أيهما ينتصر... عنف "الإخوان" أم "إرهاب" أمريكا؟

أيهما ينتصر... عنف "الإخوان" أم "إرهاب" أمريكا؟


12/12/2020

منير أديب

ثمة اتجاه عام إقليمي ودولي يسير في اتجاه وضع حركة "الإخوان المسلمين" على قوائم الإرهاب، بل وضعت دول عربية هذا التنظيم على القوائم السوداء للإرهاب وجرمت أنشطته، فضلاً عن مصادر الأموال التي كان ينفق منها على نشر أفكاره، والتي بواسطتها نجح في الوصول إلى الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين، وخلط بين العمل الخيري وأجندته التي فرضها مستغلاً ذوي الحاجه. على كل الأحوال تجذر التنظيم في المنطقة العربية بهذه الطريقة وأصبح له أفرع في أكثر من ثمانين دولة حول العالم.

انتشار التنظيم بهذه الصورة أتاح له توفير حاضنه قوية لأفكار التطرف، سواء التي كان يُصدرها للعالم أو التي وفّر من خلالها حماية للجماعات والتنظيمات الأخرى الأكثر تطرفاً سواء الإقليمية أو عابرة الحدود والقارات مثل تنظيمي "قاعدة الجهاد" و"داعش"، وهو ما عجزت أمامه فرضيات المواجهة، التي افتقدت القراءة الدقيقة للتنظيم وتحركاته وصورته الأخيره التي تحول إليها.

وضعت مصر وحلفاؤها في المنطقة العربية تنظيم "الإخوان المسلمين" على قوائم الإرهاب، وجرّمت سلوكه أو المنتمين إليه، وأصدرت المؤسسات الدينية في الدول الثلاث بيانات قاطعة توضح حقيقة التنظيم وعلاقته بالدين، فبينما رأت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، التنظيم جماعة منحرفة، وصفت هيئة الإمارات للإفتاء الشرعي الجماعة بالإرهابية، ولم يفرق الأزهر الشريف، أكبر مؤسسة دينية في الشرق الأوسط، بين سلوك "الإخوان" و "داعش"... وهنا تهاوت وانتهت أي مقاربة يُحاول التنظيم أن يُصدّرها للنّاس على أنه جماعة دينية تعمل وفق قواعد الدين.

نجح التنظيم لعقود طويلة في تقديم نفسه على أنه جماعه دعوية وخيرية حتى أتاحت بعض بلداننا العربية له الفرصة للعمل في الحقل الديني، إضافة إلى أنها أعطته ترخيصاً للعمل الخيري، فتم استغلاله حتى وصل لقطاعات واسعه من النّاس، استفاد منها في الوصول إلى السلطة في هذه البلدان، فانقلب عليهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه.

انكشف وجه "الإخوان المسلمين" الحقيقي بصورة أكبر ربما خلال العقد الأخير، خصوصاً ما تلا حوادث عام 2011 التي شهدتها منطقتنا العربية، والتي استغلها "الإخوان" أو بالأحرى صنعوها في بعض البلدان، بهدف الوصول إلى سلطة وتحقيق حلم التمكين ثم الخلافة، وهنا نُشدد على أن "الإخوان" لم يكن هدفهم التغيير كما كانوا يُصدّرون وإنما تنفيذ أجندتهم، والأدل على ذلك أن الشعوب نفسها انقلبت عليهم، ليس هذا فحسب وإنما الحكومات فعلت الشيء نفسه، سواء العربية أو غير العربية، وهو ما يظهر في اتجاه تسمية "الإخوانط جماعة إرهابية.

وهذا ما نراه داخل القاره العجوز التي تسير في اتجاه تسمية "الإخوان جماعة إرهابية"، بعدما سبقت فرنسا والنمسا، على سبيل المثال، في أخذ قرارات إدانة للتنظيم على أراضيهما وحظرتا أنشطتها، ويبدو موقف الدولتين كرد فعل دال على موقف أكبر للإتحاد الأوروبي، الذي يرى أن التنظيم وأنشطته أصبحا عبئاً على الحكومات الأوروبية... غير أن صدور قرار جامع من الاتحاد الأوروبي أو داخل أي دولة أوروبية يستلزم ترتيبات، خصوصاً أن التنظيم متوغل بصورة كبيرة داخل المجتمع الأوروبي.

ما حدث في المنطقة العربية وما تلاه في أوروبا تظهر إرهاصاته في قلب الولايات المتحدة الأميركية رغم وصول الديموقراطيين إلى السلطة، وما يعرف عنهم من استثمار لتنظيمات العنف والتطرف والتمرد في منطقة الشرق الأوسط، فالأمر أصبح خارج أي سيطرة أو إدارة، بخاصة أن أجهزة الإستخبارات الدولية أدركت باليقين أن التنظيم مارس العنف من خلال ميليشياته بدءاً من حركة سواعد مصر... ومروراً بـ لواء الثورة وانتهاء وانتهاءً بـ"المقاومة الشعبية"، وميليشيات أخرى. والأمر لم يقتصر على ذلك، بل أضف عليه أن التنظيم وفر حماية لجماعات العنف والتطرف الأخرى، سواء فكرية أو مكانية، وهو ما يؤكد ما يُعرف عنها من عنف. 

لم يكن مفاجئاً أن يتقدم السيناتور الجمهوري تيد كروز بمشروع قانون للكونغرس الأميركي يطلب فيه حظر تنظيم "الإخوان المسلمين" على الأراضي الأميركية، بخاصة أنه سبق وتقدم بمشروع القانون قبل ذلك لمرتين، إحداهما في عام 2015 والأخرى عام 2017، إلا أن هذه المساعي أُجهضت في وقتها من قبل الديموقراطيين. في كل الأحوال ما زال قطاع كبير من الأميركيين يشعر بخطر التنظيم على بلادهم، ولعل هذا هو السر وراء التقدم بالمشروع نفسه قبل مرور ثلاث سنوات على تقديمه في المرة الثانية.

لن يخرج القانون من الكونغرس الأميركي على الأقل في الوقت الراهن، خصوصاً أن إدارة البيت الأبيض أصبحت بيد الديموقراطيين، فلن توافق على صدور القانون، رغم التصريحات السابقة بأنها لن تكون فترة رئاسه ثالثه لباراك أوباما. هذه التصريحات تُريد من إدارة جوزف بايدن أن تقول من خلالها، إنها إدارة مستقله، وما كان مناسباً قبل أكثر من 4 سنوات في عهد أوباما قد لا يكون مناسباً الآن، وهذا لا يعني أنها سوف تخرج على خط الديموقراطيين الداعم لجماعات العنف والتطرف.

تبدو القراءة الأولى لتقدم السيناتور الجمهوري بمشروع القانون في عهد الرئيس الديموقراطي وكأنها رسالة تحمل دلالات عدم التعاون مع هذه التنظيمات، فكيف تتعاون أميركا مع تنظيمات كان يناقش الكونغرس وضعها على قوائم الإرهاب من عدمه؟ وهنا يريد الجمهوريون أن يقطعوا الطريق أمام أي تعاون مع تنظيمات العنف والتطرف في منطقة الشرق الأوسط من قبل الديموقراطيين الذين يحتلون البيت الأبيض، ولو من باب الاستخدام، حتى ولو كانت هناك مصلحة لأميركا... فالمصلحة الأولى هي ضرب ومحاصرة هذه التنظيمات. 

قد لا يصدر مشروع القرار من الكونغرس الأميركي، وهذا لا يعني أنه لن يصدر، فكل المؤشرات تسير في اتجاه حصار التنظيم إقليمياً ودولياً في  الفتره المقبلة، خصوصاً أن التنظيم انكشف وجهه الحقيقي وما عاد قادراً على اخفاء الأفكار التي كانت تحض على العنف أو السلوك الذي يسير في اتجاه الممارسة العنيفه عبر ميليشياته المسلحة التابعه له، التي لا تختلف عن النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة، والذي وضع لبناته الأولى المؤسس الأول حسن البنا في نهاية عام 1939، ودشن من خلاله مفهوم عام للعنف، استمد منه التنظيم الأفكار والسلوك على مدار عقود النشأة الطويلة بعد ذلك.

ولذلك سوف يظل السؤال مطروحاً، أيهما سوف ينتصر في نهاية المطاف، عنف "الإخوان" وأفكارهم التي أخترقوا من خلالها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من سبعين عاماً أم المحاولات الأوروبية والأميركية في وضع التنظيم الأكثر خطوره على قوائم الإرهاب؟ 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية