أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟

أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟
المرأة العربية

أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟


07/03/2018

"البنت في الدار عار"، "المَرَة بلا ولاد زي الخيمة بلا وتاد"، "شاوروهن وخالفوا شورهن".

قد لا تبدو الأمثال الشعبية الآنفة مستهجَنة إن وُضِعَت في سياقها الاجتماعي والفكري الذي أفرزها سابقاً، وما يزال يُغذيها باهتمام حتى اليوم، لتبقى ضمن نطاق التداول عوضاً عن الإرث البائد.

قد لا تبدو الأمثال الشعبية مستهجَنة إن وُضِعَت في سياقها الاجتماعي والفكري الذي أفرزها سابقاً

الأمثال لا تنفصل عن باقي بنود الإرث الشعبي المحكي من مصطلحات وحكايات ونكات، بحسب مختصين؛ إذ المصدر والمتلقّي والمروِّج هو ذاته في الأحوال كلّها، كما أنّ الفكر الذي يقف وراء مظاهر التعبير السابقة يكاد يكون موحّداً في المجتمعات العربية، ومرتبطاً بشكل وثيق بوضع المرأة العربية الذي لم يشهد تقدماً على صعيد حقوقها المنقوصة برغم الجهود المبذولة.

هيمنة الذكورية على الإرث

يقول أستاذ اللغة الإنجليزية والباحث في القضايا اللغوية سليمان العباس "معروف أنّ الأمثال الشعبية والحكم والتعابير الاصطلاحية والحكايات تمثل جانباً مهماً من ثقافة الشعوب بمختلف أطيافها، وهو ما ينسحب على الشعوب العربية؛ لذا فالذكورية مهيمنة على هذا الإرث الشعبي، كانعكاس للواقع".

ويشير العباس في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّه "على الرغم من كل ما تبذله مؤسسات وحركات حقوق المرأة في هذا النطاق، فإنّ الموقف اللغوي السلبي منها ما يزال حاضراً بقوة حتى اليوم، كامتداد لما تمّت وراثته اجتماعيا وفكريا".

سليمان العباس: الأمثال الشعبية جانب مهم من ثقافة الشعوب لذا فالذكورية مهيمنة على الإرث الشعبي العربي

ويسوق أمثالاً من قبيل "دار البنات خاوية" و"بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف" و"الفقوسة بتنعوج من الصغر"، قائلاً بأنّ مثل تلك الأمثال أسهمت أيما إسهام في تنميط صورة المرأة العربية والحطّ من شأنها، مستدركاً أنّ ثمة أمثالاً جاءت على الحياد؛ إذ قد تُقال في سياق إيجابي وإن كانت تُستحضر في الغالب في سياق سلبي كـ "اقلب الجرّة على تمّها بتطلع البنت لإمّها".

الكاتب والمترجم علاء الدين أبو زينة يقول لـ"حفريات" إنّ الأمثال والنكات والحكايات جزء رئيس من الخطاب العام؛ لذا فهي تعكس سمات العقل الجمعي للمجتمعات التي تبتكرها.

ومما يدعو للدهشة، وفق أبوزينة، "وجود تواطؤ عالمي على استهداف المرأة والحطّ من مكانتها من خلال هذا الإرث الذي يعتمد الجندرية المتعسفة حيالها"، مضيفاً "قد لا يتسع المجال هنا لذِكر مئات الأمثال والطرائف التي دخلت في نسيج الخطاب الشائع للشعوب، والتي تنزع كلها لتنميط الأنوثة باعتبارها تمثل كياناً دونياً قياساً بالرجل".

الأمثال والنكات والحكايات جزء رئيس من الخطاب العام؛ لذا فهي تعكس سمات العقل الجمعي للمجتمعات التي تبتكرها

وينوه أبوزينة إلى أنّ البعض يزعم أنّ هذه الأقوال جاءت نتيجة تراكم الخبرات الإنسانية في مراقبة سلوك المرأة، كالقول بأنها "عاطفية وبكّاءة ودموعها أقرب من دموع الرجل"، وهو ما يصار لاستثماره لتعزيز صور أخرى متصلة من قبيل أنّ دموع المرأة فيها "إخفاء للكذب أو ابتزاز للرجل أو استجداء للشفقة أو محاولة للإفلات من العقاب".

ويلفت أبو زينة إلى أنّ المرأة قد تكون مُساهماً رئيساً في رواج هذا الإرث الجائر من خلال ترديدها إياه، قائلاً "من المفترض في النساء التنبّه لعدم تعزيز هذه المقولات والأمثال والحكايات، لا من خلال ابتكار ما يوازيها من مقولات هجائية في حق الرجل؛ بل من خلال العمل على تفكيك المنطق الذي أفرز هذا الإرث".

بعض الأمثال أسهمت أيما إسهام في الحط من شأن المرأة العربية

إرث شفوي جائر

النقطة ذاتها، يذهب إليها الإعلامي المتخصص في قضايا المرأة محمد أبو عبيد، قائلاً لـ"حفريات": ما أستهجنه هو ترديد المرأة لذلك الإرث الشفوي الذي يتناولها بصورة جائرة؛ إذ كثيرات هنّ من يعززن وجهات نظرهنّ السلبية في بنات جنسهن من خلال تلك الأمثال أو الحكايات، مرسّخات بذلك الصورة النمطية السيئة التي ما تزال تتوارثها الأجيال.

ويعزز رأيه بترديد بعض النسوة لمقولة شعبية "البيت اللي ربّه مَرَة، كل ما ماله لَوَرَا"، قائلاً بأنه يُرسّخ صورة جائرة عن عدم قدرة المرأة على تحمل مسؤولية البيت وتدبيره، وهو ما لا يعد صحيحاً إطلاقاً إن تم النظر للواقع.

تقول أول حكواتية فلسطينية، تجوب المسارح العربية والعالمية لتسرد حكايات من الإرث الشعبي، دنيس أسعد "مارست المرأة فن الحكاية منذ القدم، ولعل المثال الأبرز الذي وصلنا مكتوباً هو ألف ليلة وليلة، على لسان شهرزاد التي تسعى لإنقاذ نفسها وغيرها من النسوة من خلال حكاياتها، بيد أنّه على الرغم من ذلك فإنّ الفكر الذكوري هو المهمين على تلك الحكايات".

أبو زينة: هناك تواطؤ عالمي على استهداف المرأة والحطّ من مكانتها من خلال هذا الإرث الذي يعتمد الجندرية المتعسفة

تقول أسعد عن صورة المرأة في حكايات ألف ليلة وليلة "المرأة خائنة لا تؤتمن، بل حتى المارد الذي سجنها في صندوق بسبعة أقفال لا يملك منعها من الخيانة".

وفي وقت ترصد فيه أسعد أنّ حكايات الرجل ارتكزت على الحروب والغزوات والبطولات، فإنّ المرأة اختارت في حكاياتها الجانب الحياتي الأوسع من حب وعائلة وأطفال وعادات وتراث، غير أنّها ظهرت بالمُجمل بـ "قالب دونيّ يهمّش كل ما قد تتمتّع به من قدرات لصالح الجمال، العامل الوحيد لسعادتها، بحسبهم، كما تبكي المرأة في الحكاية الشعبية بسبب ومن دون سبب، وتفتقر أيضاً لعنصر المبادرة في حل أي مشكلة؛ بل هي معتمدة دوماً على السِحر والخوارق، وهي في مرات كثيرة الشريرة والغولة التي تنهش من حولها إن لم يلبّوا رغباتها"، وفقاً لأسعد.

تسوق أسعد مثالاً عن حكاية "الديك الهادر" والتي يسميها البعض "الديك الشاطر"، وهي الحكاية التي عدّلت عليها؛ إذ يقايض فيها الديك القمحة بالجاموسة ومن ثم العروسة، لتنتهي الحكاية الشعبية بعبارة "شوفوا ما أشطر الديك. حصل على عروسة مقابل حبة قمح". تقول "أرفض هذا؛ ذلك أنّ فيه تسليع للمرأة. لذا، فقد بدّلت العروسة بتاج العروسة فقط".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية