إسرائيل وفلسطين: السخط الانتقائي لأوروبا

إسرائيل وفلسطين: السخط الانتقائي لأوروبا


كاتب ومترجم جزائري
30/05/2021

ترجمة: مدني قصري

إذا كانت الحكومات الأوروبية تريد المساهمة في السلام، يجب عليها إنهاء المحسوبية والمحاباة تجاه إسرائيل.

عندما اندلع القتال الإسرائيلي الفلسطيني، اتبعت البيانات السياسية الأوروبية نمطاً مألوفاً.

فمن ناحية، أعرب قادة أوروبا الوسطى (النمسا، وجمهورية التشيك، والمجر، وسلوفينيا) عن دعمهم الكامل لإسرائيل وألقوا باللوم على حماس. من ناحية أخرى، أدان وزيرا الخارجية الأيرلندي والبلجيكي تصرفات إسرائيل وحركة حماس. واتخذ آخرون المسار الوسطي، داعين إلى وقف التصعيد أو حماية المدنيين من خلال إدانة حماس فقط.

اقرأ أيضاً: الكاتب الفلسطينيّ نهاد أبو غوش لـ "حفريات": الصراع مع الاحتلال لن يحلّ بالضربة القاضية

كان الاتجاه العام بين المسؤولين الأوروبيين هو تشويه سلسلة الأحداث التي أدت إلى هذا التصعيد الأخير. إنهم يميلون إلى تجاهل أو التقليل من أهمية سلسلة الاستفزازات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة التي سبقت صواريخ حماس. الأمر يتعلق بالتهديدات بطرد العائلات الفلسطينية من قبل المستوطنين الإسرائيليين واقتحام المسجد الأقصى من قبل القوات الإسرائيلية، مما أدى إلى إصابة حوالي 300  فلسطيني.

ثم يصنعون من الصواريخ العنصر الوحيد الذي لا يمكن تبريره حقاً.

أخيرًا، يقللون مرة أخرى من "رد الفعل" الإسرائيلي، أي الغارات الجوية على غزة، والتي تمثل إلى حد بعيد الجزء الأكثر دموية في هذه السلسلة.

يجب على أيّ شخص يعتقد أن التصريحات الأوروبية موضوعية ومعقولة، أن يتخيل كيف سيكون ردّ فِعل أوروبا والولايات المتحدة إذا انعكس الوضع: فلسطينيون يحتلون ويستوطنون!

ما من بيان واحد يذكر القضية الحاسمة: الحقوق والحريات الأساسية للفلسطينيين التي حُرموا منها منها تحت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية على مدى عقود، والحصار المفروض على غزة، والاحتلال العرقي الإقليمي (المعروف باسم "توسيع المستوطنات") في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

هذا السياق القمعي وغير العادل يجعل اندلاع العنف الدوري أمراً شبه حتمي - ويجب معالجته أوّلاً وقبل كل شيء.

سخط انتقائي

يدين مسؤولو الاتحاد الأوروبي إطلاق حماس الصاروخي العشوائي، الذي يتجاوز تأثيره المرعب على المدنيين الإسرائيليين، بكثير، العشرة قتلى ومئات الجرحى.

لكن إدانة حماس مع استخدام أعذار للضربات الإسرائيلية - التي قتلت ما لا يقل عن 243 فلسطينياً، من بينهم 66 طفلاً، ودمّرت عشرات المباني المدنية في غزة – لا بد وأن تثير شعوراً انتقائياً بالسخط والغضب. إن الاستهداف المتعمّد للمباني المدنية، والهجمات العشوائية ضد المدنيين، التي تُنفذها إسرائيل عمداً، هي جرائم حرب، مثلها مثل صواريخ حماس.

تقليدياً، كان الدعم المؤيد لإسرائيل أقوى بكثير في الولايات المتحدة منه في أوروبا. لكن هذا الدعم أصبح اليوم أقل فأقل وضوحاً

التصورات الانتقائية شائعة في جميع الصراعات القومية، والتي تميل إلى تنشيط التحيّز المعرفي، حيث يقلل الكثير من الناس من أضرار الجانب الذي يفضلونه، بينما يضخّمون جرائم الجانب الآخر. على هذا النحو، ليس من الغريب والمفاجئ أن يلقي الخطابُ اليهودي الإسرائيلي باللوم في المقام الأوّل على الصواريخ الفلسطينية، بينما العديد من الفلسطينيين، على العكس، يعتبرونها ردّ فعلٍ مبرّر على العدوان الإسرائيلي الساحق.

إنّ ما يجعل هذه الحالة حالةً خاصة، هو أنّ جزءاً كبيراً من النخب السياسية الغربية - لأسباب تشمل التقارب الثقافي والتعاطف التاريخي مع إسرائيل - يميلون نحو السرد الإسرائيلي، أو يؤيدونه بالكامل.

هذا التوجّه يصبح جلياً بديهياً بشكل خاص، كلما دخلت حماس إلى المشهد. معظم السياسيين الأوروبيين على ااستعداد لقبول المخاوف بشأن الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات والوضع في غزة. ولكن عندما تبدأ الصواريخ في التحليق، سرعان ما يتم  طمسُ هذا السياق، كما لو أن جزءاً أكثر قبلية (تحيّزاً) من أدمغتهم قد بدأ ينشَط فجأة.

 الكيل بمكيالين  

يجب على أيّ شخص يعتقد أن التصريحات الأوروبية تصريحات موضوعية ومعقولة، أن يتخيل كيف سيكون ردّ فِعل أوروبا والولايات المتحدة إذا انعكس الوضع: فلسطينيون يحتلون ويستوطنون ويحاصرون ويقصفون جيوباً يهودية إسرائيلية، تطلق منها جماعات مسلحة يهودية، صواريخ باتجاه فلسطين.

فإذا انعكس الوضع، فمن المحتمل أن لا يكتفي الغرب بإدانة الظالمين الفلسطينيين فحسب، بل سيفرض عليهم عقوبات شديدة، ويفكر في إنشاء مناطق لحظر الطيران.

اقرأ أيضاً: "الإخوان" وفلسطين: جهاد بالشّعارات أم متاجرة بالقضيّة؟

تنعكس هذه المعايير المزدوجة أيضاً في فكرة أنّ لإسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها"، والتي وردت في العديد من البيانات الأوروبية. لا أحد يوضح ما إذا كان للفلسطينيين - الذين ليس لديهم قبة حديدية لحمايتهم - الحق أيضاً في الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية - أو أي حق متناسب آخر.

يصعب التوفيق بين البيانات الأوروبية الانتقائية وبين تقييمات جولات القتال الأخيرة بين إسرائيل وحماس من قِبل محقّقين من الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمات غير حكومية، مثل هيومن رايتس ووتش. يتبع هؤلاء المراقبون بشكل عام المعايير العالمية، وغير المتحيّزة للقانون الدولي، ويتمتّعون عموماً بثقة السياسة الأوروبية. لقد وجد كل هؤلاء الفاعلين أدلة كثيرة على انتهاكات جسيمة، ربما ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، من قبل كل من إسرائيل وحماس.

امتنعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان عن التصويت للشروع في إجراء تحقيقات الأمم المتحدة حول العنف في غزة، في مجلس حقوق الإنسان، بينما صوتت لصالح إجراء تحقيقات في صراعات أخرى. وبالمثل، فبينما يدعم الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها ركيزة من ركائز سيادة القانون الدولي، تعارض عدة دول أوروبية انضمامَ فلسطين إلى المحكمة، بل وعارضت حتى كفاءة المحكمة الجنائية الدولية في هذا الصدد.

بالإضافة إلى كونه غير متسق، فهذا الوضع يساهم في تكرار العنف، من خلال جعل كلٍّ من إسرائيل وحماس يشعران أنهما قادران على تجنب المساءلة أمام المجتمع الدولي.

مسحة (طلاء) شرعية

تقليدياً، كان الدعم المؤيد لإسرائيل أقوى بكثير في الولايات المتحدة منه في أوروبا. لكن هذا الدعم أصبح اليوم أقل فأقل وضوحاً.

في الكونغرس، هناك الآن مجموعة من الديمقراطيين التقدّميين، مثل بيرني ساندرز، وأيانا بريسلي، ومارك بوكان، الذين كانوا أكثر صراحة ووُضوحاً حول الحقوق الفلسطينية، من المرشحة البيئية التقدمية المزعومة في المستشارية الألمانية، أنالينا بربوك في تغريداتها على تويتر شديدة الحذر.

اقرأ أيضاً: كيف نفهم الموقف الصيني من القضية الفلسطينية؟

بل حتى أحد أكثر الديمقراطيين الموالين لإسرائيل، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، روبرت مينينديز، قد أصدر بياناً نادراً قال فيه إنه "منزعج بشدّة من التقارير التي تتحدّث عن أعمال عسكرية إسرائيلية أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء في غزة، وكذلك استهداف إسرائيل لمباني تأوي وسائل إعلام دولية ".

وهكذا أظهر روبرت مينينديز المزيدَ من الفوارق البسيطة الحذقة، أكثر مما أظهره نظيرُه في البرلمان الأوروبي، ديفيد مكاليستر، الذي شارك في توقيع إعلانٍ يتضمن إلى حد كبير شعارات مؤيدة لإسرائيل، ويُعبّر عن تضامنه فقط "مع شعب إسرائيل" - كما لو أن الشعب الفلسطيني لا يستحق ذلك. التضامن، بغض النظر عمّن هو المسؤول عن القتال.

السماح لإسرائيل بمواصلة الهجوم

التقى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عبر مؤتمر بالفيديو، لمناقشة كيفية إنهاء العنف. وبينما كان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يدعو، نيابة عنهم، إلى إنهاءٍ فوري للعنف، كانت البيانات الصادرة عن العديد من الوزراء في الأيام الأخيرة ترسل إشارة معاكسة: السماح لإسرائيل بمواصلة الهجوم.

إذا كانت الحكومات الأوروبية تريد المساهمة في السلام، يجب عليها إنهاء محاباتها لإسرائيل، وإعادة توجيه سياساتها لمعالجة المظالم الهائلة التي يعاني منها الفلسطينيون، والتي هي أصل دائرة العنف. وهذا من شأنه أن يرسل إشارة أقوى من المكالمات الهاتفية الدبلوماسية الموجهة إلى إسرائيل والجهات الإقليمية الفاعلة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr

الصفحة الرئيسية