الاغتيال، حسب تعريف سهل وواضح لموسوعة ويكيبيديا، هو مصطلح يُستعمل لوصف عملية قتل منظّمة ومتعمّدة تستهدف شخصية مهمّة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي، وتكون عملية الاغتيال عادة لأسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية، تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم.
ما يعتبره المتعاطفون مع الضحية عملية اغتيال قد يصفه المنفذون بأنه عمل بطولي
يتراوح حجم الجهة المنظِّمة لعملية الاغتيال من شخص واحد فقط إلى مؤسسات عملاقة وحكومات، ولا يوجد إجماع على استعمال مصطلح الاغتيال، فالذي يعتبره المتعاطفون مع الضحية عملية اغتيال، قد تعتبره الجهة المنظمة للعملية عملاً بطولياً، وممّا يزيد في محاولة وضع تعريف دقيق لعملية الاغتيال تعقيداً هو أنّ بعض عمليات الاغتيال قد يكون أسبابها ودوافعها اضطرابات نفسية للشخص القائم بمحاولة الاغتيال وليس سبباً عقائدياً أو سياسياً.
ومن المتفق عليه اليوم بين الباحثين والمؤرخين أنّ الكلمة الإنجليزية لمصطلح الاغتيال بالإنجليزية: Assassination)) مشتقة من جماعة الدعوة الجديدة أو من ذاع صيتهم باسم الحشاشين Hashshashin))، الذين كانوا فرقة إسلامية نشيطة من الشيعة الإسماعيلية النزارية، استمرت قائمة من القرن الـ8 إلى القرن الـ14، وهناك الكثير من الجدل والخرافات حول هذه الفرقة ومؤسسها الأسطوري الحسن بن الصبّاح.
اقرأ أيضاً: عودة الاغتيالات إلى لبنان لا تبشر بحلحلة قريبة للوضع المتأزم
واستناداً إلى بعض المصادر فإنّ الرحّالة الإيطالي ماركو بولو (1254 - 1324) هو أول من أطلق تسمية الحشاشين على هذه المجموعة عند زيارته لمعقلهم المشهور بقلعة ألموت (عش النسر) التي تبعد 100 كلم عن طهران، وذكر أنّ أعضاء هذه الجماعة كانوا يقومون بعمليات انتحارية واغتيالات تحت تأثير تعاطيهم الحشيش، وبصرف النظر عن هذه الدقة التاريخية لهذا الكلام، فإنّ هذه الفرقة قامت من خلال مجموعة من النخبة لديها تُدعى "الفدّائيين" بعمليات اغتيال في غاية التنظيم والدقة ضدّ الصليبيين والعباسيين والسلاجقة، واستمروا على هذا المنوال حتى قضى عليهم المغول.
وميزة فرقة الحشاشين في التاريخ وفي أدبيات الإرهاب اليوم هي عملية الربط بين الاغتيال السياسي والإرهاب، وسيلةً لتنفيذ الأهداف السياسية، وربما لأول مرّة في التاريخ، حتى وإن استخدمت من قبل المتطرفين اليهود "السيكاريون" قبل ذلك بقرون.
عزز تطور وسائل التكنولوجيا بقاء الاغتيالات على سُلّم وسائل تنفيذ العمليات الإرهابية
أخذت قضية الاغتيالات السياسية أهمية بالغة على مدار التاريخ، ومع تطور وسائل التكنولوجيا التي ترافق معها تطور وسائل وأنواع الإرهاب العالمي بقيت الاغتيالات على سُلّم وسائل تنفيذ العمليات الإرهابية، وإن انخفضت كثيراً لحساب وسائل أخرى أكثر فتكاً وفعالية. لكن على الرغم من ذلك يبدو أنّ قضية الاغتيالات، خاصة السياسية وربطها بالإرهاب العالمي، ما زالت تجذب إليها الباحثين والخبراء الذين يهتمون بتحليلها ورصدها بأدوات معاصرة.
وفي هذا السياق، يُقدّم كتاب "جون ويثينغتون"(John Withington) الموسوم بـ (أعمال القتلة: تاريخ من الاغتيال من مصر القديمة إلى يومنا) Assassins’ Deeds: A History of Assassination from Ancient Egypt to the Present Day ، عرضاً رشيقاً وممتعاً لموضوع الاغتيالات عبر التاريخ وارتباطها بالإرهاب المعاصر وأخلاقيات الاغتيالات المعاصرة.
الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية عام 2020م، يتألف من مقدمة و7 فصول مقسّمة إلى حقب تاريخية: العالم القديم، الإمبراطورية الرومانية والعصور المظلمة، عصر الشهامة، حروب الدين، عصر الثورة، العصر الحديث الحروب العالمية، الإرهاب. ويقع في (368) صفحة كتبت بلغة صحفية سهلة ومشوقة للقارئ، خاصة أنّ المؤلف في الأصل صحفي بريطاني متخصص في الكتابة التاريخية، لكنه لفت الأنظار بالمراجعات الخاصة بالمؤلفات حول الإرهاب نظراً لأهميته في أدبيات الإرهاب، لما يتضمّنه من سرد رائع ومهم لعمليات اغتيال كبيرة ذات دوافع سياسية على مرّ التاريخ، سواء من قبل الأنظمة أو ضد القادة السياسيين.
في العصر الحديث، يلاحظ المؤلف أنّ دوافع الاغتيالات تشمل التعصب الديني والسياسي والثورة السياسية والتحرر الوطني. ومن بين الاغتيالات المهمّة التي قامت بها الجماعات الإرهابية تلك التي قام بها السيكاريون، والمتعصبون اليهود الذين قاوموا الحكم الروماني على يهودا حوالي 54م، والجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت، الذين اغتالوا العديد من القادة البريطانيين، مثل إيرل ماونتباتن في آب (أغسطس) 1979، وجماعة شتيرن، وهي الجماعة الإرهابية اليهودية في فلسطين، التي قامت بالعديد من العمليات الإرهابية ضد العرب الفلسطينيين والبريطانيين، والتي اغتالت الكونت فولك برنادوت الذي كان يعمل وسيطاً للأمم المتحدة بفلسطين في أيلول (سبتمبر) 1948.
وتشمل الاغتيالات المهمّة التي قامت بها الحكومات للقادة الإرهابيين اغتيال فريق من القوات الخاصة الأمريكية لأسامة بن لادن في أبوت آباد، باكستان، في 2 أيار(مايو) 2011، فضلاً عن العديد من الاغتيالات المحددة الأهداف التي استهدفت قادة إرهابيين فلسطينيين على يد القوات الخاصة الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت الاغتيالات تعمل وفعّالة، يخلُص المؤلف إلى أنّ الإرهابيين قد تحوّلوا "من أهداف صعبة ومحمية بشكل جيد، مثل السياسيين البارزين، إلى أهداف سهلة" يسهل مهاجمتها وبالتالي اغتيالها، ومثال ذلك اغتيال أسامة بن لادن، وأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، وغيرهم الكثير. وهذا تفسير مثير للاهتمام لانخفاض عدد الاغتيالات التي تعرّض لها قادة سياسيون يتمتعون بحماية جيدة على يد الإرهابيين، على الرغم من أنه كان ينبغي للمؤلف أن يضيف أنّ عمليات الاغتيال التي تقوم بها الحكومات لكبار القادة الإرهابيين لم تخفّ على مرّ الأعوام، وعلى رأس هذه الحكومات بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة باستخدام الطائرات بدون طيار.
اقرأ أيضاً: 1979- 2020.. التسلسل التاريخي لجرائم الاغتيالات الإيرانية
الفصل الأخير الذي جاء بعنوان "حدث في الماضي"، يُقدّم رواية مثيرة للاهتمام ومشوقة، بحثت عن محاولات الاغتيال الفاشلة لقادة سياسيين مشهورين، مثل أدولف هتلر، وبينيتو موسوليني، ولينين، ونابليون، فضلاً عن العديد من القادة البريطانيين والأمريكيين، وكلهم نجا من الاغتيالات.
خلاصة الكتاب أنّ القتلة "المغتالين" كانوا يقتلون الأقوياء والمشاهير على الأقل لمدة 3 آلاف عام مضت، وقد شجّع الطموح الشخصي والانتقام والغضب الكثيرين على أعمال العنف، مثل السلطان التركي الذي خنق 19 من إخوته، أو الحرّاس الشخصيين الذين قتلوا 12 من الأباطرة الرومانيين. وفي الحقبة المعاصرة من العولمة والإرهاب العالمي، جاءت دوافع جديدة مثل التعصّب الديني والسياسي، والثورة والتحرير، مع تدخل الحكومات أيضاً في هذا العمل، في حين يبدو أنّ العديد من الضحايا كانوا مهملين بشكل مدهش؛ فقد قُتل إبراهام لنكولن بعد أن ترك حارسه الشخصي يذهب لتناول مشروب.
خلاصة الكتاب أنّ القتلة "المغتالين" كانوا يستهدفون الأقوياء والمشاهير على الأقل لمدة 3 آلاف عام مضت
إذاً، هل تنجح الاغتيالات؟ بالاعتماد على الحكاية والأدلة التاريخية والتحليل الإحصائي، يغوص المؤلف في بعض أعمال التاريخ الأكثر شهرة، ليكشف لنا النقاب عن مجموعة مثيرة للاهتمام من الشخصيات، وأساليب القتل البارعة، والعديد من العواقب غير المقصودة، ليقول: "إنّ الاغتيالات ما زالت أسلوباً فعّالاً وخطيراً في سيرورة الإرهاب العالمي. والكتاب مثير للاهتمام، وهو يثير تساؤلات استفزازية حول ما إذا كانت الاغتيالات تُحدث فرقاً سياسياً كبيراً، وعن أخلاقيات القضاء على القادة بديلاً للصراعات الأوسع والأكثر دموية".