أردوغان يجد طريقاً جديداً إلى القدس يمر عبر آيا صوفيا

أردوغان يجد طريقاً جديداً إلى القدس يمر عبر آيا صوفيا


14/07/2020

محمد أبوالفضل

أثارت تغريدتان نشرت الأولى على حساب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الناطق باللغة العربية والثانية على الحساب الرسمي للرئاسة التركية الناطق باللغة الإنجليزية على تويتر، عن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد جدلا كبيرا حول ما اعتبره البعض “ازدواجية”، فظهر أردوغان في الأولى “فاتحا” وفي الثانية “منفتحا” نحو الغرب وهو ما فجر سخرية بالغة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال معلقون إن أردوغان استأنف نشاطه الواسع في الكذب والتدليس وخاطب كل فئة باللغة التي تجيدها والطريقة التي تفهمها، ما يشي بأن الغاطس أكثر من الظاهر.

واستخدم أردوغان في تغريدته العربية لغة عاطفية توقظ المشاعر بشأن مقدسات بعيدة عنه، تحظى باهتمام فئة كبيرة من المسلمين لا تجد وسيلة ناجعة لاستردادها، فجاء وعزف عليها لحنا سياسيا يمكن أن يساعده على المزيد من الانتشار في صفوف الدهماء.

ويستند الرجل على شريحة من البسطاء هي المعنية بخطابه العام، بعد أن فقد لمعانه في نظر النخبة العربية التي كانت تسانده قبل اندلاع الثورات والاحتجاجات، وابتعد عنه كثيرون، ولم يتبق معه سوى جماعة الإخوان والمتشددين وطائفة من البسطاء والمستفيدين والمبتسرين.

ويريد الرئيس التركي الاحتفاظ بمؤيديه واستقطاب من لديهم الاستعداد للانضمام إلى موكبه الفضفاض، انطلاقا من وازع ديني يبدو واضحا، لكن يكتنفه الكثير من الغموض، ويحاول اللعب بورقة المسجد الأقصى ليسبغ على نفسه صفة المنقذ والمخلص، وأن علاقته المتصاعدة مع إسرائيل تكتيكية، ولا ترمي إلى تحقيق أهداف خفية بشأن تطوير التعاون معها. هو يريد أن ينفي الاتهامات التي طالته حول تقديم المبررات الكافية لتقوم إسرائيل بتحويل الأقصى إلى كنيس يهودي رسميا.

يسكب إقحام الأقصى في معركة آيا صوفيا المزيد من الزيت على النار التي تحرق الفلسطينيين كل يوم وهم يدافعون عنه أمام الصلف الإسرائيلي، ويمنح المتشددين فيها فرصة ثمينة للضغط على الحكومة للإقدام على خطوة من هذا النوع قد لا تجد ممانعات إقليمية ودولية كبيرة، فالأنظار المنصبة على إسطنبول لن تبارحها لفترة.

فتح التعامل مع آيا صوفيا من هذا المنظور الديني الباب لدول أخرى يمكن أن تقدم على خطوة مماثلة مع مئات المساجد الإسلامية وتحويلها إلى كنائس ومتاحف، أو بمعنى أدق أجج معركة تجاوزها العالم الغربي، لكن أردوغان يمكن أن يجعل منها حصان طروادة الذي يمتطيه عندما تتزاحم عليه الأزمات في الداخل.

من جانب آخر، بدا الرجل متحضرا أكثر من اللازم على حساب الرئاسة التركية في تويتر، وحاول أن ينفي الاتهامات التي تلاحقه بتأجيجه الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، والتعامل مع القرار بقدر من التسامح الإنساني.

“أبواب آيا صوفيا ستكون مفتوحة للجميع.. بمكانتها الجديدة ستواصل التراث المشترك للبشرية، احتضان الجميع بطريقة أكثر صدقا وأصالة”.

ويفضح التفاوت في المعاني والمضامين العربية والإنجليزية البون الشاسع بين لغتين أو خطابين سياسيين يستخدمهما أردوغان دوما، أحدهما صارم وحاسم، والآخر لين ومرن، ما يفسر قدرته على حشد طائفة من المسلمين حوله تتعلق بأهداف الخلافة وتعتقد أنه سوف يعيدها إلى مجدها الغابر، مستفيدا من الإحباط الذي ينخر في نفوس هؤلاء، والذي يجعلهم يصدقون الرجل ويركضون خلفه.

لوّح بورقة المسجد الأقصى كرمز ديني ودلالة على استدارته اللاحقة نحو تصفية الحسابات مع إسرائيل، وما هو أبعد، حيث لفت إلى بخارى والأندلس، أي أن خلافته ممتدة إلى الجذور الأولى، وقادرة على استعادة الأمجاد، الأمر الذي يلتقي فيه مع الخطاب الذي تتبناه تنظيمات متشددة منتشرة في أماكن مختلفة، فلا أحد يستطيع التفرقة بينهما بسهولة، لأن الرمزية التي يحملها كل طرف تلتقي عند مربع واحد.

ويعلم الرجل أن قراره يضع هؤلاء في جعبته لتسخيرهم كيفما شاء في الصراعات والمناطق الملتهبة، في ظل طموحات متنامية في المنطقة العربية، ويجعله قدوة لهم، بصرف النظر عما تحمله تحركاته من زيف وخداع وأضرار يمكن أن ترتد على من قبلوا بتأييده طوعا وخوفا وطمعا.

يعيد إليه هذا التوجه جانبا من البريق الذي افتقده في الداخل التركي، فهو بحاجة إلى الاحتفاظ بكتلة حرجة من الإسلاميين لمواجهة التحديات التي تتناثر على جانبي الطريق، مع زيادة معدل التدهور الاقتصادي، وتراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع، وارتفاع عدد الخارجين عن طوعه من الشخصيات الفاعلة في الحزب، وقدرتهم على ممارسة نوع من المعارضة المزعجة له في الانتخابات المقبلة.

وكذب أردوغان بالعربية والإنجليزية، كما يكذب بالتركية في أوقات كثيرة، فلا هو قادر على تحرير الأقصى والتمدد حتى بخارى والأندلس، ولا هو متسامح مع الآخر، فهو كتلة من الشرور السياسية تعتقد زيفا أنها تمتلك قوة خارقة، يمكنها الوصول إلى غاياتها النهائية بموجب خطاب مزدوج ملتو لم يعد خافيا على من يتعاملون معه.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية