أمريكا تفشل بكبح إيران ووكلائها.. ما خياراتها؟

أمريكا تفشل بكبح إيران ووكلائها.. ما خياراتها؟


24/04/2022

أقرّت الولايات المتحدة بفشل الإجراءات التي اتخذتها ضد إيران في الفترة الماضية، لوقف الاعتداءات التي تشنها أذرع طهران في المنطقة، وتحديداً الميليشيات الحوثية ضد السعودية والإمارات، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق ضد قواعدها وتمركزاتها.

ووضعت الإدارة الأمريكية قاعدة للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط، تقوم على "الدبلوماسية وخفض التصعيد والردع"، لكنّ الهجمات المتكررة على الدول الخليجية وعلى قواعدها في سوريا والعراق تدفع المسؤولين الأمريكيين الآن إلى إعادة النظر في خياراتهم.

خاصة أنّ الدبلوماسية لم تنجح، حتى الآن، في بناء الجسر المطلوب مع إيران، وقد فشلت المساعي الأمريكية في التوصل إلى اتفاق في فيينا حول العودة إلى الاتفاق النووي، بل إنّ إيران، وفق تقارير صحفية، صعّدت من تخصيب اليورانيوم، وكدّست كميات كبيرة منه، وربما أصبحت على مسافة شهرين أو (3) من حيازة الكميات المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية.

والآن يقول مسؤولون أمريكيون إنّ بلادهم فشلت في سوريا والعراق واليمن ولبنان في ردع الميليشيات المدعومة من إيران.

الدبلوماسية لم تنجح، حتى الآن، في بناء الجسر المطلوب مع إيران

النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط نت ميك ميللروي قال في حديث لشبكة "إي بي سي" الأمريكية: "إنّ إيران ومنذ أعوام تستعمل وكلاءها للقيام بهجمات على منافسيها"، مضيفاً: "إنّ على الولايات المتحدة أن تردّ على هذه الهجمات بالقوة، لأنّ هذا الأمر الوحيد الذي له مفعول الردع على إيران"، وقال: "عليهم أن يفهموا أنّهم لا يستطيعون الاختباء وراء وكلائهم، وإن تابعوا ما يقومون به، فربما يجب أن يتمّ تصعيد ردّنا."

مسؤول آخر عمل في البنتاغون خلال الأعوام الماضية قال لـ "العربية": "من الواضح الآن أنّه لم يتمّ ردع الميليشيات في العراق"، وأضاف طالباً عدم ذكر اسمه: "أنا أشكّ في إمكانية التوصل إلى هدوء دائم من خلال الميليشيات في العراق، بل تستطيع الولايات المتحدة التوصل إلى فترات أطول من الهدوء لو أعدنا تقييم ردّنا لجعل الميليشيات تدفع ثمناً أكبر".

 

الولايات المتحدة تقرّ بفشل الإجراءات التي اتخذتها ضد إيران لوقف الاعتداءات التي تشنها أذرع طهران في المنطقة

 

هذا، ويقترح المسؤولون السابقون اللجوء إلى استعمال القوة المتصاعدة ضد الميليشيات، وربما إيران أيضاً للخروج من هذه الدوامة، وهذا ما حاولت فعله إدارة دونالد ترامب.

لكنّ الإدارة الحالية تعمل من ضمن أهداف "استراتيجية"، وتبدأ من ضرورة التوصل إلى تفاهم مع إيران حول العودة إلى الاتفاق النووي، وتصل إلى ضرورة بقاء قواتها في العراق وسوريا، والاحتفاظ بالقواعد والجنود الأمريكيين المنتشرين في الشرق الأوسط، وهي لا تناقش على الإطلاق سحب هذه القوات من المنطقة بما فيها من العراق وسوريا.

وفي السياق، قال مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليه في تصريحات صحفية: إنّ بلاده لديها شراكات صلبة في منطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى أنّ إيران عملت على تقويض أمن حلفاء واشنطن.

وأضاف أنّ اعتداءات إيران على حلفاء الولايات المتحدة زادت خلال الأعوام الـ3  الماضية، ممّا يعني أنّ استراتيجية الضغط الأقصى على إيران أخفقت.

وأشار إلى زيادة الاعتداءات الحوثية على السعودية في الفترة الأخيرة، إلى جانب اعتداءات على أمريكيين أيضاً.

وقال: إنّ إيران تعمل على نشر الأسلحة في المنطقة بشكل مكثف، مشدّداً على أنّ واشنطن لديها خيارات للتعامل مع ذلك، ولفت المستشار الأمريكي إلى أنّ بلاده سيبقى لها تموضع في المنطقة.

ديريك شوليه: اعتداءات إيران على حلفاء الولايات المتحدة زادت خلال الأعوام الـ3  الماضية

تصريحات مستشار الخارجية الأمريكية تعكس اعترافاً بصحة أحد أكبر الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة، المتعلقة بأنّ واشنطن تتعاطى باستراتيجية غير فاعلة مع الإرهاب الحوثي على الأرض، وفق ما نقلت شبكة "سي إن إن".

وعلى الرغم من حجم الانتقادات التي وُجهت لواشنطن منذ قرارها بإزالة الميليشيات الحوثية من قائمة الإرهاب، لم يستبعد مستشار الخارجية الأمريكية إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وقال: إنّ الأمر مطروح على الطاولة.

يثير هذا التناقض تساؤلات عن مدى جدّية الولايات المتحدة في إطار التعامل مع إرهاب الأذرع الإيرانية بشكل جاد، يتضمن اتخاذ إجراءات فاعلة تحمل وتيرة متصاعدة في التحركات التي يتم اتباعها على الأرض.

 

هجمات الميليشيات الموالية لإيران المتكررة على الدول الخليجية وعلى القواعد في سوريا والعراق تدفع الأمريكيين لإعادة النظر في خياراتهم

 

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد اعتذر لولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد في آذار (مارس) الماضي، عن الرد الأمريكي "البطيء" على هجمات حوثية إرهابية ضد الإمارات ارتكبت في كانون الثاني (يناير) الماضي.

وقال بلينكن خلال لقائه الشيخ محمد بن زايد في المغرب: إنّ إدارة الرئيس جو بايدن استغرقت وقتاً طويلاً للردّ على الهجمات، مبدياً أسفه حيال ذلك.

توالي الإقرارات الأمريكية تزامن معه إعلان الولايات المتحدة تشكيل قوة جديدة متعددة الجنسيات ستتصدى لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن، في تحرك عسكري قُرئ بأنّه يتضمن بوادر انتقال نوعي في إطار التعامل الأمريكي مع الإرهاب الحوثي، وفق موقع "المشهد العربي".

ووفقاً لمقالة نشرها موقع دورية "فورين أفيرز" في آذار (مارس) الماضي، فإنّ إيران لم تحقق أيّاً من طموحاتها الواسعة، ولكنّها حققت تقدّماً، وتشعر بالجرأة من النجاحات التي حققتها في الفترة الماضية.

واستطاعت إيران على مدى العقدين الماضيين التسيّد على العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفق ما يطلق عليه المسؤولون الإيرانيون "محور المقاومة".

أنتوني بلينكن: إدارة الرئيس جو بايدن استغرقت وقتاً طويلاً للردّ على هجمات الحوثيين

واستطاعت إيران وبنجاح تنشئة الميليشيات الإقليمية مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، واستغلت الفراغ الذي تركته أمريكا في العراق عام 2003 و"الربيع العربي" في 2011، ولم يكن لدى الولايات المتحدة أو منافسي طهران الإقليميين القدرة أو الإرادة لتحدي تأثير الإيرانيين في هذه البلدان.

وفاقمت إيران عدداً لا يُحصى من التحديات الأمنية الأخرى، بما في ذلك انتشار الأسلحة النووية والحرب الإلكترونية والإرهاب وأمن الطاقة والنزاع في أفغانستان والعراق  وسوريا.

ووفقاً للموقع ذاته، فإنّ محاولات الولايات المتحدة إقناع إيران تغيير مسارها أو الضغط عليها فشلت وبشكل مستمر، وأثبتت الجمهورية الإسلامية أنّها صلبة، ومصمّمة جداً، وصعبة على الكسر.

 

مسؤولون أمريكيون: فشلنا في ردع الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان

 

وفي إطار منفصل، وصف المؤرخ جون لويس غاديس، في مقالة له نشرها مطلع العام الجاري، أنّ إيران استثمرت الكثير من قدراتها المحدودة في طموحاتها لإعادة قلب النظام العالمي الذي تقوده أمريكا، وربما أكثر من أيّ بلد آخر، مثل الصين وروسيا. وبعملها هذا فقد تجاهلت شعبها وجعلتهم أكثر فقراً وأقلّ أمناً، مستنزفة قدراتها الوطنية من أجل استقرار الميليشيات التي رعتها بالمنطقة والصراعات الخارجية، وبطريقة أدت إلى تعميق الإحباط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ممّا دفعها إلى ممارسة القمع.

وعن الفشل الأول في علاقة أمريكا بإيران الذي وقع على يد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، قال في مُذكِّراته الصادرة بعنوان "أرض الميعاد": "عملنا خلال إدارتي على وضع سيناريوهات نتصوّر فيها شكل حرب مُحتمَلة مع إيران، كنت أنتهي من هذه النقاشات مُثقلاً لإدراكي أنّه إذا ما فرضت الحرب نفسها، فهذا يعني تبديد كلّ ما كنت أحاول إنجازه". تمثَّلت استراتيجية أوباما في التفاوض مع عدد من القوى الدولية من أجل اتفاق عام 2015 الذي نجح في تحجيم البرنامج النووي الإيراني.

وبحسب ما جاء في مُذكِّرات جون برنان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في إدارة أوباما، التي صدرت عام 2020 بعنوان "الباسل"، فقد اعتقد أوباما أنّ الاتفاق النووي الإيراني كان "مهمّاً؛ ليس فقط للاستقرار الإقليمي، وإنّما أيضاً لتقوية شوكة المعتدلين الإيرانيين، لا سيّما الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف"، لكنّه فشل، فقد بقي المتشددون هم أصحاب القرار وقادة الدفة، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية في تحليل لها نُشر منتصف العام الماضي.

وبالنهاية، فإنّ واشنطن لن تكون قادرة على التوصل إلى تعايش سلمي مع نظام إيراني تقوم هويته على معارضة الولايات المتحدة، ولا توجد هناك حلول سريعة سواء كانت على شكل التواصل الأمريكي الأكبر أو الضغط الذي يمكن أن يغير طبيعة العلاقات بين البلدين.

ولهذا يتحتّم على بايدن اليوم الوقوف أمام إيران التي تخطو خطوات ثابتة نحو امتلاك إمكانية تصنيع السلاح النووي، والمُتورّطة مباشرة في أسوأ كوارث إنسانية في العالم، حدثت باليمن ولبنان والعراق وسوريا.

مواضيع ذات صلة:

صراع الهوية في اليمن.. الحوثيون أسرى المشروع الإيراني

لماذا تعارض القوى الموالية لإيران في العراق مشروع أنبوب البصرة – العقبة؟

مفاوضات فيينا: إيران تضع شروطاً جديدة وتختبر الصبر الأمريكي

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية