أتراك يركبون قوارب الموت هرباً من جحيم أردوغان

أتراك يركبون قوارب الموت هرباً من جحيم أردوغان


08/09/2020

زادت القبضة الأمنية على المعارضة التركية، بعد الانقلاب المزعوم، عام 2016، والذي كان بداية جديدة لمسلسل القمع، الذي زجّ بالآلاف خلف القضبان، ودفع البقية إلى الهرب خارج البلاد، حتى وصل الأمر إلى قوارب هجرة غير شرعية.

تعدّ ألمانيا واليونان أكثر دولتّين يتجه إليهما اللاجئون الأتراك، إذ أعلنت ألمانيا، عام 2019، أنّ عدد الأتراك الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا يشهد ارتفاعاً

واستقبلت اليونان آخر أيام الشهر الماضي، القوارب القادمة من تركيا، وتحمل على متنها عشرات الهاربين من الجحيم الأمني، ولم تكن هذه القوارب الأولى، فعلى مدار عامين استقبلت اليونان عشرات القوارب، والآلاف من طلبات اللجوء السياسي، كما حدث مع ألمانيا، التي استقبلت النسبة الأكبر من المهاجرين الأتراك، إذ تعدّ الدولتان وجهة أساسية للهاربين من جحيم أردوغان.

خدعة الانقلاب

في الخامس عشر من تموز (يوليو) الماضي، حلّت الذكرى الرابعة للانقلاب التركي المزعوم، الذي تمّ دفع ضريبته من الحقوق والحريات الفردية للمواطنين، فقبل انقضاء أسبوعين على هذا الحدث، الذي عُدّ فصلاً جديداً في الحياة السياسية، تمّ اعتقال ما يزيد عن 18000 مواطن تركي، بتهمة المشاركة في قلب نظام الحكم، بحسب صحيفة الـ "بي بي سي"، ومع ذلك لم تظهر، حتى الآن، الحقيقة حول من يقف خلف هذا الانقلاب، لكن أكثر النظريات تتطرق إلى أنّ الرئيس التركي هو من دبّر هذا الانقلاب، حتى يتمكّن من الإطاحة بمعارضيه.

 وبحسب المحلل السياسي التركي، بركات كار؛ فإنّ المتأمل لأحوال تركيا بعد الانقلاب، يمكنه التأكد من أنّ الرئيس وحزبه هما الرأس المدبر لهذا الانقلاب الفاشل.

يتابع كار، في حديثه لـ "حفريات": "قبل الانقلاب كان أردوغان يعيش حالة من التذبذب بشأن إمكانية الإطاحة به على خلفية تدخلاته غير المعلنة في سوريا، ونظراً إلى ميوله التوسعية، التي اتضحت فيما بعد، فإنّ رغبته في التمدّد السياسي / العسكري في المنطقة، لم يكن ليسمح له بها حتى بين أنصاره، لكن كان عليه تخويف الأتراك مما عانوا منه لعقود، فالانقلابات العسكرية، التي لطالما كانت داء عانى منه الناس، كانت الأداة الناجعة في يد أردوغان، ليحكم قبضته الدامية التي امتدّت لتتسع كلّ من لا يتملق الرئيس، ونجده الآن ينتقد السياسات الأمنية لبعض الدول العربية، تجاه جماعة الإخوان الإرهابية، بينما لا يتورع عن ارتكاب جرائم وحماقات بحقّ المعارضة، ولا يدرك أنّها وضعت البلاد في مأزق أمني واقتصادي وحقوقي، لكن، في رأيي؛ إنّ هذه القبضة كانت تمهيداً منه لتدخلات خارجية، لن يقف الشعب أمامها، بعد أن ظهر لهم بصورة الرئيس المُخلّص من شرور الانقلابات العسكرية، التي لطالما أذاقت الشعب التركي ويلات الحرب وأسالت كثيراً من الدماء".

المحلل السياسي التركي، بركات كار لـ"حفريات": المتأمل لأحوال تركيا بعد الانقلاب، يمكنه التأكد من أنّ الرئيس أردوغان وحزبه هما الرأس المدبر لهذا الانقلاب الفاشل

   قبل أن ينقضي العام الأول على مسلسل الانقلاب، دعا الرئيس التركي إلى التصويت على استفتاء لتعديلات دستورية جديدة، فاز الرئيس على إثرها بولاية جديدة، عام 2018، إذ منحه هذا الاستفتاء، الذي صوّت عليه بـ "نعم"، 51 % من الكتلة الانتخابية، وضمن صلاحيات عديدة للرئيس، كان أهمّها؛ التعيين المباشر لكلّ المسؤولين في البلاد، وسلطة التدخل في النظام القانوني، وفرض حالة الطوارئ إذا أمر الرئيس.

 تكميم الأفواه وقصف الأقلام

كجزء من الحبكة الدرامية لمسلسل الانقلاب، عزّز الرئيس مدته الرئاسية الجديدة، واستهلّها بالمزيد من حملات الاعتقال العشوائية، وبرّر كلّ هذا للشعب في خطاباته الشعبوية المعتادة، بأنّه حماية للديمقراطية التركية، التي رغب الانقلابيون (الإرهابيون بحسب تسميته لهم)، بالانقضاض عليها، لكنه يحميها، ويبدو أنّ الرئيس تناسى أنّ أهم دعائم الديمقراطية هي حرية الكلمة، لكنّه أول التفات له بعد اعتقال العسكريين كان إلى الصحفيين والكتّاب وشباب الأحزاب، فأصبح كلّ معارض متهم يجب الزجّ به في السجن؛ ففي عام 2019 أكّد اتحاد وسائل الإعلام التركي؛ أنّ 95% من وسائل الإعلام في البلاد تعمل تحت مظلة الحزب الحاكم، والبقية تعمل تحت المراقبة والمطاردة، وضغط الحجب الإلكتروني، وهو ما نفاه الحزب الحاكم بدوره، بينما  استخدمت  الحكومة أوامر حظر النشر "لحماية الأمن القومي"؛ ففي الفترة بين 2011 و2018 كان حزب العدالة والتنمية وحده في الحكومة، وأصدر خلال هذه المدة 468 حظراً للنشر، وما يثير الانتباه هو أوامر حظر النشر الصادرة خلال الشهرين الأولين من العام الماضي، التي وصلت إلى 34 حظراً.

لم يكتفِ الحزب الحاكم بالحجب وقصف الأقلام، بل زجّ بأكثر من 150 صحفياً خلف القضبان، كانت المحكمة قد حكمت بحق 53 صحفياً بتهمة إهانة الرئيس، وهي تهمّة غير دستورية، كما امتدّ البطش إلى الفصل التعسفي بحق الصحفيين، فقبيل انتخابات البلدية التركية في العام الماضي، بلغ عدد الصحفيين المفصولين من أعمالهم 8 آلاف، من بين 24 ألفاً، بحسب تصريح رئيس اتحاد الصحفيين الأتراك، نظمي بيليغين، لوكالة "DW" الألمانية، وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة بودابست، آسلي كراكا؛ أنّ مؤشر حرية الصحافة هو أحد أهم مقاييس الديموقراطية التي يقضي عليها الحزب الحاكم بسياساته القمعية، والتي تنذر بانفجار شعبي في وجه الديكتاتور لن يقدر على كبح جماحه.

في البرّ والبحر نهرب

تعدّ ألمانيا واليونان أكثر دولتّين يتجه إليهما اللاجئون الأتراك، خاصةً بعد الانقلاب المزعوم؛ إذ أعلنت وزارة الداخلية في ألمانيا، عام 2019، أنّ عدد الأتراك الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا يشهد ارتفاعاً منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا، في صيف عام 2016، وبلغ عدد طلبات اللجوء المقدمة من أتراك، خلال الفترة من عام 2013 حتى عام 2015، نحو 1800 طلب، بينما ارتفع العدد إلى 5742 طلباً، خلال عام 2016، وإلى 8483 طلباً عام 2017، وإلى 10075 طلباً، خلال الفترة من كانون الثاني (يناير)  حتى تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018، بحسب بيانات المكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين.

اقرأ أيضاً: أتراك يطلبون اللجوء إلى اليونان... ما الأسباب؟

تضيف كراكا، في تصريح لـ "حفريات": "تركيا أصبحت بيئة طاردة للعقول الإبداعية، خاصة بعد الانقلاب والقبضة الأمنية تحت حكم الإخوان المسلمين، ولم تقتصر طلبات اللجوء المتزايدة في ألمانيا على مجرد لاجئين؛ بل شملت أدباء وعلماء وناشطين بالحراك الطلابي، أصابهم الملل من الخناق المفروض عليهم وهذه هي الكارثة".

ومع تصاعد التوتر بين اليونان وتركيا، أعلن خفر السواحل اليونانية وصول قارب عبر بحر إيجه يحمل عشرات الأتراك، مطالبين باللجوء، بعد أن أفصحوا عن الانتهاكات التي تعرضوا لها في تركيا، ويأتي هذا بعد أن نشرت "وول ستريت جورنال" تحقيقاً، عام 2018، تشير فيه إلى أنّ عدد طالبي اللجوء الأتراك في اليونان، بلغ 4 آلاف طلب، وكان هذا بالتزامن مع افتعال تركيا لأزمة اللاجئين مع اليونان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية