أردوغان يخطط لطموحاته العُثمانيّة الجديدة نحو الشرق

أردوغان يخطط لطموحاته العُثمانيّة الجديدة نحو الشرق


كاتب ومترجم جزائري
27/02/2022

ترجمة: مدني قصري

بوراك بكديل، أحد الصحفيين البارزين في تركيا، تمّ فصله من أشهر الصحف في البلاد، بعد 29 عاماً من الخدمة المتفانية والمخلصة؛ لأنّه كتب في موقع "Gatestone" ما يلي حول ما يحدث في تركيا، وهو عضو في منتدى الشرق الأوسط "Middle East Forum":

رغبةٌ هَوسيّة في استعادة المجد الإمبراطوري التركي السابق تدفع أردوغان إلى التوجه الآن نحو الشرق، تحاول تركيا الآن إقامة تحالف إسلامي/ تركي إستراتيجي، مع أذربيجان وباكستان، تضيف إليه تحالفات تكتيكية مع إيران وقطر وبنغلاديش.

تتمثل فكرته في استقطاب وجمْع ثلاث دول إسلامية: تركيا العضو في الناتو، وأذربيجان الغنية بالمواد الهيدروكربونية ومسلحة بشكل متزايد، وباكستان مزوّدة بترسانة نووية.

زار أردوغان أذربيجان أكثر من  20 مرّة خلال فترة رئاسته، وهذه الزيارات المتكرّرة ليست مصادفة.

تعتقد أنقرة أنّ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يفتح المجال أمام تركيا وباكستان لزعامة جديدة.

قد تبدو التوقّعات والآفاق واعدة، لكنّها مجرد أوهام.

من المؤكّد أنّ الانتقال من التعاون البسيط بين الدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى إلى بناء اتحاد سياسي بهدف إضعاف نفوذ بكين وموسكو لا يمكن أن يمرّ مرّ الكرام دون أن تلاحظه بكين أو موسكو.

في السنوات الأخيرة زادت مبيعات الأسلحة التركية لأذربيجان وتضاعفت الصادرات العسكرية والفضائية التركية إلى أذربيجان ستة أضعاف، وبالمثل أصبحت تركيا رابع أكبر مورّد للأسلحة لباكستان

من الناحية النظرية تُعدّ إيران "الإخواني الإسلامي" لتركيا. في الواقع تمثّل إيران (الشيعية) الخصم التاريخي لتركيا (السنية)، لكنّها أيضاً منافِستها عبر الحدود في العراق بأغلبية شيعية، وفي سوريا، الواقعة تحت الهيمنة السياسية الشيعية.

ثم هناك روسيا. أذربيجان أراضٍ روسية أكثر منها أراض تركية، الأذربيجانيون الناطقون بالروسية أكثر عدداً من أولئك الذين يتباهون بترديد "أمة واحدة، دولتان" باللغة التركية، أصبحت باكستان أقوى حليف للصين، ويبدو أنّها راضية عن كونها أصبحت إقليماً صينياً.

الحسابات العثمانية الجديدة

أدّت الحسابات العثمانية الجديدة الطموحة التي تحرك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى عزلة دولية غير مسبوقة ضدّ تركيا. كانت تركيا على مدى السنوات الخمس الماضية الدولة الوحيدة في العالم التي تمّ فرض عقوبات عليها بالتناوب من قبل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، كما توقفت عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقد بدأ المجلس الأوروبي في تطبيق إجراءات الانتهاك ضدّ الدولة المسلمة الوحيدة العضو في الناتو.

شهد شعار "أمّة واحدة ودولتان" أوج ذروته خلال الحرب التي قادتها أذربيجان ضدّ ناغورنو كاراباخ، عام 2020، وقد أتاح الدعم العسكري واللوجستي التركي للأذربيجانيين بالفعل احتلالَ جزء كبير من أرمينيا، وهكذا أصبحت أذربيجان فجأة عميلاً مخلصاً لأنظمة الأسلحة التركية. لحدّ أنّ تركيا دعت أذربيجان وباكستان للمشاركة في TF-X، وهو برنامج طموح يهدف إلى صنع جيل محلي من الطائرات المقاتلة.

اقرأ أيضاً: أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟

في السنوات الأخيرة زادت مبيعات الأسلحة التركية لأذربيجان بشكل كبير، في عام 2020  تضاعفت الصادرات العسكرية والفضائية التركية إلى أذربيجان ستة أضعاف، وبالمثل ما بين عامَي 2016 و2019 أصبحت تركيا رابع أكبر مورّد للأسلحة لباكستان، متقدمة على الولايات المتحدة، بينما أصبحت باكستان ثالث أكبر زبون لتركيا في جميع السلع المتعلقة بالدفاع.

اقرأ أيضاً: كم كبش فداء يحتاج أردوغان لتبرير انهيار الاقتصاد؟

عام 1988، أنشأت تركيا وباكستان مجموعة استشارية عسكرية لتعزيز تعاونهما في المشتريات العسكرية والدفاعية، وتعمّقت العلاقة وتطورت المجموعة الاستشارية إلى ما سُمِّي بمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى (CCSHN). في أوائل عام 2020، شارك أردوغان ورئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، في رئاسة الجلسة السادسة لـمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى "CCSHN"، ومن بين 13 مذكرة تفاهم تمّ توقيعها تتعلق خمسٌ منها بالصناعات الدفاعية.

ينصّ أحد العقود على شراء البحرية الباكستانية لأربع طرادات تركية متعددة الأغراض. عام 2018 باعت شركة صناعة الطيران التركية "TAI  30" طائرة هليكوبتر هجومية من طراز "T129" لباكستان، مقابل 1,5  مليار دولار.

أردوغان زار أذربيجان أكثر من 30 مرّة

ليس من قبيل الصدفة أن يزور أردوغان أذربيجان أكثر من 30 مرّة منذ أن أصبح رئيساً، في أيلول (سبتمبر) 2021، أجرت الجيوش الأذربيجانية والتركية والباكستانية معاً مناورات لمدة ثمانية أيام في باكو. كان الاسم الرمزي لهذه التدريبات العسكرية هو "الإخوة الثلاثة – 2021"، وبعد التوقيع على إعلان إسلام أباد، أمضت أنقرة وباكو وإسلام أباد، عام 2021،  في مناقشة سبل تعزيز التجارة والاستثمار والنقل والبنوك والسياحة بين دولهم الإسلامية الثلاث.

للتأثير على مستقبل أفغانستان، تسعى تركيا الآن للعمل والتعاون الوثيق وعن كثب مع حليفتها الخليجية المخلصة قطر، في بداية كانون الأوّل (ديسمبر)، وقّع أردوغان وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما لا يقل عن 12 مذكرة تفاهم في مجالات متنوعة، مثل الجيش والصحة والسياحة والتعليم، وأوضح وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني؛ أنّ "قطر وحليفتها تركيا وقيادات طالبان سيتعاونون لضمان تشغيل مطار كابول الدولي، الذي كان مسرحاً لمشاهد فوضوية بعد صعود طالبان للسلطة".

اقرأ أيضاً: اقتصاديون يجيبون لـ"حفريات": هل ينجح تحدي أردوغان لليد الخفية؟

ويرى بعض الخبراء أنّ أنقرة ترغب في الاستفادة من خروج الأمريكيين من أفغانستان لإقامة قيادة تركية باكستانية واحتلال الأرضية من بعدها.

على مدى 20 عاماً، كانت الولايات المتحدة القوّة المهيمنة خارج المنطقة. في هذا الشأن، قالت ربيعة أختار، مديرة مركز إستراتيجية الأمن وبحوث السياسات (CSSPR) في جامعة لاهور"هناك ديناميكية جيوسياسية تحدث الآن؛ إنّ رحيل الأمريكيين أوجد فراغاً سياسياً.. وتقع باكستان في قلب الحركة، وليس باكستان فحسب، بل إيران وتركيا أيضاَ".

طموح أردوغان الإسلامي مفيدٌ للمصالح الروسية والصينية؛ فكلما زاد انخراط الأتراك في الشرق تباعدت وتفككت علاقاتهم، المتشنّجة أصلاً، مع المؤسسات الغربية، لا سيما مع الناتو

في 23 كانون الأوّل (ديسمبر)، بعد 10 سنوات من الانقطاع، استأنف خطُّ السكك الحديدية بين إسلام أباد وإسطنبول العمل، وربط أوّل قطار شحن بين باكستان وتركيا عبر إيران، ويمثّل هذا الخط حافزاً هائل للعلاقات التجارية بين الدول الثلاث المؤسسة لمنظمة التعاون الاقتصادي، جاء هذا الإحياء للخط الحديدي بعد أن مارست الولايات المتحدة "ضغوطا قصوى" على إيران لعزل الجمهورية الإسلامية وتحطيم علاقاتها التجارية الدولية.

اقرأ أيضاً: "ديانت": تقويض العلمانية داخل تركيا وخدمة أحلام أردوغان خارجها

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقّعت إيران وأذربيجان وجورجيا اتفاقيةً لإنشاء طريق يربط الخليج "الفارسي" بالبحر الأسود، فليس من المستبعد بعد ذلك أن يتم ربط وتوصيل هذا الخط بخط سكة حديد إسلام أباد – إسطنبول، وبالتالي تعزيز الاتصال والترابط في المنطقة، كما تحافظ باكستان وتركيا، وهما حليفتان مقرّبتان لأذربيجان أيضاً على علاقات تجارية قوية مع إيران.

التوجهات الجيوسياسية

يبدو أنّ هذه التوجهات الجيوسياسية تقدّم آفاقاً طموحة وجريئة، لكنّ المظاهر قد تكون جدّ خادعة.

وبالتالي، فإنّ تزويد باكستان بطائرات هليكوبتر هجومية من طراز "T129" لم يحقق مقدار ذرة من التقدّم منذ عام 2018، لسبب بسيط؛ هو أنّ شركة صناعات الفضاء التركية "Turkish Aerospace Industries" لا تملك تراخيص تصدير أمريكية، يتم إنتاج "T129" بموجب ترخيص من الشركة الإيطالية البريطانية "AgustaWestland"، وتعمل الطائرة بمحرك "LHTEC"، وهو مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا هونويل/ رولز رويس Honeywell / Rolls-Royce.

أي من الواضح أنّ الاتفاقية العسكرية التركية الباكستانية أصبحت الآن الضحية الجانبية لنزاع تركي أمريكي ناجم عن استحواذ تركيا على نظام صواريخ "أرض-جو" الروسية "S-400".

ثم هناك الصين بعد وصول طالبان إلى السلطة كانت الصين أوّل دولة أجنبية تتعهد بتقديم مساعدات إنسانية طارئة لأفغانستان، يُعدّ تأمين الأمن على الحدود الغربية للصين أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لمصالح بكين الاقتصادية ولإنشاء جهاز "حزام الطريق" الذي يهدف إلى تنشيط طرق الحرير القديمة، كما يشهد التحالف طويل الأمد بين الصين وباكستان تطوّراً باتجاه تحالفٍ صيني باكستاني يميل في أفغانستان إلى الحدّ من دور تركيا. في هذا الصدد صرّح ميرسي أ كيو "Mercy A. Kuo"، نائب الرئيس التنفيذي لشركة بامير كونسلتينج: "يمكن للصين وباكستان وأفغانستان وروسيا وإيران أنّ تعمق تعاونها الإستراتيجي في كفاحها ضدّ الإرهاب وتهريب المخدرات".

اقرأ أيضاً: بانوراما تركية: أهذا ما تمناه أردوغان؟

تشعر الصين بالقلق أيضاً من الدعم الخفي الذي تقدّمه الحكومة التركية للأويغور، وهم أقلية تركية مسلمة يعدّها الحزب الشيوعي الصيني تهديداً لأمنه. في وقت سابق من هذا العام، أصبح مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية، المعروف أيضاً باسم مجلس الناطقين بالتركية يشكل "منظمة الدول التركية"، وهو الاسم الجديد الذي أنعش الشكوك الصينية (والروسية) فيما يتعلق باحتمال حدوث انفصاليةٍ لعموم تركيا (القومية التركية). لا شكّ في أنّ محاولة تركيا تحويل تعاون الدول الناطقة بالتركية إلى كتلة سياسية قابلة لأن تُضعِف نفوذ بكين وموسكو في آسيا الوسطى ستخضع لبحث ودراسة وتدقيقٍ عن كثب من قبل الصين وروسيا.

الغموض الإيراني

ثم هناك الغموض الإيراني؛ أحدثت مناورات "الإخوة الثلاثة - 2021" العسكرية، في أيلول (سبتمبر)، توترات بين أذربيجان وإيران، ورأت الجمهورية الإسلامية أنّ ذلك الحدث بمثابة تهديد لها، لا سيما بسبب تورط باكستان. فجأة، في  1 تشرين الأوّل (أكتوبر)، ردّ الجيش الإيراني بمناورات عسكرية باسم "فاتحان خيبر" "Fatehan Khaybar"، على حدودها الأذربيجانية، وبعد فترة وجيزة من هذه التدريبات العسكرية أغلقت أذربيجان مسجداً ومكاتب يعمل فيها ممثل المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.

لطهران أسباب كثيرة تبرّر قلقها؛ فإذا دفعت حركةُ انفصالية إلى انتفاضة أقليّتها التركية الأذربيجانية، وهي الأهم في إيران، مع كتلة سكانية يبلغ تعدادها 14 إلى 20 مليون نسمة فسيصبح استقرار البلاد عندئذ مهدداً لا محالة.

تضاف إلى كل هذه التوترات العرقية الاحتكاكات الاقتصادية العديدة. في الواقع أسفرت إعادة إعمار ناغورنو كاراباخ بعد المعارك عن عقود مُنحت بأغلبية ساحقة لشركات تركية أو باكستانية، مع حصول العارضِين الإيرانيين على فتات فقط.

اقرأ أيضاً: كيف تهدّد منصات التواصل الاجتماعي ديمقراطية أردوغان؟

من الناحية النظرية، ترى إيران، "الشقيق المسلم لتركيا، لكن في الواقع إيران (الشيعية) هي الخصم التاريخي لتركيا (السنية)، لكنّها أيضاً منافسها عبر الحدود في العراق بأغلبية شيعية وفي سوريا تحت الهيمنة السياسية الشيعية.

أخيراً، تعتبّر أذربيجان أراضي روسية أكثر بكثير من كونها جزءاً من الأراضي التركية. يفوق عدد الأذريين الذين يتحدثون الروسية أولئك الذين يحبون ترديد "أمة واحدة ، دولتين" بالتركية. أخيراً، ما تزال باكستان أقوى حليف للصين ويبدو أنّها سعيدة بأن تعدّ نفسها أراضي صينية.

في الواقع قد يتّضح أنّ طموح أردوغان الإسلامي مفيدٌ للمصالح الروسية والصينية: فكلما زاد انخراط الأتراك في الشرق تباعدت وتفككت علاقاتهم، المتشنّجة أصلاً، مع المؤسسات الغربية، لا سيما مع الناتو، علاوة على ذلك يمكن التأكيد أنّ موسكو وبكين لن تسمحا بظهور تكتل تركي إسلامي يسعى أساساً لإعاقة وعرقلة توجهاتهما.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

fr.gatestoneinstitute.org

https://fr.gatestoneinstitute.org/18214/erdogan-ambitions-neo-ottomanes



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية