أول رئيس يساري لكولومبيا: هل على واشنطن أن تشعر بالخطر؟

أول رئيس يساري لكولومبيا: هل على واشنطن أن تشعر بالخطر؟


26/06/2022

"انتخاب رئيس يساري لكولومبيا سيمثّل "صداعاً"، هكذا وصف تحليل نشرته "فوكس نيوز" ما تواجهه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الولايات المتحدة. الانتخابات الرئاسية التي شهدت فوز جوستافو بيترو على خصمه رودولفو هيرنانديز بنسبة 50% تقريباً في جولة الإعادة التي جرت الأحد 19 حزيران (يونيو) 2022.

وعندما يتولى جوستافو بيترو منصبه، في السابع من آب (أغسطس)، سيصبح أول رئيس يساري للبلاد، وستصبح نائبة بترو، فرانسيا ماركيز، وهي ناشطة بيئية تبلغ من العمر 40 عاماً، أول نائبة ذات بشرة سمراء لرئيس الدولة.

جوستافو بيترو، الذي يعدّ أول رئيس يساري يصل إلى السلطة في تاريخ الدولة، التي تملك علاقات شديدة التميّز مع الولايات المتحدة، بدأ نشاطه السياسي في ميليشيا مسلّحة مُناهضة للدولة

من التمرد المسلح إلى الرئاسة

في السابعة عشر من عمره، انضمّ جوستافو بيترو إلى ميليشيا "حركة 19 أبريل" التي حملت السلاح ضدّ الدولة، مُتهمةً السلطة بتزوير انتخابات 19 نيسان (أبريل) 1970، التي خسرها المرشح الرئاسي جوستافو روخاس جينيليا، وهو جنرال عسكري حكم البلاد بعد انقلاب عسكري بين عامَي 1953 و1957، والذي عاد مرّة أخرى وترشّح للرئاسة بعد تأسيسه لحزب "التحالف الشعبي الوطني" لخوض انتخابات الرئاسة سنة 1970 أمام المرشح المحافظ ميشال باسترنا بوريرو.

سمر عادل: تحتلّ كولومبيا رقم 100 في جودة الطرق من بين 142 دولة، وذلك يؤثر على حجم الاستثمارات بشكل كبير جداً

استمرّت الحركة في النشاط المسلّح حتى التسعينيات، حين قرّرت وضع السلاح والاتجاه إلى النشاط السياسي. وعليه شاركت الحركة منذ سنة 1991 في الانتخابات البرلمانية بعد محادثات ومفاوضات مع الحكومة الكولومبية، ودخلت البرلمان الكولومبي رسمياً في السنة ذاتها.

درس الرئيس الكولومبي الجديد، الاقتصاد، وحصل على درجة الماجستير من جامعة خافيرانا في كولومبيا، ثم واصل دراساته في الاقتصاد وحقوق الإنسان في بلجيكا، ثم إسبانيا. وفي عام 2002 فاز جوستافو بيترو في الانتخابات البرلمانية، ليصبح عضواً في البرلمان الكولومبي عن حزب صغير من مجموعة منشقين عن "حركة 19 أبريل"، ثم ترشّح لاحقاً في انتخابات مجلس الشيوخ وفاز بعضويتها سنة 2006.

انتصارات اليسار السياسية

ترشح جوستافو بيترو للانتخابات الرئاسية للمرة الأولى عام 2010، لكنّه جاء في المرتبة الرابعة بنسبة أصوات 9%؛ ثم ترشّح إلى منصب محافظ العاصمة بوجاتا، عام 2012، وفاز بالمنصب، أما عام 2018 فقد ترشح مجدداً للرئاسة، واستطاع الوصول إلى الدور الثاني، لكنّه خسر أمام منافسه الرئيس السابق إيفان دوكي.

صعود المرشح اليساري إلى سدّة الحكم في كولومبيا يمثّل حلقة أخرى في سلسلة من الانتصارات السياسية لليسار خلال السنوات الأخيرة، بعد صعود رؤساء يساريين في كلّ من تشيلي في 2022، وفي هندوراس وبيرو عام 2021.

صعود رئيس يساري إلى حكم كولومبيا لن يؤثر على المحيط الداخلي للدولة فقط؛ بل سيؤثّر أيضاً على البرازيل في انتخاباتها المقبلة، أكتوبر المقبل، إذا نجح رئيس يساري

تعهّد جوستافو بيترو بإجراء "تغيير حقيقي" في بلاده، وبتشكيل "حكومة أمل" بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وقال بيترو، أمام مئات من أنصاره الذين تجمعوا في بوغوتا: "لن نخون هؤلاء الناخبين الذين طالبوا بأن تتغير البلاد"، مؤكّداً "نحن ملتزمون بتغيير فعليّ وبتغيير حقيقي".

وأضاف: "التغيير يعني ترك الكراهية والتعصب وراءنا، وصلت حكومة الأمل".

وتابع قائلاً، وإلى جانبه عائلته ومرشحته لنيابة الرئاسة فرانسيا ماركيز المنحدرة من أصول أفريقية: "الحكومة التي ستتولى السلطة في 7 آب (أغسطس) ستكون حكومة الحياة والسلام والعدالة الاجتماعية والعدالة البيئية".

الرئيس الكولومبي ونائبته

وتعهّد بيترو بأنّ كولومبيا "ستقود مكافحة تغير المناخ في العالم" من الآن فصاعداً، وتنقذ غابات الأمازون إلى جانب البلدان الأخرى في القارة.

بالفعل كولومبيا كانت لديها مجموعة من التحديات حتى من قبل أيّة أحداث متعلقة بالحروب التجارية أو التنافس الدولي على الهيمنة أو الحرب الروسيّة الأوكرانية أو كورونا.

الدّمج بين الأفكار الاشتراكية والرأسمالية

الباحثة في الاقتصاد الدولي، سمر عادل، ترى أنّ تلك التحديات زادت مع الأحداث العالمية الأخيرة، منها فقدان العملة أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم إلى جانب بنيتها التحتية شديدة التهالك.

توضح سمر عادل، في تصريح لـ "حفريات": "وفق التقارير، تحتلّ كولومبيا رقم 100 في جودة الطرق من بين 142 دولة، وذلك يؤثر على حجم الاستثمارات بشكل كبير جداً، خاصّة أنّ لديها قطاعات يمكن الاستثمار فيها مثل الصناعات الغذائية والعالم في حاجة لذلك".

الباحث محمد حميدة لـ"حفريات": إذا عمل الرئيس الكولومبي على توحيد البلاد وتحقيق تقدم اقتصادي، سيكون ذلك بمثابة عدوى لبقية الدول التي تعاني من حكم اليمين منذ سنوات طويلة

ترى عادل؛ أنّ الرئيس الحالي سيعمل على الدمج بين الأفكار الاشتراكية والرأسمالية: "رغبة في تحقيق العدالة الاجتماعية المتدنية الفعل في الدولة إلى جانب الاقتصاد غير الرسميّ الذي يواجه الرئيس في بداية حكمه، وذلك في حاجة إلى عمليات معقّدة وتطوير اقتصادي كبير حتى يتمّ ذلك الدمج".

تشير عادل إلى أنّ الصعود اليساري في كولومبيا سيكون له أثر على مستوى العلاقات الدولية، تحديداً بين روسيا والصين وكولومبيا ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية: "سيعمّق العلاقة مع زيادة حجم الاستثمارات بينهم، خاصّة إن نجحت فكرة استبدال محصول الكوكا بين الدولة والفلاحين، ولو حدث ذلك ستنتقل كولومبيا لمنطقة اقتصادية مختلفة، وستكون لدينا كولومبيا والصين وروسيا في ناحية وفي الأخرى الولايات المتحدة الأمريكية".

محمد حميدة: انتخاب رئيس يساري لكولومبيا سيمثّل صراعاً كبيراً جداً للجانب الأمريكي على وجه التحديد

تستكمل عادل: "وكأنّ دائرة التنافس والصراع مع أمريكا تزيد، وكأنّ المعسكر سينضمّ له آخرون، لكنّ وجهة نظري أنّ الهيمنة الأمريكية لن تنكسر بل على الرغم من ذلك سيزيد من إمكانية التبادل والاستثمار في ظلّ تنامي الطموحات الاقتصادية لدى الرئيس الكولومبي وتطلعاته العالية".

تنوّه عادل إلى أنّ كولومبيا بالفعل لديها ما يعزز من مسألة أنّها دولة مصدّرة للزراعة: "ذلك سيغيّر شكل الاقتصاد الكولومبي وسيعطيه المزيد من الثقة سواءً في إطار أمريكا اللاتينية أو عالمياً".

صراع كبير جداً للجانب الأمريكي

الباحث في الشؤون الدولية، محمد حميدة، يقدّم رؤية مختلفة، لافتاً إلى أنّ انتخاب رئيس يساري لكولومبيا سيمثّل صراعاً كبيراً جداً للجانب الأمريكي على وجه التحديد.

يضيف حميدة، في تصريح لـ "حفريات": "يترتّب على ذلك المنعطف الكثير من الأمور حال نجاح الرئيس الكولومبي في تحقيق إصلاحات مهمة".

يرى حميدة أنّ صعود رئيس يساري إلى حكم كولومبيا لن يؤثر على المحيط الداخلي للدولة فقط؛ "سيؤثّر أيضاً على البرازيل في انتخاباتها المقبلة، تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إذا نجح رئيس يساري".

وينوّه حميدة إلى أنّنا أمام تحوّل بشكل كبير في ظلّ الأزمة الراهنة: "يمثّل خطورة للجانب الأمريكي؛ لأنّه تحوّل داعم لروسيا والصين في المنطقة وسياسات البلدين".

يستطرد حميدة: "بالتأكيد، الهيمنة الأمريكية تتراجع، لاحظنا ذلك في المنطقة العربية مؤخراً، وأعتقد أنّ الفترة المقبلة سيكون هناك تقلبات سياسية في العالم، بشكل شامل ستكون جميعها ربما ضدّ الولايات المتحدة، أو على الأقل ستضع ذلك الفريق في حالة فتور مع الجانب الأمريكي".

يعدّد حميدة التحديات التي ستواجه الرئيس الكولومبي فترة ولايته: "هناك تحدّيات، أبرزها عدم وجود أغلبية برلمانية لتمرير الإصلاحات في الداخل، لكن إذا عمل الرئيس على توحيد البلاد وتحقيق تقدم اقتصادي وإصلاحات، سيكون ذلك بمثابة عدوى لبقية الدول التي تعاني من حكم اليمين منذ سنوات طويلة؛ لأنّ الشعوب عادة تميل للتغير خاصّة مع سيطرة اليمين لسنوات".

مواضيع ذات صلة:

كولومبيا...هل أصبحت مقبرة النشطاء الحقوقيين؟

كولومبيا: هل سيعيد اليميني المتشدد دوكي إحياء "فارك"؟

كولومبيا: ماذا بعد رصد الإرهاب الإسلاموي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية