في الفترة الأخيرة مقتصراً على بعض التصريحات ممن تبقّى من قياداته خارج السجون، أو على بيان يُنشر على الصفحات الرسمية للحزب، في حين غابت كل الأنشطة والفعاليات التي تعوّد قبل سنوات على تنظيمها بشكل يكاد يكون شبه يومي.

استمرار الحزب مهدّد

وكان الرئيس قيس سعيّد أزاح حزب "النهضة" الحاكم قبل أكثر من عامين، بعدما أقال الحكومة وحلّ البرلمان الذي كان الإسلاميون يسيطرون عليه، ومذّاك تواجه "حركة النهضة" أزمة كبيرة.

وتواجه أغلب قيادات الصف الأول للحزب ملاحقات قضائية شملت حتى رئيسه راشد الغنوشي، وهو رئيس البرلمان السابق الذي يحظى بدعم خارجي قوي، لكنه يقبع حالياً في السجن.

ومنعت السلطات في تونس اجتماعات الحزب وأغلقت مقاره ما تسبّب بأزمة مالية وصلت إلى حدّ عجزه عن تسديد ايجار مقره المركزي.

وكان الإسلاميون تصدّروا المشهد السياسي في تونس بعد حوادث 2011 واحتكروا السلطة لمدة 10 سنوات، مرّت فيها البلاد بكثير من الأزمات السياسية والأمنية وخصوصاً الاقتصادية.

ويُعتبر مستقبل الحزب مهدّداً في ظلّ تعالي أصوات تنادي بحلّه، من بينها النائبة فاطمة المسدي التي كانت قالت في تصريحات سابقة لـ"النهار العربي"، إنّ هناك عريضة تقدّم بها عدد من النواب لحل الحزب بسبب ما اعتبرته "اجراماً في حق التونسيين".

أما شعبياً فقد بات الحزب الإسلامي غير قادر على تعبئة الشارع، بعدما فقد جزءاً مهماً من خزانه الشعبي، ويحمّله حتى أنصاره مسؤولية فشل عشر سنوات من الحكم بعد أحداث 2011.

ولا يلاقي سجن قياداته تضامناً شعبياً، ما يعتبره كثير من المراقبين مؤشراً الى أنّ "التونسيين لفظوه".

مراجعات تتماشى والمرحلة

وقبل أيام، أعلن رئيس الحركة الحالي العجمي الوريمي، عن مقترح جدّي لتغيير اسمي الحركة ومجلس الشورى "وذلك في إطار القيام بمراجعات تتماشى وطبيعة المرحلة"، وفق تعبيره.

وأضاف أنّ "الإسم الجديد لحركة النهضة يجب أن يعبّر عن المرحلة التاريخية والأهداف السياسية للحزب"، مرجّحاً أن يحمل مجلس الشورى مستقبلاً اسم "المجلس الوطني"، مشدّداً على أنّ "فكرة التغيير تبدو اليوم أكثر تلاؤماً مع التوجّهات الجديدة للحزب، كحزب يبحث عن مشتركات مع القوى الديموقراطية والمدنية".

وكشف الوريمي أنّ تغيير اسم الحزب لا يحتاج الى استفتاء داخلي، لافتاً إلى أنّ ذلك قد يحدث على هامش المؤتمر المقبل.

لكن الحركة عجزت عن تحديد موعد لمؤتمرها المقبل وسط حديث عن انشقاقات داخلية تتوسع بفعل وجود تيار مناصر لراشد الغنوشي وآخر معارض له يطلب رحيله والفريق الداعم له.

وتولّى الوريمي رئاسة حزب "حركة النهضة" في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وذلك بعد توقيف كل من راشد الغنوشي في مرحلة أولى ثم منذر الونيسي في مرحلة ثانية، والذي كان مكلّفاً بتسيير الحركة في غياب الأول.

ويُعرف عن الونيسي هدوؤه ودعوته الدائمة الى الحوار، كما أنّه من الشخصيات الإسلامية التي تربطها علاقات جيدة مع مختلف مكونات المشهد السياسي ولم يسبق له أن دخل في صدامات مع أي طرف كان.

وفي آخر بيانات الحزب تحت قيادة الوريمي، دعت الحركة الإسلامية إلى "حوار وطني شامل غير إقصائي تحت مظلّة الشرعية والديموقراطية، بين كل القوى الديموقراطية المتمسكة بالمسار الديموقراطي، من أجل إنقاذ تونس وفق برنامج وطني تشاركي يعالج القضايا والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة".

مناورة معتادة؟

وهذه ليست المرّة الاولى يُقدم فيها الإسلاميون في تونس على تغيير اسمهم، ما يدفع خصومهم للتأكيد أنّ ما يقومون به ليس سوى مناورة سياسية وتبديل الثوب من دون تغيير للأدبيات أو القيام بمراجعات حقيقية. ويستحضر أصحاب هذا الرأي تاريخ الحركة، ففي عام 1989 اختارت القيادات الإسلامية حينها، وكان راشد الغنوشي من أبرزها، تغيير اسم تنظيمهم من "حركة الاتجاه الإسلامي" إلى الإسم الحالي "حركة النهضة"، مستفيدة وقتها من وصول الرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى هرم السلطة.

وذكر كثيرون في هذا السياق، بما كانت قامت به في ذلك العام على هامش الانتخابات التشريعية حينها من أعمال عنف ودخولها في مواجهة مع السلطة والشارع.

ويقول مراقبون إنّ حديث "النهضة" عن تغيير الإسم في هذه الفترة بالذات هو محاولة منها للتنصل من تاريخها مرة أخرى ومما فعلته بعد وصولها الى الحكم في عام 2011.

ويرى المحلل السياسي حسان العيادي، أنّ حديث "النهضة" عن اعتزامها تغيير اسمها هو مناورة سياسية تهدف الى استعادة مكانتها كفاعل سياسي مهمّ في المشهد الذي يعرف ركوداً اتسم بانقطاع الحديث عن دور الأحزاب بشكل عام فيه.

ويعتبر أنّ هذه الخطوة تأتي في سياق دعوة الإسلاميين الى تنظيم حوار جامع وشامل مع بقية مكونات المشهد السياسي مفادها وجود قدرة على العمل المشترك في مواجهة ما يُعرف بـ "مسار 25 يوليو".

ويضيف في تصريح إلى "النهار العربي" أنّ اسم الحزب الإسلامي عرف هزات كبيرة، وهو ما قد يجعل من التفكير في تغييره محاولة للبحث عن دفع جديد له وعن مقبولية جديدة لدى الشارع التونسي ولدى بقية الأطراف السياسية التي كانت في مجملها تتحاشى التعاطي معه وتخشى أن تُؤخذ بجريرته وتحمّله مسؤولية ما حدث، متّهمة إياه بعدم القيام بالمراجعات اللازمة والاعتذار عن تاريخ طويل من المغالطات.

لكنه يستدرك مؤكّداً أنّ الموقف من الإسلاميين تغيّر في العامين الأخيرين بفعل موقف الرئيس من بقية الفاعلين السياسيين، وهو ما يجعل رفضهم لحزب "حركة النهضة" أقل حدّة، ويرى أنّ هذا التحول هو ما تريد الحركة توظيفه والاستفادة منه بتقديم التنازلات التي كانت دائماً تُطلب منها وقد تقدّم لها قبلة الحياة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية