أردوغان ليس صديقاً للغرب

أردوغان ليس صديقاً للغرب

أردوغان ليس صديقاً للغرب


11/02/2023

يُعدّ اعتبار تركيا «حليفاً استراتيجيّاً حيويّاً» للغرب حقيقة بدهيّة نشأ عليها أشخاصٌ مثل جو بايدن وجينس ستولتنبرغ، الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسيّ». ومع ذلك، ماذا لو لم تَعد الحكمة القديمة صالحة؟ ماذا لو أنّ الزّعيم التّركيّ، مستغلّاً هذه الفكرة، يخون المصالح الغربيّة بحجّة الشّراكة؟ ألا يجب أن يُعامل على أنّه عائق، تهديد - بل أن يُنبَذ عدوّاً؟

الجغرافيا لا تتغيّر. تتمتّع تركيا بنفوذ كبير على مفترق طرق أوروبا، وآسيا، والشّرق الأوسط. ومع ذلك، فإنّ السّياسات العدوانيّة، والسلطويّة، والانشقاقيّة التي انتهجها السّلطان الرّئيس سريع الغضب في الدّاخل والخارج على مدى عقدين من الزّمن قلبت الافتراضات التي طالما كانت موضع اعتزاز. تكاد تكون متانة وفائدة تركيا باعتبارها حليفاً موثوقاً به للغرب على وشك الانتهاء.

انتخابات مصيرية

بينما تتّجه الانتخابات التّركيّة الأكثر أهميّة منذ جيل نحو ذروة حمويّة في أيار (مايو)، وبينما تفكّر الدّيمقراطيّات الغربيّة في خيارات حاسمة في أوكرانيا، حول روسيا فلاديمير بوتين، وفي إيران، وسوريا، وإسرائيل، وفلسطين، فإنّ هذه المعضلات تتلخّص في سؤال واحد أساسيّ: هل حان الوقت للاعتراف بأنّ رجب طيّب أردوغان ذا الوجهين ليس صديقاً للغرب - ومعاقبته بناءً على ذلك؟

يُعدّ منع أردوغان محاولة السّويد الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسيّ» أحدث مثال فاضح على سلوكه العدائيّ

يُعدّ منع أردوغان محاولة السّويد الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسيّ» أحدث مثال فاضح على هذا السّلوك العدائيّ. يدّعي أنّ ستوكهولم تؤوي «إرهابيّين» من الجماعة الكرديّة المسلّحة «حزب العمّال الكردستانيّ». في الحقيقة، ينبع رفضه انضمام السّويد إلى الحلف من ثأره طويل الأمد المُعادي للأكراد، والذي يتضمّن تحرّكات قانونيّة لحل «حزب الشّعوب الدّيمقراطيّ»، المعارضة الرّئيسة المدعومة من الأكراد، قبل الانتخابات. ويهدّد الخلاف حول انضمام السّويد للحلف، الآن، بالانفجار وسط موجة من حوادث حرق القرآن، والاحتجاجات الدّبلوماسيّة، والانتقام العنيف.

استهداف المعارضين

يطالب أردوغان، أيضاً، السّويد بتسليم لاجئين سياسيّين، لا سيما بولنت كينيش، رئيس التّحرير السّابق لصحيفة «زمان»، الذي يتّهمه بدعم محاولة انقلاب فاشلة في عام 2016. تعتبر التّكتيكات التّخويفيّة التي تستهدف الصّحافيّين جزءاً من حملة أوسع نطاقاً بعد الانقلاب لخنق النّقاش العام، والتّلاعب بالدّستور، وإخضاع القضاة، وتطهير الجيش والخدمة المدنيّة - وتقوية حكم الفرد كأمرٍ واقع.

إنّ استخدام عضوية تركيا في «حلف شمال الأطلسيّ» لأغراض سياسيّة داخليّة عبارة عن مناورة أردوغانيّة نموذجيّة. ومع ذلك، فإنّ ذلك يعرقل، أيضاً، عن عمد رغبة السّويد (وفنلندا) المشروعة في تعزيز دفاعاتهما بعد الغزو الرّوسي لأوكرانيا، بينما يقوّض جهود الحلف لإظهار الوحدة والعزيمة. وهذه ليست المرّة الأولى التي يفضّل فيها أردوغان موسكو على شركاء الحلف.

تعيش تركيا في منطقة قاسية لا أحد يتوقّع سيول السّلام والمحبّة من قادتها. ويمكن أن تكون حليفاً قَيِماً، لكن تركيا ليست بالشّيء الذي لا غنى عنه

يرفض أردوغان العقوبات المتعلّقة بأوكرانيا ويتحايل عليها. ونمت تجارة تركيا مع روسيا بنحو مائتين في المائة في الأشهر السّتّة التي أعقبت الغزو، بما في ذلك واردات أعلى من الطّاقة. كما أثار ابتياعه أنظمة صواريخ أرض جو روسيّة غضب واشنطن، التي تعتبرها تهديداً لقوّات الحلف. إنّ تظاهره بأنّه وسيط لأوكرانيا يساعد بوتين في الحفاظ على الادّعاء بأنّه مهتمّ بالسّلام.

إنّ خِطَط أردوغان لشنّ غزو مسلّح آخر على شمال سوريا تتعارض مع الجهود التي تقودها الولايات المتّحدة لدعم المعارضة الدّيمقراطية المناهضة لبشار الأسد وقمع الإرهاب الإسلامويّ. في الواقع، تعتبر عمليّات التوغّل والاحتلال المزعزعة للاستقرار في الأراضي الحدوديّة السّوريّة والعراقيّة امتداداً آخر لحرب أردوغان المهووسة على الأكراد. وتقاربه المحتمل مع دمشق يقوّض السّياسة الأمنيّة الغربيّة.

إذا كانت مخالطة أردوغان المثيرة للاشمئزاز لبوتين، وتعامله المزدوج مع أوكرانيا، والتّوسّع العثمانيّ الجديد، والعدوان المتقطّع تجاه اليونان العضو في «حلف شمال الأطلسيّ» ليس دليلاً كافياً على سوء النّية، ففكّر، إذاً، في حربه الأخرى - على ديمقراطيّة بلاده. إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان، تسبّب أردوغان في فوضى كبيرة في الاقتصاد التّركيّ. وبلغ معدّل التّضخّم 58 في المائة، ومستويات المعيشة تتدهور. ويقول أكثر من 70 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً إنّهم يفضّلون العيش في مكان آخر.

بينما تتّجه الانتخابات التّركيّة الأكثر أهميّة نحو الذروة، هناك سؤال واحد أساسيّ: هل حان الوقت للاعتراف بأنّ أردوغان ذا الوجهين ليس صديقاً للغرب، ومعاقبته بناءً على ذلك؟

في أيّ سباق ديمقراطيّ عادي، كان هذا الافتقار للكفاءة ليكلّفه الرّئاسة ويكلّف حزبه، «حزب العدالة والتّنمية»، الأغلبيّة البرلمانيّة. لكنّ أردوغان لا يدير الأمور بشكل طبيعيّ. في الأسابيع الأخيرة، رفع الحدّ الأدنى الوطنيّ للأجور بنسبة 55 في المائة، وخفض سنّ التّقاعد، ورفع رواتب القطاع العام، ووسّع برامج القروض والإعفاء من الدّيون، في محاولة فاضحة تموّلها الدّولة لشراء الأصوات.

في الوقت نفسه، يبدو أنّ أردوغان عازم على القضاء على منافسيه الرّئاسيّين. زعيم «حزب الشّعوب الدّيمقراطيّ»، صلاح الدّين دميرطاش، في السّجن بالفعل. وإذا كان لأردوغان ما يريده، فسوف ينضمّ إليه قريباً أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول صاحب الشّعبيّة وأحد أبرز المعارضين في «حزب الشّعب الجمهوريّ». يستأنف إمام أوغلو حالياً حكماً بالسّجن له دوافعه السّياسيّة ويواجه مجموعة من التّهم الإضافيّة الملفّقة.

الرشاوى والخداع

الرّشاوى الانتخابيّة والخداع السّياسيّ، من دون مُنازعة من قِبل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدّولة والتي يحجبها مناخ الخوف، تشير إلى انتصار آخر لأردوغان. وقد أصدرت الأسبوع الماضي  ستة أحزاب معارضة، انضمّت في تجمّع جديد باسم «تحالف الأمّة»، بياناً تعهّدت فيه، من بين أشياء أخرى كثيرة، بالحدّ من السّلطات الرّئاسيّة. لكنّها لم تتّفق بعد على زعيم - وتشير استطلاعات الرّأي إلى أنّه من دون «حزب الشّعوب الدّيمقراطيّ»، لن تفوز المعارضة بالأغلبيّة البرلمانيّة.

 استخدام عضوية تركيا في «حلف شمال الأطلسيّ» لأغراض سياسيّة داخليّة عبارة عن مناورة أردوغانيّة نموذجيّة

كل هذا يعود بنا إلى السّؤال الأصليّ: ما الذي يجب أنّ تفعله الدّيمقراطيّات الغربيّة حيال أردوغان، على افتراض فوزه مرّة أخرى؟ المزيد من العقوبات، بما في ذلك عقوبات تُفرض عليه شخصياً، من بين الاحتمالات. يقترح أعضاء بمجلس الشّيوخ الأمريكيّ أن تُحرم أنقرة من طائرات «إف 16» المقاتلة، التي كان بايدن وعد بها، إذا استمرّت في تخريب «حلف شمال الأطلسيّ». ويمكن تجميد محادثات العضويّة المتعثّرة في «الاتّحاد الأوروبيّ» رسميّاً إلى أجل غير مسمّى. ومع ذلك، من أجل جذب انتباه أردوغان، فإنّ أيّ إجراءات عقابيّة يجب أن تذهب إلى أبعد من ذلك.

يجب على بايدن وستولتنبرغ، وكلاهما شديد الحذر وكاره للمخاطرة، التّخلّي عن طريقة التّفكير القديمة الفاقدة للمصداقيّة. يجب عليهما تذكير أردوغان بأنّ الحلف مجتمع قِيَم وقواعد: التّرحيب بالسّويد وفنلندا في التّحالف عن طريق تصويت جميع الأعضاء الثّلاثين، وتعليق عضوية تركيا، إذا لزم الأمر عن طريق تعديل «معاهدة شمال الأطلسيّ». إذا لم يعجبه هذا، فهذه مشكلته.

تعيش تركيا في منطقة قاسية لا أحد يتوقّع سيول السّلام والمحبّة من قادتها. ويمكن أن تكون حليفاً قَيِماً مرّة أخرى. لكن تركيا ليست بالشّيء الذي لا غنى عنه. إذا لزم الأمر، يمكن للدّيمقراطيّات الغربيّة أن تعيش بأمان من دونها - حتّى فجر ذلك اليوم السّعيد الذي يُرمى فيه، أخيراً، بسلطان أنقرة النّكد ويُطرَد.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سيمون تيسدال، الغارديان، 5 شباط (فبراير) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية