
منير أديب
الأطفال في تنظيم "داعش" هم الغائب الحاضر في المعركة مع التنظيم، بخاصة أن الخلاف ما زال دائراً بين من يُدافعون عن براءة هؤلاء الأطفال المهدرة، ومن يرون أنهم باتوا مقاتلين جدداً لا يقلون خطورة عن آبائهم، وأنهم بمثابة النذير الأخير لبقاء التنظيم من خلال عمليات الزواج القسري والإنجاب التي يُشارك فيها هؤلاء الأطفال على مدار السنوات الماضية.
يبلغ العدد التقريبي للأطفال دون سن السابعة عشرة في مخيمات عوائل تنظيم "داعش" في شمال شرقي سوريا نحو 32 ألف طفل؛ وهم موزعون ما بين مخيم الهول صاحب نصيب الأسد، إذ يعيش فيه قرابة 30952 طفلاً، ومخيم روج الذي يعيش فيه قرابة 1757 طفلاً، وبالتالي يمثل الأطفال ثلاثة أرباع القاطنين في هذين المخيمين، بينما تتحفظ قوات شمال شرقي سوريا على أعداد الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم الثمانية عشر عاماً، وبالتالي تندر المعلومات الخاصة بطريقة التعامل مع من تجاوز عمره سن الرشد ولم يعد طفلاً في فترة ما بعد إعلان سقوط "داعش" في عام 2019، وأي خطر يُشكله هؤلاء الأطفال؟ وما هي الطريقة التي يتم التعامل بها معهم بعدما تجاوزوا سن الطفولة؟ وهل يُرّحلون إلى السجون التي يُعتقل فيها آباؤهم أم يتم الإبقاء عليهم داخل معسكرات خاصة للتأهيل؟
هذه الأسئلة تبحث عن إجابة في ظل الحديث الدائم عن أطفال "داعش"، بخاصة أن هناك أصواتاً تُنادي بحماية هؤلاء الأطفال، وأصوات أخرى تُنادي بضرورة الانتباه إلى خطرهم، وإذا كنّا نفتقد الإجاية عن أبسط الأسئلة التي ترتبط بقواعد البيانات الخاصة بهم، فكيف نكوّن تصوراً أمثل للمواجهة والحماية معاً.
لوحظ خلال السنوات القليلة الماضية استغلال هؤلاء الأطفال، سواء من خلال إعدادهم للقتال أم من خلال تزويج هؤلاء الأطفال الذين أنجبوا قرابة 1500 طفل منذ عام 2019، والذي شهد سقوط دولة "داعش" وإلى عامنا هذا 2023، وهو ما لفت الانتباه إلى خطر الاستغلال الجنسي والهوياتي لهؤلاء الأطفال.
كما ذكرنا، يُشكل الأطفال تقريباً ثلاثة أرباع التكتل السكاني للقاطنين في مخيمي الهول وروج اللذين خُصصا لعوائلى تنظيم "داعش"، إذ كانوا قرابة 50 ألف طفل عندما كان يقطن مخيم الهول قرابة 70 ألفاً ما بين النساء والعجائز من الرجال، قبل عمليات تسليم وتسلم بعض الدول بعض عوائلها، وهنا يبلغ عدد الأطفال في مخيم روج 1757 من واقع قرابة 2500 فرد يقطنون هذا المخيم تحديداً.
ليس لدى المجتمع الدولي أي تصور واقعي يرتبط بحماية هؤلاء الأطفال، سواء حماية براءتهم المهدرة داخل هذا المخيم أو غيره، حيث يتم تحصينهم بالأفكار الأيديولوجية التي كان يؤمن بها آباؤهم بواسطة أمهاتهم اللائي أرضعنهم منذ الصغر أفكار آبائهم نفسها، وفاءً وأملاً في عودة حلم دولة الخلافة التي سقطت قبل أربع سنوات، فما زالت هذه الأثداء تتدلى وما زال هؤلاء الأطفال يرضعون منها أفكار "داعش" حتى وهم في أعمار متوسطة.
مخيمات خلت من أي قوانين تحكمها، بينما يسكنها متطرفون يرون أن معركتهم قادمة، ونساء فقدن شركاءهن في المعركة، وأطفال يتطلعون إلى المستقبل ويستعدون للمعركة الفاصلة التي تحررهم من قيد السجن أو الأسر، فهم مشاريع محتملة للقتال والإرهاب.
ترك المجتمع الدولي بقايا دولة "داعش" في مخيمات باتت أشبه بمعسكرات التدريب والتربية، فأخرجت العشرات من الأطفال الذين يستعدون للقتال بعدما رُبّوا على يد أمهاتهم بتلك الأفكار التي كان يؤمن بها آباؤهم؛ وبالتالي بات الحرص على الإنجاب داخل هذه المخيمات متزايداً بهدف الاستعداد لهذه المعركة.
مخيمات عوائل التنظيم هي بمثابة مجتمع مغلق، لسكانه متطلبات لربما يتم تفريغها في عمليات الاعتداء الجنسي على هؤلاء الأطفال الذين صاروا آباءً وهم في سن الطفولة، ولم يلتفت المجتمع الدولي إلى خطر الاغتصاب أو التحرش أو الاستغلال الجنسي الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال.
صحيح أنشأت قوات شمال شرقي سوريا مراكز للتأهيل يعيش فيها قرابة مئتي طفل، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة، ولكن يبقى أن أعداد أطفال "داعش" تفوق هذا الرقم بعشرات الآلاف، وبالتالي لا يكفي وجود مركزين فقط لتأهيل هؤلاء الأطفال أو حتى فصلهم عن السيدات.
الاستغلال الجنسي للأطفال وصل إلى أن هؤلاء الأطفال يتم تزويجهم بأكثر من امرأة؛ هؤلاء الأطفال صارت لهم علاقات جنسية متعددة، سواء تحت لافتة الزواج أم الاغتصاب، لكن تعدد هذه العلاقات بهذه الصورة على الأطفال هو بمثابة اعتداء على براءتهم المهدرة.
فلسفة مراكز التأهيل أنها تعمل على دمج هؤلاء الأطفال وتأهيلهم، ومن ثم خلعهم من البيئة التي كانوا يعيشون فيها، والفصل بينهم وبين الأفكار التي تُريد أمهاتهم زرعها في داخلهم، فالحل يكمن في دمجهم وليس في التخلص منهم، فهم أطفال أبرياء يُريدون أن يستقبلوا حياة جديدة.
لا بد من تفكيك مخيمات عوائل تنظيم "داعش"، وإن لم يكن ذلك متاحاً أو يتعارض مع مصلحة الدول التي أتوا منها وترفض استقبالهم، فعلى الأقل لا بد من تأهيلهم تمهيداً لدمجهم في الحياة الطبيعية.
لا بد من أن يقوم المجتمع الدولي بدوره في تأهيل هؤلاء الأطفال وحمايتهم من عمليات التحرش الجنسي في سن مبكرة، من دون ذلك سوف ينفجر هذان المخيمان في وجه العالم، وهنا سوف يصبح الأطفال كلمة السر المنسية في هذا الانفجار.
لا بد للأمم المتحدة من التدخل لحماية هؤلاء الأطفال من عمليات التحرش والاستغلال الجنسي والاعتداء على براءتهم، ولا بد للمجتمع الدولي العمل أيضاً على تأهيل كل القاطنين في مخيم الهول وروج، وبخاصة الأطفال حتى لا يستيقظ المجتمع على مقاتلين جدد.
مخيمات عوائل التنظيم هي بمثابة معسكرات تربية وتأهيل، وفرها المجتمع الدولي من أجل تخريج نسخة جديدة من مقاتلي تنظيم "داعش"، فلا اهتمام إلا بفرض الحراسة على مقاتلي "داعش" في السجون، بينما تُركت قوات شمال شرقي سوريا بلا أي إمكانات أو دعم يساعدها في حماية هؤلاء الأطفال أو حتى تأهيلهم.
عن "النهار" العربي