أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان

أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان

أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان


05/10/2023

سوسن الأبطح

«لست متديناً، لكنني لست ضد الدين أبداً. الدين أعده حاجة كيانية للإنسان، على الأقل، ليحل مشكلاته مع الغير ومع الموت. وهذا من حقه. وأنا أول من يدافع عن هذا الحق»، يقول الشاعر أدونيس رداً على سؤال خلال لقاء حواري معه في «متحف نابو» (شمال لبنان) يوم الأحد الماضي، وذكر أنه يعد الدين «تجربة شخصية لا تلزم إلا صاحبها».

عقدت الجلسة التي تحدث خلالها أدونيس، وكذلك المحللة النفسية المغربية حورية عبد الواحد الأستاذة في جامعة السوربون، وأدارها الشاعر زاهي وهبي، ضمن مؤتمر «ميلينيا مرآة الإنسانية» الذي خصص لباحثين وفنانين على مدى يومين لمناقشة علاقة الإبداع بعلم النفس. والمؤتمر من تنظيم «المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية – نفسانيون».

وقال أدونيس رداً على سؤال من زاهي وهبي حول معوقات النهضة، إنها «معوقات داخلية وخارجية في وقت واحد»، متسائلاً: «هل لدينا كتاب واحد في تراثنا العربي، يمكننا أن نسميه كتاباً حراً. بمعنى أنه كُتب بحرية كاملة، ويُقرأ بحرية كاملة؟ ليس هناك كتاب واحد، والذين حاولوا أن يكتبوا هذا الكتاب، قتلوا أو أحرقت كتبهم».

ووصف أدونيس المجتمع اللبناني بأنه مجرد «تجمعات لبنانية، الصلة بينها نظام قائم على سلطة مغتصبة بشكل أو بآخر. هي ليست سلطة نابعة من إرادة الشعب. لأنه ليست هناك سلطة مدنية»، وعدَّ لبنان حالة مصغرة عن حال الدول العربية الأخرى.

وخلال إجابته على أسئلة الحضور، أسف أدونيس لأنه بعد مائة سنة من انتهاء الحكم العثماني (1923-2023) إذا درسنا التحولات في المجتمع العربي وقارناها بمجتمعات أخرى، نجد أن انقلابات حصلت في مختلف الميادين، في العالم كله، حيث انتقل من سيئ إلى أقل سوءاً، ومن حسن إلى أحسن، إلا العرب، بدأوا جيداً، والآن هم في أسوأ حالاتهم. وتساءل أدونيس: «لماذا هذا الانحدار؟».

وفي محاولة للإجابة، عدَّ الشاعر أننا قد نتفق على بعض الأفكار السياسية العامة، لكننا حين ندخل قليلاً في التفاصيل، فلن نتفق على اسم رئيس أو نائب واحد أو حتى موظف، كل ما يتعلق بالنظام أو الدولة نختلف عليه. «لماذا وحّدنا الفن، الغناء أو الموسيقى؟ لأن الصوت يصلنا بالطبيعة. نحن والطبيعة واحد، لكن بالثقافة نحن متعددون. كل مجموعة من الأفراد عليهم الواجبات نفسها، لكنهم لا يتمتعون بالحقوق نفسها. كيف يمكن أن يكون مجتمع متقدماً، لا يتساوى أفراده في الحقوق. ولماذا لا يتكلم المبدعون عن هذه المشكلات؟».

كأنك تقول المبدعون غائبون؟ سأله زاهي وهبي، ليجيب: «ليس لدينا مجتمع، وإنما مجموعة من الأفراد. هل حقاً لدينا مجتمع لبناني؟ هل لدينا مجتمع سوري؟ هل لدينا مجتمع عراقي؟ المجتمع يتشكل حين يتساوى الأفراد في الحقوق والواجبات، ما عدا ذلك لا يمكن أن يتشكل مجتمع. نحن لا نزال قبائل. والسردية التاريخية يجب أن تعاد قراءتها، ودون هذا لن نستطيع أن نتقدم، سنظل ندور حيث نحن».

استذكر أدونيس رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل فؤاد شهاب. وعدَّ أن المصادفة قد تأتي مرة أخرى بزعيم إصلاحي مثله، ويقوم بخطوات كبيرة من أجل الإصلاح، ويحاول أن يفعل شيئاً مختلفاً، لكنه لن يستطيع. «سنظل نطرح أسئلتنا على السردية الثقافية السائدة عند العرب، وهي سردية خاطئة ومختلقة، ويجب أن نعيد النظر فيها. واستناداً إلى إعادة النظر في هذه السردية، يجب أن نعيد النظر بأنفسنا. لماذا لا أستطيع أن أعبر عن نفسي تمام التعبير، في المجتمع الذي أعيش فيه؟ ثم المجتمع والناس الذين نتحدث معهم».

وأضاف أن «الحقوق المدنية والحرية هما أساس، ومن دونهما لا يمكن أن يكون عندنا مجتمع». واشتكى أدونيس من غياب حوار عميق بين الإنسان وذاته، وبين بعضنا البعض. ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن تفسيره لتطور شعوب لا حريات لها ولا حياة ديمقراطية. أجاب بأن الفرد العربي هو فرد ناجح، أينما حلّ. وأن بين هؤلاء من بلغوا مراتب كبيرة وعالية، وبمقدوره أن يعطي أسماء كثيرة. لكن «لا توجد في المقابل مؤسسة واحدة ناجحة». وبالتالي فهي مشكلة المؤسسات. كما أن الصين مثلاً برأيه وبرأي الدكتورة حورية هي «مجتمع غير ديمقراطي صحيح، لكن ليست له مرجعية دينية تكبله، كما هي حالنا، وهذا أحد أسباب نجاحه».

ووجه الحضور أسئلتهم إلى أدونيس والمحللة النفسية عبد الواحد، التي عدّت بدورها أن «أدونيس تحدث عن الذاتية. وأنا كمحللة نفسيه، أقول إننا نحن العرب عندنا مشكلات ككل البشر. لكن ثقافتنا لا تسمح لنا بالتعبير عن الذات. حين تأتيني مريضة مغربية لا تستطيع أن تعبر عن رغباتها مثل امرأة فرنسية، لأنها تشعر بالخجل والخوف. أدونيس تحدث عن تقديس النص لكننا نقدس الأشخاص أيضاً». عبد الواحد ترى أن عملية التحليل النفسي تحتاج زلزالاً عنيفاً، وبدونه لا تحليل. «أول ما أسأل عنه مرضاي هو عن علاقتهم بالأب. لكن في ثقافتنا الأب مقدس، والعلاقة بالأم مقدسة أكثر. هناك تقديس، تبجيل، خوف، قلق، وعوائق ثقافية أخرى، وأظن أن هذا يعيق التعبير عن النفس».

واشتكى أدونيس «من أننا لا نقرأ. وإذا ما قرأنا فإن أول ما نسأل عنه هو اسم الكاتب، وقد نسأل ما معتقده، وقد نسأل ما دينه أيضاً أو مذهبه؟ نحن نقرأ الكتب في ضوء همومنا لا في ضوء النص».

وحين سُئل عن ابن رشد وقراءته للنص الديني، قال أدونيس إنه «خلق إسلامه الخاص، لأنه كان إما السيف أو التراجع، والحياة غالية ويتمسك بها الإنسان لأنها تعطى لمرة واحدة»، مقولة ابن رشد باختصار هي أن النص القرآني ما من آية فيه إلا وتتطابق مع التفسير العقلي.

وكرر أدونيس: «أنا لست ضد الدين بحد ذاته. أنا أتحدث عن الإسلام المؤسسي. الإسلام المؤسسي الفقهي شيء، وإسلام النص القرآني شيء آخر. نحن الآن في إسلام الخلافة ولسنا في إسلام النبوة. إنما الخلافة تبنت النبوة كي تستطيع أن تكمل. الدولة الأموية رفضت إسلام النبوة علناً».

وعن التصوف، قال: «إن المتصوفين خلقوا أكبر ثورة في تاريخ الإسلام في تقديري. الله في نظرهم هو قوة مبثوثة في العالم، وليس من خارج العالم. ثانياً، هم غيروا الهوية، فهي بالنسبة لهم ليست إرثاً نرثه كما نرث بيتنا، وإنما عندهم الهوية إبداع. الإنسان يبتكر هويته كما يبتكر نفسه، فقد غيروا مفهوم تقسيم العالم أو البشر من كافر ومؤمن، وقالوا بالذات والآخر، وأضافوا أن الذات لا توجد إلا مع الآخر، وهو ما أخذه السورياليون فيما بعد، بحيث إن الإنسان هو دائماً في سيرورة نحو الآخر المختلف كي تكتمل ذاته ويكتمل وجوده. ومع ذلك المتصوفون ليسوا من التراث العربي الحقيقي الذي يعيش بيننا اليوم. فقد تم تهميشهم وجعلهم في حيز النسيان.

وربما السؤال السياسي المباشر الذي سُئله أدونيس في هذه الأمسية كان حول تأثيرات التدخلات الخارجية على المنطقة العربية، وعدَّ أننا نحن «إذ خرجنا من الخلافة العثمانية 1929، هل خرجنا بإرادتنا وبثورة خاصة قمنا بها نحن كعرب ضد الأتراك. نحن لم نفعل، وإنما أخرجنا البريطانيون والفرنسيون لا حباً بنا، إنما ليحلوا محل الأتراك، ويأخذوا ثرواتنا وفضاءنا الاستراتيجي ويهيمنوا علينا. قالوا لنا: هذه سوريا، وقبلنا، وقالوا لنا: هذا لبنان، وقبلنا، وقالوا لنا: هذا العراق وقبلنا. وزعوا علينا التركة العثمانية، ودخلنا في عثمانية جديدة. نحن الآن ولايات عثمانية. وليس هناك نظام واحد حرّ ذو إرادة مستقلة، كي يكون عنده حريات، وجامعات مستقلة. نحن ولايات عثمانية جديدة للبريطانيين والفرنسيين والآن للأميركيين».

وتوجه وهبي لأدونيس بالقول إن البعض يرى أن منطلقاته منحازة غير علمية، ولها أبعاد ذاتية، وأجاب: «الله يقول لنبيه إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، لكن المسلمين اليوم لا يتركون الله ليهديهم، يحبون أن يهدي بعضهم بعضاً». وحين سُئل عن المستقبل، قال: «إن جلسة كالتي جمعته بقرائه ومحبيه في (متحف نابو) بما حملته من صراحة وحرية وحوارات مفتوحة، هي مما يبشر بخير ويجعله يتفاءل بالغد».

عن "الشرق الاوسط" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية