إرهاب "ما بعد" داعش.. ما شكل الوحش القادم؟

إرهاب "ما بعد" داعش.. ما شكل الوحش القادم؟


17/10/2018

كيف، وأين، سيظهر التنظيم الجديد الذي سيخلف تنظيم داعش؛ ليملأ الفراغ الذي تركه التنظيم بعد سلسلة الهزائم العسكرية التي مُني بها، خلال العام 2018، وفقد إثرها حوالي 98% من مساحة الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، والتي كانت تفوق مساحة بريطانيا؟!

والسؤال الأهم؛ هل يمكن التنبّؤ بشكل هذا التنظيم؟

هناك اعتقاد لدى طبقة واسعة من الباحثين في ظاهرة الإرهاب، والمهتمين بتنظيم داعش، خاصة في مراكز البحث في الغرب، بأنّ الإرهاب العالمي "الإسلاموي"؛ السنّي والشيعيّ، لن ينتهي في المدى القريب.

اقرأ أيضاً: 5 تنظيمات متطرفة مهدت لداعش دروب التوحش

وقد تعزّز هذا "المنظور" بعد نشر "الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب" في أمريكا، والتي أعلنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في البيت البيض، بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، والتي أكد فيها أنّ أمريكا ما تزال في حالة حرب مع الإرهاب، الذي تمثله الجماعات الراديكالية الإسلاموية، السنّية؛ القاعدة وفروعها المهمة، مثل: القاعدة في جزيرة العرب، القاعدة في المغرب الإسلامي، وحركة الشباب الصومالية، وجبهة النصرة في سوريا. وداعش وفروعه في الولايات مثل: مجلس شورى الشباب، ومجلس شورى ثوار بنغازي في ليبيا، وأنصار بيت المقدس في سيناء، وأنصار الشريعة في اليمن، وجند الخلافة في الجزائر، وبوكوحرام في نيجيريا، وولاية خرسان-أفغانستان، وجند الخلافة، والخلافة الإسلامية في مينديناو في الفلبين، والتنظيمات الشيعية التي تدعمها إيران؛ مثل حزب الله في لبنان.

كلارك: إن أحد فروع داعش يمكن أن ينمو ليكون أكثر عنفاً من التنظيم الأصلي في أوج انطلاقته عام 2015

هذه الخلاصة التي يجمع عليها الباحثون والخبراء، مبنية على تحليل وفهم لدورات الإرهاب العالمي، خاصة خلال تجربة العقدين الماضيين، من خلال تتبع آليات التطور والتحول التي اعترت تنظيم القاعدة، وصولاً إلى تنظيم داعش، وفروعه المنتشرة الآن في كثير من الدول، في آسيا وإفريقيا تحديداً؛ لذلك فإنّ أنظار الباحثين تذهب باتجاه توقع أن يحلّ أحد هذه الفروع محلّ التنظيم الأساس، لكن يبقى السؤال؛ أين سيظهر هذا الفرع وكيف؟

وهنا يخضع الأمر لمقاربات مختلفة، بحسب وجهات نظر الباحثين والخبراء، وإن كانوا متفقين -في النهاية- على حتميّة التغيّر والتحول، سواء لأسباب موضعية من داخل هذه التنظيمات، أو ضغوط إجبارية خارجية، من قبل "الأطراف الفاعلة في الدولة"، تتمثل بالحملات العسكرية وإجراءات مكافحة الإرهاب الواسعة والمختلفة.

اقرأ أيضاً: محللون عراقيون يكشفون لـ"حفريات" عن مخاوفهم من عودة داعش

مثال ذلك؛ ما قاله الباحث في مركز راند، والزميل في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي - هولندا، كولن كلارك (Colin P. Clarke)، في مقالة له، نشرها في مجلة (the National Interest) من أنّ أحد فروع داعش يمكن أن ينمو ليكون أكثر عنفاً وإرهاباً من التنظيم الأصلي في أوج انطلاقته، عام 2015، وأنّ هناك عدداً من العوامل التي يمكن أن تساعد في ذلك؛ منها ضعف القوى والإجراءات الأمنية في الدول التي تنشط فيها الفروع، على سبيل المثال؛ أفغانستان، واليمن، ودول الساحل الإفريقي، والقرن الإفريقي، وليبيا، حتى العراق وسوريا، ليستا بعيدتين عن هذا السيناريو، رغم هزائم التنظيم العسكرية فيهما، نظراً إلى استمرار النزعات الطائفية والصراعات المسلحة، خاصّة أنّ معركة إدلب لم تُحسم حتى الآن، رغم التفاهمات الروسية-التركية؛ حيث قام تنظيم داعش بهجوم مضادّ على قوات سوريا الديمقراطية، شرق سوريا، بالتزامن مع الحديث عن تسويات دولية لأزمة إدلب.

لا يزال تنظيم بوكوحرام المتحالف مع داعش يشكّل خطراً على دول الجوار من خلال الهجمات الإرهابية غير التقليدية

وأعتقد أنّ أزمة إدلب ستبقى معلّقة حتى يُبتّ بأمر الجماعات الإرهابية المسلحة، خاصة جبهة النصرة (التابعة لتنظيم القاعدة)، التي يبلغ تعداد مقاتليها في إدلب 7000 مقاتل، وتسيطر على 70% من المنطقة.

وهناك احتمالات كبيرة بأن تعود تنظيمات القاعدة وداعش للنشاط في المناطق السنيّة، في العراق وسوريا، إذا استمرّ الصراع على أسس مذهبية وطائفية مستقبلاً.

لكن يبقى من الصعب تحديد الفرع أو التنظيم الذي يمكن أن يكون البديل، نظراً إلى عدة شروط تتعلق بإمكانيات وقدرات كلّ فرع على تقديم وتأمين الملاذات الآمنة وتأمين المصاريف المالية اللازمة.

أين سيظهر الوحش؟

ينظر إلى ساحات أفغانستان واليمن، ودول الساحل الإفريقي وليبيا، على التوالي، كمناطق هشّة تصلح وتلائم ولادة الوحش (فرانكشتاين) الجديد، البديل لداعش أو القاعدة؛ ذلك أنّ أفغانستان "دولة هشة"، لا تستطيع حماية أراضيها، سواء من هجمات تنظيم داعش، أو طالبان أفغانستان، أو القاعدة، وأصبحت ساحة مفتوحة لعنف الهجمات الإرهابية، ومختبر تجارب لتكتيكات وأساليب الجماعات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: أين ومتى بدأ الإرهاب.. وكيف تطوّر في العصر الحديث؟

واليمن "دولة هشّة"، وتشكّل التحالفات القبلية مع التنظيمات الإرهابية، خاصة القاعدة، خطراً لا يمكن التغافل عنه، وأعتقد أنّ المستفيد الوحيد من مأساة الحرب في اليمن؛ هما؛ القاعدة وداعش، الذي أصبح له ستّ ولايات داخل اليمن.

أما في القرن الإفريقي والساحل؛ فإنّ تنظيم "بوكوحرام"، المتحالف مع داعش، ما يزال يشكّل خطراً على دول الجوار، من خلال الهجمات الإرهابية غير التقليدية؛ فعلى سبيل المثال: نفّذ التنظيم، في تاريخ 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، عملية إرهابية داخل جمهورية تشاد، أسفرت عن مقتل 8 أشخاص، في الوقت نفسه الذي نفّذت فيه "حركة الشباب الصومالية"، المرتبطة بالقاعدة، هجوماً مماثلاً داخل جمهورية كينيا، أسفر عن مقتل معلمَين.

اقرأ أيضاً: ما الجديد في إستراتيجية ترامب لمكافحة الإرهاب؟

وتشكّل ليبيا ساحة خطيرة للمنافسة بين داعش والقاعدة؛ نظراً إلى حالة الفوضى العامة، وانعدام الأمن والفوضى السياسية، وعدم وجود سلطة مركزية قوية في البلاد، ذات المساحة الواسعة والمهمة جيوسياسياً؛ نظراً إلى قربها من السواحل الأوروبية على المتوسط، وإلى عمق الصحراء باتجاه إفريقيا، خاصة الجزائر وتونس؛ لذلك فإنّ هناك اهتماماً كبيراً وقلقاً في الدوائر الغربية تجاه الساحة الليبية، خاصة تجاه مخاطر تسرّب الإرهابين إلى الداخل الأوروبي، مستغلين أزمة المهاجرين واللاجئين.

مواصفات الوحش القادم

هناك اتفاق لدى معظم المشتغلين على ظاهرة الإرهاب العالمي المعاصر؛ بأنّ تدمير قدرات تنظيم داعش من خلال الحرب العسكرية والعمليات الاستخبارية والأمنية، واستخدام التكنولوجيا، خاصة الطائرات بدون طيار، لا يعني بأيّة حالٍ من الأحوال نهاية الإرهاب العالمي الإسلاموي، بل على العكس؛ فالتنظيم الإرهابي القادم سيكون أكثر تعقيداً ورعباً؛ حيث سيكون مزوداً بأدوات تكنولوجية أكثر خطورة وفتكاً مثل: الأسلحة الكيماوية والجرثومية، والتكنولوجيا الرقمية، والذكاء الصناعي.

هناك قلق تجاه الساحة الليبية من مخاطر تسرّب الإرهابيين إلى الداخل الأوروبي مستغلين أزمة المهاجرين واللاجئين

لكنّ الخلاف يكمن في أنّ معظم المقاربات السائدة في تناول موضوع مواصفات التنظيم الإرهابي القادم، تركّز على الفصل العامودي الحادّ والدقيق بين التنظيمات والتيارات السلفية الجهادية والتكفيرية، وتعظيم الفوارق بين أيديولوجيا تنظيم داعش من جهة، والقاعدة من جهة أخرى.

ونلاحظ أنّ معظم الجدل القائم اليوم حول مواصفات البديل القادم للإرهاب بشكلٍ عام، ولإرهاب داعش بشكل خاص؛ ينزاحُ نحو التركيز على مقولة، أو وهم، الخلافات الأيديولوجية العميقة بين القاعدة وداعش؛ باعتبار أنّ ذلك من المسلمات الي لا يعتريها التحوّل.

وقد لاحظت أنّ عدداً من قيادات الجماعات الجهادية (خاصة المصريين)، الذين سبق أن تحدثت معهم حول هذا الأمر، ينزعون نحو استبعاد سيناريو إمكانية اندماج أو تحالف القاعدة مع داعش في المستقبل. وأنا أعتقد أنّ هذه مقاربة خادعة وقاتلة، في الوقت نفسه، إذا تمّ التسليم بها على أنها أمر محسوم.

اقرأ أيضاً: تحولات في جغرافيا الإرهاب

ماذا لو كان (فرانكشتاين) القادم نتاج عملية دمج وابتكار بين التنظيمين وتحالف الضرورة والمصلحة في البقاء والتمدّد، وإقامة دولة الخلافة الموعودة على أسسٍ تستفيد من التجارب والتحولات التي شهدتها كافة الأطراف، خاصّة تيارات السلفية الجهادية في العالم؟

إذا حدث هذا الأمر، حتى إن كان السيناريو الأقلّ ترجيحاً على المدى القصير والمتوسط؛ فإنّ نتائجه ستكون كارثية لمنطقة الشرق الأوسط والعالم، عندئذ "سنترحم على زمن الإرهاب الجميل!!"، على حدّ وصف الباحث المصري علي الرجّال.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية